وزير التكوين والتعليم المهنيين يستقبل البروفيسور كريم زغيب    الطغمة الانقلابية في مالي تحاول صرف الأنظار عن فشلها    إجراء تقييم شامل لمحاور التعاون الجزائري-الإثيوبي    تأمين ولوج التلاميذ إلى الفضاء السيبراني    رؤية استراتيجية ومشاريع ملموسة للتحوّل الرقمي بالجزائر    فرض رسوم على إعادة بيع السيارات لوضع حد للمضاربة    الشعب الجزائري سد منيع أمام حملات الاستهداف الخارجي    ملتقى دولي حول التراث الجزائري المخطوط    هذا هو المبلغ الأقصى للسحب اليومي عبر مكاتب البريد    فرنسا: المسيرة الدولية للإفراج عن المعتقلين السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية تحط الرحال بمدينة بوردو    "السياسي" في تربص بسيدي موسى    أزمة في تونس بسبب بلايلي والترجي يهدد بالانسحاب    مدرب فينورد يدافع عن حاج موسى ويشيد بإمكانياته    البطولة الوطنية المفتوحة للتجذيف: نادي "سباق نوتيك الجزائر" يظفر باللقب    كرة القدم/المديرية الوطنية للتحكيم: ندوة الفيفا للمواهب الشابة لفائدة الحكام من 13 إلى 17 أبريل    السياحة بسكيكدة تتدعم بهياكل جديدة    106 مشروع لتنمية وعصرنة أربع بلديات    رفع ملف مفصّل حول احتياجات الولاية إلى السلطات العليا    الانتهاء من تصميم أول رقاقة إلكترونية من قبل باحثين جزائريين    وزير الثقافة والفنون يكشف عن قائمة المواقع الثقافية والطبيعية المقترحة للتسجيل على القائمة الإرشادية للتراث العالمي    الطريقة القادرية تستنكر الاتهامات الباطلة للحكومة الانتقالية بمالي ضد الجزائر    أزمة الهوية في الدراما التلفزيونية الجزائرية    تركيز الاهتمام على السينما الفلسطينية    مجمع صيدال: تعيين السيد يحي سعد الدين نايلي مديرا عاما جديدا    فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم: الصوت الآخر للثورة الجزائرية    عطاف يجري بأنطاليا محادثات ثنائية مع نظرائه من السودان, فنزويلا, اليمن والبوسنة والهرسك    خنشلة : "التراث الجزائري المخطوط" موضوع ملتقى دولي يومي 15 و16 أبريل بجامعة عباس لغرور    أمطار رعدية ورياح قوية في 14 ولاية بدءاً من هذا السبت    مسابقة وطنية لإنشاء البرمجيات الإلكترونية    المجاعة تنهش غزّة    ليلة لا تُنسى بقسنطينة    والي العاصمة يعاين مشاريع تهيئة الواجهة البحرية    توقيف مشتبه به في قتل مديرة    الجزائر وروسيا تعزّزان شراكتهما    نراهن على سياسة تنافسية, مع ضمان جودة الخدمات و بأفضل الاسعار    الزبون "ملزم قانونا" بعدم التورط في أي شكل من أشكال المضاربة    السهر على توفير كل التخصصات الطبية بالمصالح الطبية الإستشفائة    تأكيد على وجوب إتمام جميع الترتيبات المتعلقة بالتحضير للامتحانات    معالجة الظاهرة تتطلب رؤية "شاملة ومندمجة" وحلولا "جذرية"    لا حل للقضية الصحراوية إلا في إطار الإلتزام باتفاق سنة 1991    استشهاد 6 فلسطينيين بينهم أطفال ونساء بقطاع غزة    12500 جريح ومريض في غزة بحاجة عاجلة إلى إجلاء طبي    إشادة بالرؤية "الجديدة" لرئيس الجمهورية فيما يتعلق بالذاكرة الوطنية    هبوب رياح قوية على عدة ولايات ساحلية    سطيف : المجتمع المدني يقول " كفى" لآفة المخدرات    البيض.. الطريقة الشيخية الشاذلية تدعو إلى تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز اللحمة الوطنية    لا يمكن لمجرمي الحرب الصهاينة الإفلات من العقاب    ميراث نضال وما أشبه الأمس بالراهن!    