العمل/الصحة: التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخلية لجراحة المخ والأوعية ضمن إطار التغطية الصحية    الجيش الوطني الشعبي يحجز 7 بنادق وكمية من الذخيرة بإقليم القطاع العسكري تبسة    الذكرى ال49 لتأسيس الجمهورية الصحراوية : الشعب الصحراوي يحيي الذكرى بنفسية الإصرارعلى مواصلة الكفاح    وزير المجاهدين يشارك في مراسم تنصيب القائد الأعلى العام للشرطة بنيكاراغوا    الرابطة الثانية هواة: نجم بن عكنون يعزز صدارته, والقمة بين مستقبل الرويسات واتحاد الحراش لم تلعب    قضية اتحاد الجزائر-نهضة بركان: إنصاف محكمة التحكيم الرياضي انتصار للجزائر وللحق    القيود الفرنسية على حركة التنقل : الجزائر ترفض المُهل و ستسهر بشكل صارم على تطبيق المعاملة بالمثل    ليلة ترقب هلال شهر رمضان ل2025 سيكون غدا الجمعة    رخروخ يستقبل بنواكشوط من قبل الرئيس الموريتاني    صناعة الأدوية: الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في افريقيا    تجديد اتفاقية التوأمة بين جامعة الجزائر 3 وجامعة تيفاريتي الصحراوية    جنيف: لوناس مقرمان يلتقي بالمدير العام لمنظمة العمل الدولية    مراد يبرز الجهود المعتبرة لمنتسبي الحماية المدنية من أجل حماية المواطن وممتلكاته    عقد سوناطراك-سينوبك: وكالة "ألنفط" تستقبل وفدا عن الشركة الصينية    تحسن في التزويد بالماء الشروب في عدة بلديات بغرب وهران بعد إطلاق مصنع تحلية مياه البحر للرأس الأبيض    المغرب يتحول إلى "مكب" للنفايات الأوروبية: جريمة بيئية تكشف فساد النظام وتثير غضب الحقوقيين    أسماء مرشّحة للسقوط من قائمة بيتكوفيتش    حماد: الحفاظ على النجاحات المحققة ومضاعفة الجهد من اجل انجازات اخرى    يوم دراسي حول التوقيع والتصديق الإلكترونيين    ارتفاع قيمة التداول ببورصة الجزائر    تطبيع بلا قيود وقمع بلا حدود    إقبال واسع على الأسواق الجوارية بالجنوب    السيد قوجيل يعزي في وفاة محمد عبد اللطيف بلقايد شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية    بوغالي يعزي في وفاة محمد عبد اللطيف بلقايد شيخ الزاوية البلقايدية الهبرية    فقدوا كلّ شيء.. إلا الأمل!    تحرّي هلال رمضان غداً    رحلة ليلية جديدة بين العاصمة ووهران    الوزير الأول النيجري يشيد بإنجازات "سونلغاز" في إطار التعاون الثنائي بين البلدين    اتفاق وقف إطلاق النار في غزة: الاحتلال الصهيوني يشرع في الافراج عن الدفعة السابعة من الأسرى الفلسطينيين    حكومة نواف سلام تنال ثقة مجلس النواب اللبناني ب 95 صوتا    إيليزي: إجراء ما يزيد عن 300 فحص طبي وأكثر من 70 عملية جراحية    يوم دراسي بالجزائر العاصمة حول التعاون الجزائري العماني في مجال المتاحف    تعليق فوري للعلاقات مع مجلس الشيوخ الفرنسي    هذه أوقات عمل المؤسّسات التعليمية في رمضان    تجهيز مشروعين سياحيَين    مخطط مروري جديد يخفّف الضغط عن قسنطينة    مشاريع تنموية هامة ببلدية زموري    متقاعدو التعليم مهدَّدون بالطرد    ضبط الجدول الزمني لأشغال المجلس الشعبي الوطني    تخصيص سفينة لشحن البضائع المصدّرة إلى موريتانيا    نودّع إماما مربّيا ومعلّما أفنى حياته في خدمة الدين والوطن    مهمة صعبة ل"السياسي" أمام "العميد"    إرادة قوية ورؤية طموحة لتطوير الصناعة المحلية    10 آلاف عون لمراقبة الأسواق وحماية المواطن من المضاربة    الجزائر تدعو إلى تحقيق دولي في جرائم الكيان الصهيوني بغزة    أجال دفع تكلفة الحجّ تنتهي غدا الجمعة    أفرد ملفا خاصا بالجلسات الوطنية للسينما.. تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك"    قمّتان في سطيف وتيزي وزو ومهمة صعبة للاتحاد بالبيّض    21لوحة تبرز نقاط التقاطع والانجذاب    المنيعة..