الحلقة 25 أبو العباس برحايل وفي هذه الفترة كنت مقدما استخلف الطالب حين يكون غائبا؛ فأملى على القدادشة ألواحهم من المصحف.. وكنت بعد الختم صادرا عائدا مكررا للحفظ من سورة البقرة نحو الأسفل؛ وكنت كل يوم أكتب نصف الحزب؛ وأمحوه في صبيحة الغد؛ وكان الطالب قد أوكلني لنفسي، فلم أعد أعرض عليه في المساء محفوظي في اللوحة ؛ لكني كنت أحيانا أختان نفسي أولا؛ وأخون بالنتيجة ثقة الطالب ثانيا حين كنت أمحو لوحتي من غير حفظ فعلي.. دون أن أقلل من شأن اجتهادي في الحفظ؛ فقد استعرت نسخة مصحف أعمامي من بيت جدي ورحت أراجع وأحفظ من النسخة إلى الدرجة التي ينزعج فيها والدي من مرابطتي الطويلة في البيت منكبا على النسخة أتلو القرآن بصوت عال كما لو كنت في الجامع؛ وقد كان يريد مني السعي بعد الخروج من الجامع وراء البهائم والذهاب للسقي واستقبال الراعي في رواحه بالغنيمات حتى لا تنفش في حرث الناس ونحو ذلك من انشغالات الحياة اليومية في الريف .. ومقابل هذا الاجتهاد الفذ؛ أصبت قبل هذه الفترة من حياتي بلوثة أخلاقية؛ وقد أمست يدي تمتد إلى ما ليس ملكا لي ..لا أدري كيف اكتسحني هذا الداء .. بدأت أعراض السرقة علي بسف السكر حين تغيب الأم من البيت؛ وحين أدركت سرقاتي واكتشفت إغاراتي أمست تخفي عليّ علبة السكر بأن تضعها مثلا في قدر طينية وترد على القدر غطاءها أي كسكاسها المثقوب؛ لكن تحرياتي الدقيقة تجعلني أصل إلى الوعاء وأنهبه وأسفه سفا .. ولم يبق لها حينئذ إلا أن تدسه في صندوقها الأحمر وتقفل عليه بالمفتاح مع نفائسها إن صح وكان ثمة نفائس .. وكان مرة أن جاء أصهار عمي بحمولة زيتون من الحامة متجهين بها إلى نقاوس بقصد عصره؛ وحيث إن الدور في المعصرة ما زال بعيدا؛ فقد فضلوا خزن الزيتون في غرفة الحانوت حتى يأتي دورهم؛ فأحدثت ثقبا فاحشا في أحد الأكياس وآخذ منه كل يوم قبضة من ذلك الزيتون وأتناوله رغم طعمه المرير الحريف.. وقد شكوا لأختهم زوجة عمي فعلتي خاصة في استحداث الثقب ووبختني توبيخا شديدا .. خاصة وقد كانوا بعد عصرهم لزيتونهم يمدوننا ببعض أكيال من الزيت ومن مرجه يوزعونها على بيوت الحي هدية أو زكاة، لا أعلم.. ودخلت مرة مطبخ جدي في غفلة تامة فلم أجد ما آخذ غير الولاعة التي يوقدون بها النار؛ وكانت تحفة ثمينة وقد أخذتها بقصد اللهو واللعب ثم أعيدها؛ ولكني رحت أفككها بسائق الفضول والاستطلاع ولم أستطع إعادة تركيبها بعد ذلك؛ فما كان علي غير أن أدفن أجزاءها المفككة في سرداب!… وقد كان لأحد أعمامي حانوتا للمواد الغذائية في شراكة مع آخرين .. وكان بعض سلعة الحانوت يخزن بمخبأ للثورة في شعبة السيف بالجوار؛ اكتشفته مبكرا والشعبة كلها أعرفها شبرا بشبر. وكان والدي من ضمن مَن قام بحفره وتهيئته.. فكنت أتسلل إليه رغم أن عمي كان ذا أريحية؛ حين يرسلني والدي لأشتري شيئا؛ يملأ كفي بالحلوى.