الحلقة 41 هل كانت الأم على علم بسبب اختفائه وكتمت ذلك عني.. من المؤكد ذلك لأنها لم تبد كبير قلق لاختفائه؛ وسيتضح بعد أيام أنه فر بجلدته إلى الجزائر العاصمة؛ وبذلك تصبح العائلة تحت مسؤوليتي وفي عمري ثلاثة عشرة سنة.. أي ففضلا عن الذهاب إلى الجامع للحفظ، علي أن أقوم بكل ما يقوم به الوالد من احتطاب وجلب ماء، وتهيئة الأعلاف ورعي بهائم؛ ومرافقة الراعي في انطلاق السراح واختتام الرواح، وتسوق ….وفي هذه الشهور الأخيرة ونحن نقترب من نهاية الثورة ارتخت سلطة الثورة في منطقتنا وأمسى التسوق مباحا للجميع بعد أن كان ممنوعا إلا بترخيص، فصرنا نتسوق لنقاوس ولرأس العيون..والتسوق لنقاوس أقرب فكنت أجهز حمولة حمار من نبات القتاد بعد حرق أشواكه الذي يتخذ علفا للبقر والبهائم.. وكانت السنة عام قحط وجفاف ندرت فيها الأعلاف المتخذة من التبن والكلإ والحبوب.. أبيع مثل غيري تلك الحمولة بنحو 300فرنك أو 400 أدفع منها للمكاس في الرحبة 25فرنكا، وأقوم بصرف الباقي في مشتريات مثل لتر من البترول للقنديل؛ ونصف لتر من زيت الذي بلا طعم للطبخ؛ وكيلو سكر؛ و200غرام بُنّا مطحونا؛ وقليلا من الخميرة؛ وكيلة تمر التي عادة ما أنهكها في الطريق قبل الوصول بها إلى البيت وقرطاس حلوى.. وغالبا ما تكون هذه هي لائحة مشترياتنا..وقد يضاف إليها أحيانا حبات من البطاطا وربطة بصل أخضر؛ وعلبة طماطم أو هريسة تونسية صغيرة؛ وحجرة من الملح؛ وقالب صابون من حجر!.. وفي هذه الحال لا بد؛ إضافة لبيع حمولة القتاد أن أبيع أيضا ما تم جمعه من بيض الدجاجات.. والدجاج في الشتاء مقلّ شحيح لا يعطينا غير القليل من بيضه الثمين الذي يصل في فصل الشتاء إلى 3 دورو..أي خمسة عشر فرنكا قديما ولا يخلو التسوق من المخاطر، فقد نصادف في الطريق أمامنا آليات العسكر الذاهبة إلى التمشيط؛ وفي الوادي الكبير نصادف ميدان الرماية الذي يقوم فيه العسكر بالتدريب على الرمي والتسديد، ونصادف كثيرا من الحواجز قبل الوصول إلى الرحبة التي نعرض فيها بضاعتنا والتي يداهمها الجندرمة والكناشات في أيديهم بحثا عن المشبوهين؛ وعن الشباب البالغين سن الخدمة العسكرية وعن الممتنعين من دفع الضريبة..ولأني كنت صغير السن لم أكن أتعرض للمساءلة؛ لكن رفاقي يختبرون أشد اختبار؛ ثم ما إن يبتعد الجندرمة حتى يأخذوا في المزاح والضحك عن الألفاظ والأساليب التي كانوا يجيبون بها عن الاستجواب بما يكون فيها من بلاهة وسذاجة وسوء استعمال للألفاظ .. وتبقى تلك الإجابات من النوادر التي يسوقونها ويلوكونها بعد ذلك للتسلية أياما وأسابيع ..