وزير الصحة يشرف على اجتماع لمتابعة مشاريع المستشفيات الجديدة ويؤكد على نظام استشفائي متعدد التخصصات    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    سايحي يدعو الى تسيير المصالح الطبية بالمستشفيات الجديدة بنظام إستشفائي ضمن شبكة متعددة التخصصات    صادي يُجدّد الحرص على مرافقة الأندية    هذا آخر أجل لمغادرة المعتمرين    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    لقاء علمي حول حفظ وصيانة المخطوطات    الجزائر محمية باللّه    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تتمة تفسير الاستعاذة
نشر في الحوار يوم 11 - 06 - 2015

فإذا نويت قراءة القرآن فتهيأ لها بما تستطيع أنت القيام به من واجبات وسنن متعلقة بالتلاوة وآداب المصحف، ثم قبل أن تشرع في القراءة استعذ بالله من الشيطان الرجيم لأنك داخل على الله لتسمع كلامه العظيم، والمقبل على الله لا يليق به الاكتفاء بما تلتقطه آذناه من وشوشات صوتية صارفة للقلب عما هو مستغرق فيه، فالقرآن سمع وإنصات، وليس سماع الأذن فحسب وإنما سماع القلب والعقل والروح..وجميع ملكات الجوارح، وكأنك جبل سوف يجعل نزول القرآن عليه خشية وتصدعا، لأن النازل على جبال القلوب هو كلام الله الذي أكرم به البشرية وختم به علاقة الأرض بالسماء، لما أبت السموات والأرض والجبال أن تحمل الأمانة التكليفية شفقة على نفسها منها، وحملها الإنسان، فكانت ذؤابة هذه الأمانة عقل الإنسان الذي تهيأ لاستقبال نقل القرآن، فإذا قام هذا العقل بأمانة التكليف وصار يبحث عما أوحى الله به لرسله، فإنه سوف يستثير حمية الشيطان الذي وجّه له " الله جل جلاله" أمرا واحدا بالسجود لآدم فردّ الأمر على الآمر، فتأتي أنت من ذرية عدوّه آدم (ع) لتغطس نفسك في رحمة الله وتترك الدنيا كلها وراء ظهرك لتتفرغ لقراءة " كتاب الهداية " الذي يعمل إبليس على محوه من قلوب المؤمنين، فكيف نتصور غيابا للشيطان عن مثل هذه اللحظات المسبحة بحمد الله؟
إن القارىء لكتاب الله تعإلى مطالب بأن يخشع ويتدبر ويتفكر في أسراره، حتى لو لم يكن عالما، والشيطان يعمل على أن يصرف كل من له صلة بكلام الله إلى لغو الحديث، ولأن المعركة بين الإنسان والشيطان ليست متكافئة في أدواتها ولا بين أطرافها، فإن المؤمن بحاجة إلى طلب المدد من ربّه ليدخل معركة فيها كثير من الأسلحة المدارة من وراء عالم الشهادة، ولا مدد لمؤمن لإدارة هذه المعركة- إلاّ بلجوئه الواثق إلى رب الإنس والجن، يستعين به على مدّه بما هو غيب، ولعل أبسط مثال على ذلك هو أن كل منضبط بقواعد العمل داخل أي مؤسسة تراه حريصا على أن يسمع الأوامر والتوجيهات الصادرة عن الجهات العليا دون تشويش ينحرف بها عن مقاصدها، وإذا تعذر عليه ذلك يطلبها من مصادرها لمنع التشويش عنها، حتى تصله صافية فيستوعبها ويفقهها ويجتهد للعمل بها لينال الحظوة عند رؤسائه !! فإذا كان هذا النزوع حاصلا بين الناس، فما بالك إذا كان الآمر الناهي هو رب العالمين؟! ولله المثل الأعلى.