مشاريع تنموية جديدة لفائدة بلديتي المنيعة وحاسي القارة    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تعزيز العمل خلال شهر رمضان الكريم    تتويج الفائرين في الطبعة الرابعة للمسابقة الوطنية للصحافة البيئية    صادي رئيساً للفاف حتّى 2029    هل يحطم مبابي أسطورة رونالدو في الريال؟    كيف تفوز الأسرة برمضان؟    شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تنشر إمساكية رمضان    الشوق لرمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع كتاب ( رحلتي إلى أمريكا ) للأستاذ فوزي مصمودي
نشر في الحوار يوم 18 - 09 - 2015

هذا الكتاب شهدتُ لحظاتِ ميلاده الأولى ربّما قبل أن يبدأ صاحبه في تسويد صفحاته، وكنت من بين الذين شجّعوا الأستاذ والصّديق فوزي مصمودي على تأليفه، لأهميّة موضوعه أوّلا ولأنّي أعرف من خلال معايشتي الطويلة للمؤلّف أنّه لا يكتب شيئا إلّا إذا كان مميّزا وفريدا، وفيه معلومات جديدة ونافعة للباحث المتخصّص والقارئ العادي في وقت واحد.
وأخيرا وُلد الكتاب من رَحم التجربة المدهشة، التي عاشها صاحبها خلال ثلاثة أسابيع في ضيافة الدّولة الأولى في العالم، سواء من ناحية العمل والتكنولوجيا أو من ناحية القوّة والهيمنة العسكريّة والسّياسيّة، وكان خَليقا بكلّ من يزور بلدا كهذا أن يقف منبهرا حدّا التلاشي فيه، وقد لا يلام في ذلك، لكنّ رجلا من طينة الأستاذ فوزي مصمودي ما كان ليهزّ ذلك شعرةً في رأسه أو يغيّر شخصيّته التي تربّت على الفخر والاعتزاز بحضارة الأمّة والتّشبث بقيمها ومبادئها، فذهب إلى أمريكا ليأخذ أحسن ما عندها في المجال التّربوي والثقافي دون الشعور بالاستلاب الحضاري، ودون أن يحني هامته أو يطأطأ رأسه..
الكتاب من إصدار لجنة الحفلات لبلدية بسكرة، وطبع بمطبعة الفجر ببسكرة في ( 170 صفحة ) من القَطع المتوسّط عام 2009 م، وأهداني المؤلّف نسخةً منه بإمضائه بعد أن اطّلعت عليه مخطوطا وقرأت كلّ فصوله.
قدّم للكتاب كلٌّ من مدير التربية ( السّابق ) إبراهيم سردوك وكذلك السيّد رئيس بلديّة بسكرة ( السّابق ) أحمد كلاتمة والسيّد مدير جامعة محمّد خيضر ( بسكرة ) الأستاذ الدكتور بلقاسم سلاطنيّة والسيّد رئيس لجنة الحفلات علي طوير، فضلا عن مقدّمة المؤلّف المميّزة.
كانت الرّحلة في إطار برنامج ( الزائر الدّولي ) الذي هو عبارة عن تقليد سنوي تستضيف فيه الولايات المتحدة الأمريكيّة، شخصيّاتٍ وأصحابَ مواهبَ من مختلف نواحي العالم للاطلاع على الحضارة الأمريكيّة في مجال تخصّصهم، فكان الأستاذ فوزي مصمودي هو ثالث ثلاثة من الجزائر ذهبوا إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة عام 2006 م في فترات مختلفة، وكان أحدَ التسعة الذين مثّلوا العالم العربي ( قطر، المغرب، سلطنة عمان، مصر، فلسطين، البحرين، الجزائر )، كما ذكر في مقدّمة كتابه.
