وأجيب زاعما أن والدي جلب إلى السوق نعجة أو خروفا فينفجرون ضاحكين لعلمهم أن والدي لن يبيع نعجة من أجل أن أقتني تلك التافهات من الأشياء، ومرة اكتشفت عندي تلك الفتاة التي عينها لي سيدنا الطالب لتكون من نصيبي؛ مرآة يد مستديرة صغيرة فرفعت بي وشاية إلى الطالب.. وكانت عائلته الكبيرة من ضمن الشركاء في الحانوت؛ فعلق بما معناه أن تلك المرآة هو بعض قطرات من فيض.. ولم يستجوبني عن مصدر المرآة ولا وبخني؛ ولكنه عبر عن معنى أكثر إيلاما نفسيا؛ وهو أنه يعلم بسرقاتي.. وتبعتني وصمة السرقة بعد ذلك؛ فقد تعرضت سلعة الحانوت المخزنة في المخبإ فيما يبدو لسرقة حقيقية هذه المرة من قبل أناس قادرين؛ وزعمت إحدى بنات عمتي وكانت أرملة مات عنها زوجها في فرنسا من وقت قريب في ظروف غامضة وهي تلك التي زعمتُ يوما لعمتي أني زرتها في بيتها وهي عروس، ادعت أنها رأتني تسللت إلى المخبإ وكانت كاذبة في شهادتها إذ لم أتسلل قط لذلك المخبإ في تلك الفترة؛ ولم أدر لم آذتني ابنة عمتي بتلك الشهادة المجانية وكنت أكن لها كل الود والتوقير .. والحق؛ إن ضميري كان يخزني وخزا وكنت مرعوبا من العذاب في اليوم الآخر؛ إذ مع حرارة شمس الربيع تقشرت بشرة وجهي وظهر فيها بعض الدخن والسواد؛ وكنت أقرأ في لوحتي "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.." من سورة آل عمران .. فبدا لي أني انكشفت للعالمين؛ وأن السرقة قد ارتسمت على وجهي تفضحني فكففت وندمت ..وانتهت حكاية السرقة وحكاية الحانوت جملة بأن تمت الوشاية لدى مصالح لاصاص بوجود دكان غير شرعي في المشتى؛ ولكن الشمبيط السعيد بن قاواو عين الثورة لدى القبطان في ثكنة لاصاص؛ أشعر أهل الحانوت في الوقت المناسب بالوشاية؛ فتمت تصفية السلعة؛ وبقي الحانوت ومخبإ الخزن قاعا صفصفا؛ فلما خرج العسكر لمصادرته لم يجدوا شيئا؛ واستشاطوا غضبا فصبوا نيران رشاشاتهم على أفراس كانت ترعى بالقرب من المكان؛ فأصابوا فرس عمي في مقتل.. خرت الفرس بعد أن ركضت بجراحها مئات الأمتار؛ وظن الظانون أنه يمكن علاجها فقدموا لها علاجات بدائية من أعشاب وزيوت ونحوها وكانت تشكو بثها وآلامها المبرحة بحمحمات متواصلة جعلتنا نتألم ونجزع لحالها ونشاركها آلامها؛ وكانت مهرتها الصغيرة تطوف بها تقترب منها قليلا ثم تبعد مستنفرة محمحمة بدورها في قلق واضطراب؛ ورأينا مشهدا لا يختلف في شيء عن مشاهد الفقد والجزع والحنان لدى الإنسان .. وحين جن الليل اضطررنا إلى تركها والانصراف عنها وقد يئسنا من قيامها.. وفي الغد؛ ونحن نتفقدها وجدنا جانبا منها قد نهشته الذئاب وقد نفقت؛ وشرع الذباب الأخضر يتجمع حول جراحها الثاخنة وحول عينيها الجامدة كعيني سمك رامج آخذ في التعفن.