فالمؤمن مطالب بأن يجتهد في تهيئة أجواء الإستماع إلى أوامر الله ونواهيه بنزع كل الوسائط المشوشة على قلبه وعقله ونفسه، ليصله خطاب الله صافيا عذبا زلالا، وهي لا تخرج عادة عن ثلاث حالات:
– حالة ما في نفس القارئ من شواغل الدنيا، لأن القلب لا يستقبل إلاّ واردا واحدا، فإذا كان مشغولا بأي صارف من صوارف الحياة الدنيا لم يسعف صاحبه على الاستماع ولا على الإنصات الممكّنيْن للقرآن بأن يستقر في بؤرة الشعور كما تستقر البذور في التربة الطيبة فتثمر ثمرة طيبة، لذلك كان واجبا على قارئ القرآن أن يهيئ له نفسه كما تتهيأ الأرض العطشى لاستقبال غيث الله النازل بعد طول قنوط، لقوله تعالى الصادر لكل من يتهيأ لقراءة كلامه "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "الأعراف: 402.
-وحالة ما حوله من صوارف وملهيات، وما أكثر ما يحيط بالإنسان من هذه الغواشي التي تحجب القلب فتمنعه عن استجماع مجامعه وتعوق العقل عن التدبر فيما تنقله إليه الآذان، فلا يتحقق المقصود من التلاوة، فلا القلب يخشع ولا العقل يتفكر ولا الإيمان يزداد بسماع كلام الله الذي يحمل لقارئه المخبت المتدبر لآياته خواص النور الطارد للظلمة، والشفاء المعالج للسقم، والرحمة المنزلة على المؤمنين.. .
-وحالة ما يبثه الشيطان في قلب الإنسان من وسوسات ليمنع نور القرآن من الإنتشار والتمدد في كهوف النفس البشرية، فتتشربها الخلايا المسبّحة بحمد الله فيتم بها الشفاء الكامل من جميع الأسقام والعلل، وتتنزل بها رحمة الله على العقل والنفس والقلب فيستقيم الإنسان على منهج الإيمان ويدخل في زمرة عباد الله المخلصين، ويخسر الشيطان واحدا من خصومه التارخيين الذين هم ذرية آدم (ع) المهتدين منهم والضالين، ممن توعد أن يغويهم أجمعين "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ"، ص: 28 – .38
فكل هذه الحالات الغافلة عن الحق المصروفة عن تدبر آيات الله..علاجها واحد، هو الفرار إلى الله (جل جلاله) وطلب اللجوء إليه والعون منه على ما يشغل القلب وما توسوس به الشياطين، لذلك حدد المولى تبارك وتعالى صيغة التعوّذ به والإحتماء به من عدوه وعدو جميع المؤمنين، بالتذكير بالصفتين اللتين يكره الشيطان سماعهما، وهما أنه شيطان لا صلة له بالملائكة عليهم السلام ولا بالمؤمنين من الجنّ، وأنه رجيم طريد من عفو الله مبعد عن رحمته منذ اللحظة التي رفض فيها تنفيذ أمر الله بالسجود لآدم حسدا وتكبرا، وتبرير هذه المعصية الكبرى باعتقاده الخيرية في عنصره الناري المفضل في نظر نفسه- على عنصر الطين، وكلاهما خاضع لاختيار الله بعلمه وقدرته ومشيئته "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" ص: 57 – 67 . فالتصقت به صفة اللعين الخارج من رحمة الله، المرجوم إلى يوم الدين "وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ" ص: 77 – 87، وهو ما يكره الشيطان أن يذكر به لأنه يعذبه في الدنيا قبل الآخرة ويشمت أعداءه فيه عند كل تلاوة.