قسَّم المؤلّف كتابه إلى خمسة محطّات شملتها الزّيارة:
– المحطّة الأولى كانت واشنطن العاصمة
– وتلتها المحطّة الثانية ولاية مينيوسوتا
– أمّا المحطّة الثالثة فكانت ولاية أوكلاهوما
– والرّابعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا
– والمحطّة الخامسة والأخيرة ولاية كارولينا الجنوبيّة
وكان في كلّ محطّة يقدّم عنها نبذة تعريفيّة حول موقعها الجغرافي وشيئا من نشأتها وبعض جوانبها الاقتصاديّة والثقافيّة.. وهو في هذا ينحو منحى الرّحالة القدامى في التعريف بالبلدان التي زاروها أو حلّوا بها، ثمّ بعد ذلك ينتقل إلى تفاصيل الرّحلة في تلك المحطّة، وقد كُتِبت الرّحلة بأسلوب علمي ومنهجي دقيق يستفيد منه الباحث المتخصّص وطالب العلم المتطلّع إلى المعرفة.
وهناك ملاحظة أخرى لفتَت انتباهي كثيرًا في هذه ( الرّحلة العلميّة )، وهي كثرة الهوامش في الكتاب، والمتتبّع لتلك الهوامش يجد فيها المعلومات المركزة والمفيدة، وأحيانا الطريفة التي تخرج بالقارئ من جوّ التدوينات العلميّة الثقيلة على النّفس إذا طال نَفَسها السّردي دون ترويح بمثل تلك الهوامش..
وإذاً فالملاحظة الأساسيّة حول الرّحلة أنّ المؤلّف نحا فيها المنحى العلمي البحت، إذ دوّن فيها كلّ ملاحظاته وخلاصة معاينته للتجربة العلميّة والتربويّة والثقافيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وأقول أيضا قبل التوغّل في عرض مراحل هذه الرّحلة ومحطّاتها المختلفة؛ أنّها لم تحظ بالعناية اللازمة والدّراسة التحليليّة التي تستحقّها، رغم صدور الكتاب منذ حوالي خمس سنوات.. وربّما الذي يقرأ عنوان الكتاب يظنّ أنّها مجرّد رحلة استجمام وترفيه..
وأقول كذلك أنّ هذه الرّحلة من حيث قيمتها المعرفيّة ذكّرتني بالرّحّالة الأقدمين، الجبرتي وابن بطّوطة وابن جبير، والعيّاشي.. وغيرهم من الرّحّالة الكبار، الذين دوّنوا التطوّر والحضارة والازدهار العلمي للبلدان التي زاروها في ثنايا رحلاتهم تلك.
بدأ الأستاذ فوزي مصمودي بكتابة رحلته حسب الأيّام ووفقا للبرنامج الذي وضعته الجهة المستضيفة، واضعا بصمته المميّزة في كلّ صفحة يخطّها أو يسوّد بياضها بالكتابة عن حضارة القطب الأوحد، الذي تفرّد – تقريبا – بتوجيه سياسة العالم في شتى مناحي الحياة بوصفة سحريّة أشربت قلوب رجال الحكم والسّلطة في معظم بلاد العالم، إنّها ( العولمة ) أو ( الأسرة الدّوليّة ) التي تسكن قرية صغيرة اسمها كوكب الأرض..
ويذكر الكاتب في مقدّمته عن هذه الرّحلة:
" أذكر أنّني منذ الصّغر كانت تستهويني كتب الرّحالة والمغامرين التي تصل إلى يدي، فأقرأها بنهم وشغف كبيرين، كرحلة ابن بطّوطة وابن جبير وابن حوقل وابن فضلان…"
ولم يخلُ الكتاب من بعض التعليقات السّياسيّة نذكر منها ما جاء في صفحة 36 عن آثار هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 م إذ قال:
" مازالت تلقي بظلالها على حركة المجتمع الأمريكي واتّساع دائرة عدم ثقته في الآخر ".
ولم ينس الأستاذ فوزي مصمودي حسّ المؤرّخ لديه فبعد أن اطّلع على وثيقة إعلان الاستقلال عن بريطانيا والموقّعة من عدّة حكّام بارزين لولايات أمريكية ، منهم الرّئيس جورج واشنطن، فسأل السيّدة ( لي آن بوتار ) مشرفة خدمات التعليم والمتطوّعين عن بعض الوثائق والمراسلات الهامّة التي كانت بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكيّة، لاسيما رسالة الاعتراف بالاستقلال، إذ كانت الجزائر من أوائل الدّول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكيّة عام 1776 في عهد الداي بابا حَسَنْ، فوجدها تجهل ذلك لكنّها أخبرته أنّها ستبحث عن مثل هذه الوثائق وتقوم بدراستها ونشرها في مجلّة المركز.
