الحلقة 42 أثمان بيع القتاد والبيض الزهيدة قد تسد بعضا من هذه الحاجات؛ لكن حين تعلن الأم أن الدقيق المتبقي في المزاود إلى نفاد؛ فإن ذلك يعني البحث عن مصدر آخر لاكتيال الحبوب أو شراء الدقيق الجاهز.. وأنقذنا الوالد بإرسال مبلغ زهيد جاءني به أحد العائدين من العاصمة؛ وأخبرني أن والدي في حال بطالة وهو يبكر كل يوم إلى المرسى مزاحما للعتل والحمالة؛ ولكن جموع العتالين كبير؛ وإذا صادفه الحظ وعمل يوما في الأسبوع فهو محظوظ.. كان المبلغ عبارة عن ورقة من عشرين فرنكا جديدا وهي عملة جديدة أرادت بها فرنسا من جهة؛ امتصاص التضخم الذي سببته حربها في الجزائر؛ ومن جهة أخرى أرادت بهذه العملة الجديدة إلغاء الوجود الجزائري تماما؛ إذ صارت هذه العملة فرنسية خالصة؛ ولا يذكر فيها بنك الجزائر، كما كان الشأن في أوراق الفرنك القديم..اشتريت بالمبلغ بعض كيلوغرامات من الدقيق لإقامة الوأد حتى فرجت؛ بأن جاءتنا حوالة معتبرة من فرنسا أرسلها لنا عمي حمو وأنقذت الموقف.. وفي هذه الفترة يتم إلقاء القبض على أحد شبان المشتى وكان فتى رومانسيا رقيق المشاعر رغم أميته.. فقد جند في الثورة فدائيا ومن أوائل من جنّد لكنه أبان عن رومانسيته وعن جبنه بما كان يذرف من دموع وبنزعه للثوب العسكري وعدم التقيد بلبسه.. فسرّح وقد تبين أنه لا يصلح أن يكون فدائيا.. لقد كان مولعا بإحدى بنات عمتي الفائقة الجمال بمقاييس الريف والتي رفضته بتاتا وتزوجت فتى آخر مهاجرا؛ وقد دفع المهاجر أغلى مهر في تلك الفترة سبعين ألفا.. مات الفتى مستشهدا في الغربة بفرنسا في سبيل القضية الوطنية.. وأحيى استشهاده في نفس فتانا الرومانسي الرعديد الأمل في الحصول على فتاة أحلامه وقد ترملت الفتاة؛ وعاشت تقريبا شبه عذراء إذ لم يمكث معها زوجها غير فترة قصيرة؛ وغادر إلى المهجر الذي لم يعد منه أبدا بما في ذلك جثمانه.. لكن الفتاة كانت تكرهه كراهية لا حد لها؛ وتمقته مقت الموت؛ وسارعت إلى الزواج من فتى آخر فلاح يتيم؛ ولكنه طافح الرجولة يقيم في فج غنية البعيد وراء الجبل.. وبعث السعيد بن قاواو عين الثورة لدى القبطان في لاصاص إلى المسؤولين؛ أن احذروا.. إن فتاكم المعتقل يكون قدم معلومات للعدو..