فالشيطان يكره من يذكره بمعصيته الأولى، معصية رفض السجود لآدم ويصيبه الفزع كلما سمع اسمه مقرونا باللعنة الصادرة عن رب العزة (جل جلاله)، لعلمه أن الله هو الذي لعنه وأنه هو الذي أمر عباده المؤمنين بأن يلعنوه في كل حين وآن، وأن يذكِروه بحكم الله فيه ليظل مصابا بالضيق والحصار والصَّغار كلما تذكر أنه رجيم، وقد جاءت صيغة التعوذ بالله منه مقرونة بما يكره لإشعاره بفداحة الجرم الذي ارتكبه وبهول الجريمة التي اقترفها، إذ لا شيء يؤلم المجرم ويقع على نفسه موقع التبكيت مثل تذكيره بجرمه وإعلان البراءة من صنيعه، فما بالك إذا كانت هذه العبادة صادرة عن الله بفعل الشرط الرابط بين زمنية قراءة القرآن وجوابية التأدب بالدخول على الله بما أمر "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" النحل: 89، استعن بالله على تحقير الذي عصاه ورد أمره فكان من الغاوين فلعنه الله بعصيانه لأوامره وطرده من رحمته بتعاليه على الحق، والله وحده هو العارف بمقاتل الشيطان وبنقاط ضعفه وبالألفاظ التي تشل حركته وتقوّض خططه، وتحقر مكانته بين أتباعه.. وليس أثقل على إبليس من تذكيره عند قراءة كلام الله- بالجريمة التي أخرجته مماكان فيه من نعي !!وحرمته مما كان يتطلع إليه من منازل ومقامات لاسيما إذا صدر التذكير على لسان ذرية عدوه من أبناء آدم المؤمنين، الذي يعتقد إبليس أنه كان سبب غضب الله عليه وطرده من رحمته يوم أمره الله بالسجود فصار إبليس مجرما وآدم هو الضحية، فاعتقد أن قصة اللعن والطرد حدثت له بسبب أبينا آدم، ولم يكن هو المتسبب في غضب الله عليه بسبب تمرده على آوامره وعصيانه وطغيانه وتكبره وتطاوله على خالقه..ولما أمهله الله إلى الوقت المعلومكان إمهاله له فرصة لمراجعة ما وقع فيه من معصية القمة، لكنه رفض التوبة ورفض الإعتذار وفوّت على نفسه فرصة المراجعة، لماّ سأله الله جل جلاله " ما منعك أن تسجد؟"، ليشهده على نفسه بأن ما فعله لم يكن تأويلا منه ولا خطأ عارضا ولا نسيانا ظرفيا ولا زلة لسان..وإنما كان إصرارا وتوكيدا مبررا بخيرية النار !! فلو اعتذر كما صنع آدم وتواضع لله وخرّ ساجدا لعظمته وتبرّأ من غروره و"عنصريته" النارية لكان التاريخ قد تغيّر؟ ولكن الله يفعل ما يريد.
أفلا يكون من واجبات الإيمان أن يذكر المؤمن عدوّه وعدوّ أبيه آدم (ع) وهو مقبل على سماع الكلام الذي رفض إبليس سماعه؟ ثم أليس من تمام شكر المنعم على نعمة الهداية أن نبرأ إليه مما صنعه مؤسس حركة التمرد على الحق، لنتذكر أن المعركة بين الإنسان والشيطان لن تضع أوزارها ما دام فوق هذه الأرض حق وباطل وهداية وضلالة وعدل وجور..؟؟ إن الشيطان ليس كائنا طارئا على حياتنا فتاريخه مع أبينا آدم معروف، ولا نحتاج أن نخوض معه تجارب جديدة لنتعرف على أساليب المكر والغواية والخداع التي يستخدمها للوقيعة بذرية عدوّه الأول آدم (ع)، فمنهجه واحد وأساليب الوقيعة بضحاياه متطورة بتطوروسائل الإغواء وأدوات الضلال والإغراء، فقد حقق جزءا من برنامج الغواية والإحتكاك ونجح في إخراج أبوينا من الجنة في أول منازلة حصلت في تاريخ الصراع بين الخير والشر، فكيف يترك أبناء عدوّه يعودون إلى الجنة إذا انتصروا بحقهم على باطله وباستقامتهم على انحرافه وبإيمانهم على كفره وبهدايتهم على ضلاله..فالعداوة سابقة ومستحكمة وأبديّة ومستمرة إلى يوم يبعثون "إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ" الحجر: 73 – 83.
ولما توعّد إبليسآدم (ع) وذريته أن يزين لهم في الأرض وأن يعمل على غوايتهم أجمعين إلاّ من استخلصهم الله بهداية واصطفاهم لرسالة وأحاطهم بعناية ..رسم له الله دوائر حركته بالقول "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ" الحجر: 24، فلا سلطة للشيطان على الإنسان إلا إذا قرر الإنسان بإرادة حرة ذاتية منه أن يسلم زمامه له ويُسلم خطامه لشهواته ويتبع طريق الغواية فيكون له عبدا إذا لم يقاوم شهواته ويدافع نزواته ويفر إلى ربّه ويختار أن يكون عبدا لله لا "عبيدا" للشيطان.