وهذا الموقف من الأستاذ المؤلّف فوزي مصمودي يعدّ فعلا إيجابيّا ذا أهميّة بالغة، فهو كما قلنا لم يقف وقفة المنبهر المستلب بالحضارة الأمريكيّة، وإنّما أبان عن تاريخ بلادنا الشّامخ ومواقفها الحضاريّة المشرّفة وكان له في ذلك مواقف أخرى كثيرة سنذكرها بعدُ في موضعها.
كما لم ينس أن يشير إلى أنّ الرئيس الأمريكي أهدى مسدّسين للأمير عبد القادر الجزائري؛ مؤسّس الدّولة الجزائريّة الحديثة وقد حاولت السّلطات الأمريكيّة استرجاعهما بعد استقلال الجزائر لكن دون جدوى.. وسأل السيّدة المستقبلة أيضا إن كان بإمكان الجزائر الحصول على نسخ من الوثائق والمراسلات التي تتعلّق بالجزائر قبل 1830 م فكان ردّها بالإيجاب.
وهذا موقف آخر من مواقف الأستاذ فوزي مصمودي المشهودة في هذه الرّحلة والتي كشف فيها عن حسّ وطني كبير، فهو لم يستغلّ الرّحلة في السياحة والترفيه وربط العلاقات الشّخصيّة ( الذّاتية ) مع من يلقاهم من ممثلي الجهة المستقبلة، وإنّما وضع بين عينيه كيف يفيد وطنه وينفع أبناء أمّته من خلال هذه الرّحلة التي دامت ثلاثة وعشرين يوما.
القراءة ..القراءة..
كتب المؤلّف تحت عنوان ( على هامش رحلتنا ) قائلا:
" ما استوقفني في واشنطن هذه المدينة العملاقة أنّ أفراد مجتمعها يقرأون بنهم كبير، في كلّ مكان تجدهم يقرأون كتبا أو مجلّات أو جرائد..في المطارات، محطّات القطار، مترو الأنفاق.."
وذكر أيضا أنّ بعض المجلّات توضع في صناديق حديديّة بغير أقفال مبذولة في الشوارع للقرّاء مجّانا، ومعها بعض الكتب أحيانا وذلك تشجيعا للقراءة وحفاظا على القارئ، وعرّج الكاتب أمام هذا المشهد الحضاري والثقافي الرّاقي على الجزائر متألما ومتحصّرا على أنّه لا توجد في الجزائر مجلّة واحدة تصدر عن وزارة الثقافة بشكل منتظم.. !
وبحسّ الرّجل المسلم الباحث المنقّب الذي يشدّه إليه كلّ ما يتعلّق بالإسلام وبالتراث والتّاريخ؛ تحدّث الأستاذ فوزي مصمودي عن ولاية ( مينيوسوتا ) الولاية ذات ( 10.000 بحيرة ) كما يصفها، وذات الجمال الخلّاب والسّاحر، وتحدّث عن نظامها السّياسي المتفتّح وذكر أيضا جاليتها المسلمة الكبيرة والتي أغلب أفرادها من الصّومال، ويرجع إلى تلك الجالية الفضل في فوز المحامي المسلم كيث إيليسون في انتخابات الكونغرس الأمريكي، فكان أوّلَ مسلم يدخله، وقد أدّى اليمين الدّستوريّة على خلاف العادة وبشكل ملفت جدّا؛ على نسخة نادرة من المصحف الشريف في جلسة تولِّي الكونغرس الجديد.. !
وأقول في ختام هذا المقال عن كتاب ( رحلتي إلى أمريكا ) للأستاذ فوزي مصمودي الباحث في التّاريخ والإعلامي ذي التجربة الطويلة والتربوي الخبير، أقول أنّه ذهب إلى أمريكا كما تذهب النّحلة إلى حقل الزّهور تأخذ الرّحيق العذب الشّذي، وغبار الطّلع النّافع، وتتجنّب ببراعة فائقة الأشواك والدّبابير اللّاسعة، ذهب ممتلئا بشخصيّته الجزائريّة القويّة، شامخ الرأس ثبت الجنان يستند إلى تراث فكري وتاريخي عربي إسلامي، حصّنه من الوقوع في بهرج الحضارة الغربيّة الزائف، ومكّنه من الاطلاع العلمي البحت بحصانة كاملة من التأثير الإيديولوجي السّلبي. فالكتاب ( الرّحلة ) تحفة فكريّة وعلميّة تستحقّ أكثر من دراسة وبحث.
* بقلم: عبد الله لالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.