تفاجأت وأنا أبحث عن ما يسد رمقي المتعطش لمشاهدة برنامج تلفزيوني مسلي للمستوى المنحط لبعض الممثلين، الذين لا يجيدون إلا لغة الشارع أي اللغة السوقية، أما الحديث عن الأداء فحدث ولا حرج، طابع الغالب لهذه البرامج الابتذال والارتجال، ضف إلى ذلك الميوعة التي شتتت شمل العائلات الجزائرية. برامج رمضان هذا الموسم كرست الرداءة بشتى أشكالها من خلال الاعتماد على الكم مقابل الكيف، حتى انطبق عليها المثل القائل "المندبة كبيرة والميت فار"، لم ترق المشاهد المقدمة إلى ذوق المشاهد المتعطش لأداء ينسينا أيام الزمن الجميل عندما كان التلفزيون العمومي ينافس نفسه ولكنه رغم ذلك كان يقدم برامج تلقى استحسانا من الجمهور الكريم، فبعض هذه البرامج لازالت راسخة إلى يومنا هذا، فمن منا لا يتذكر ثلاثي بلا حدود وفرقة أعصاب وأوتار التي كان يقودها علاوة زرماني وفتحي الروكي وغيرهم من الفنانين، الذين كانوا يرسمون بسمة بل ضحكة على تقاسيم الجزائريين في الأيام الحالكات، أي سنوات التسعينات عندما كان لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص. للأسف فقد الجمهور الكريم التواق والذواق لذة متابعة ما بقي من برامج على القنوات الخاصة التي ذهبت مجهودات هدرا بسبب اعتمادها على نفس الوجوه التي كرست الرداءة في الأعوام الماضية، فبعض البرامج أثارت الرعب في نفوس المشاهد الذي صام ليوم طويل، يقاوم لفحات الشمس والظمأ ينتظر ساعة الغروب من أجل أن يمتع نظره على أداء راق يسد قليلا من عطشه الدرامي، لكنه "أفتجأ "ببرامج منحطة ومخيفة، بل ومستنسخة في بعض الأحيان من برامج للأشقاء التواسنة كبرنامج "الرهائن" فهو مستنسخ من برنامج تونسي بنفس العنوان بث منذ سنتين على القناة التونسية الأولى، المتغير الوحيد "صرفي" محض بحيث تم تحويل كلمة رهينة المفردة- العنوان الخاص بالبرنامج- إلى الجمع فأصبحت "الرهائن"، مع إضافة بعض المساحيق، أما الفكرة مستوحاة من البرنامج ذاته. أما خيبة المشاهد الكبيرة فكانت في برنامج بث السنة الماضية على قناة "الجزائرية" عرف بسخريته من السياسيين لكنه هذه السنة حط الرحال بقناة أخرى بحثا عن مغانم أكبر، طاقم هذا البرنامج لم يجد ضالته في البيت الجديد، بعدما سقط في فخ الابتذال والميوعة، والأداء العشوائي غير المتناسق، إضافة لخروج بعض الممثلين عن النص، واجترار البعض الآخر كلمات سوقية تخدش الحياء. أسفي على هذه البرامج التي حاولت أن تصل إلى الجمهور العريض لكن رياح الرداءة قطعت أشرعتها، فكل مشاهدها مخيبة لم نر فيها إلا الرقص والهرج والمرج دون أن أقول كلاما آخر، فلو اعتمدت هذه القنوات على فئة قليلة متمكنة تملك المستوى الراقي والقدرة على الأداء الرائع لخرجت علينا ببرامج سترسخ في أذهان المشاهد، لكن سقطت جميعها في فخ الابتذال والارتجال والتقليد الأعمى للتوانسة والأتراك. يبدو أن الجمهور الجزائري قد طلق هذه البرامج وحول أنظاره صوب القنوات العربية، وراح يتجول هناك لعله يجد ما يسد رمقه من خلال مشاهدة باب الحارة وغيرها من البرامج الثرية التي تبثها هذه القنوات بعيدا عن التقليد الأعمى وبعيدا عن الارتجال، وبعيدا عن سياسة أنسخ ألصق وتكرار نفس المشاهد المشروخة والمملة والرديئة، لكن لا عجب إنه زمن الرداءة.