ولكي يكون الإنسان عبدا من عباد الله يحتاج الفرار إلى كنف الله ويحتمي بحوله وقوته من سلطان الشياطين، فيذكر الله ويعوذ به من همزات الشياطين فيمنع الله عنه الغواية والغفلة، فلا تتسلط عليه الشياطين ولا تبسط سلطانها على عقله وقلبه ولا تشاركه في الأموال والأولاد ولا تعده شيئا من مواعيد الغرور..إذ بمجرد لجوء العبد إلى ربه تفقد الشياطين سلطانها عليه، لأن الله كاف عبده ومعيد من سأله عونه وفرّ إليه طالبا جيرته "إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" النحل: 99، لا قوة له أمام قوة الإيمان ولا قدرة له أمام عقيدة التوحيد والتوكل، فبماذا يقنع الشيطان أتباعه؟ وأيّ حجة يسوقها إليهم، وهو الذي كذب على أبيهم ثلاث كذبات مفتريات، أكدها باليمين الغموس:
-فزعم لأبينا آدم (ع) وأمنا حواء أن الشجرة المحرمة إنما منعها الله عنهما ليحرمهما من الإستمتاع بفضائل الملك وشهوة الخلد "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَ ذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ"الأعراف: 02، وأكد باليمين الناصح (الكاذب الخاطئ الغموس) أن الشجرة المحرمة هي وحدها فقط شجرة الخلد والملك الدائم "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى" طه: 021، كأنه وحده العالم بأسرار أشجار الجنة، وهو وحده العارف بأن الشجرة المحرمة على آدم وحواء هي نفسها شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى، ومع ذلك لم يأكل هو منها ليخلد ويكون صاحب الملك الذي لا يبلى؟ وتقمص دور الناصح الذي يدرج النصيحة المسمومة في أثواب القسم بالله ليطمئن المؤمنين بأن الكلام الذي يعمد صاحبه إلى إشهاد الله عليه لا يمكن أن يكون إلاّ حقا وصدقا "وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ"، الأعراف: 12.

فهل بعد هذه التجربة المريرة مع أبي البشرية آدم (ع) يحتاج الأبناء إلى تجربة جديدة مع ذرية إبليس ليتحققوا من خطورة ما توعّدهم به؟، وهل قطعيات الله (جل جلاله) بلعنه وطرده من رحمته تحتاج إلى إعادة عرض على الواقع ليكتشف الإنسان عمق العداوة المستحكمة بين الذريتين العدوّتين..ذرية آدم (ع) وذرية إبليس (عليه اللعنة)؟

فمن رحمة الله تعالى بعباده أجمعين أنه لم يجعل للشيطان سلطان علم ولا سلطان حجة يقنع بهما أتباعه، إذ ليس بين يديه ولا في مضامين وسوساته ما يقنع بشرا واحدا بأنه على حقّ، أو أن "بضاعته" التي يعرضها على الناس فيها من الإغواء والإغراء والقهر..ما يجعل الإستسلام لسلطانها قدرا مقدورا، فيطمئن القلب إلى سلامة نهاياتها فيقبل عليها وهو راض، فما من أحد أغواه الشيطانّ فوقع في شهواته إلاّ واستيقظ منها نادما بعد تمرغه فيها، فصحا ضميره وانتفضت مواجده فصار لاعنا للشيطان كارها لصنيعه نادما على تورطه في طريق الغواية، لذلك يكثر المذنب من محاولات النهوض بعد السقوط والتوبة بعد المعصية، وما سمعنا أحدا عقد مع الشيطان صفقة أبدية إلاّ هؤلاء الذين اختاروا بإرادة كاملة منهم أن يصبحوا هم أنفسهم شياطين الإنس يطلبون العون من شياطين الجن ويفرون إليهم بدل الفرار إلى رب الشياطين فيعيشون حياة المشقة والإرهاق والضنك يلتمسون العون من أوليائهم معتقدين أن بين أيديهم سلطانا، فإذا اكتشفوا ما أدلفوا فيه من ضلال أبعدهم عن منهج الله ولاحت لهم سرابات الخسران اتخذوا من حيل الشياطين مناهج حياة ومهيع سعادة ومناط فخر كاذب وخيلاء مزيف "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا"، الجن: 6. فمذا تملك الجن والشياطين من سلطان قهر أوحجة إقناع؟؟
يتبع…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.