بالرّجوع إلى كتب ومحاضرات ودروس رموز التّيار السّلفي التّقليدي (سلفيّة وليّ الأمر) حول قضية فلسطين نجدها لا تختلف عن آراء وأقوال زعماء التّيار الجهادي المعاصر إلاّ في بعض التّفاصيل فالشّيخ الألباني رحمه اللّه أفتى قديما بوجوب مغادرة أرض فلسطين وتابعه بعض تلاميذه في تبرير مذهبه ورأيه الضّعيف جدّا أمام حقائق الدّين والواقع وتوازناته الكبرى حتى قال الشّيخ محمّد الغزالي عن فتواه أنّها قرّة عين اليهود أن تُسلّم لهم الأرض ومن غير قتال !! كتب حسين العوايشة وهو من تلاميذ الشّيخ الألباني رحمه اللّه (الفصل المبين في مسألة الهجرة ومفارقة المشركين) دفاعا وتبريرا لفتوى الشّيخ الألباني رحمه اللّه وراح صاحب كتاب (السّلفيون وقضية فلسطين) يجمع الكتب التّراثية التي تُجيز بل توجب هجرة الأوطان إذا احتلّها المشركون (ص 14 إلى 18) ونقّبوا في التّراث وأظهروا للنّاس كتبا تبرّر فتوى صاحبهم من مثل (أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النّصارى ولم يهاجر وما يترتّب عليه من العقوبات والزّواجر) لأبي العبّاس أحمد بن يحي الونشريسي (ت 914 ه – 1508 م) وخالف الشّيخ بن باز رحمه اللّه هذه الفتوى فقال :" بقاء المسلمين في بلادهم ولو استولى عليها بعض الكفرة أصلح إذا استطاعوا إظهار دينهم واستطاعوا الدّعوة إلى اللّه والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ولو باللّسانفالأصلح حينئذ بقاؤهم في بلادهم حتّى لا تضيع " (فتاوى بن باز 3/1423) وموقف سلفيّة وليّ الأمر كما هو معلوم مرتبط أصلا بموقف الدّولة السّعودية تحديدا يدور معها كما يدور الحكم مع العلّة وجودا وعدما فعندما قرّرت ذات مرّة وجوب الجهاد في أفغانستان أفتى العلماء آنذاك بقولهم :" ولا أعلم في الوقت الحاضر جهادا أفضل من الجهاد في أفغانستان " (فتاوى بن باز 3/1425) وعندما قرّرت الدّولة كذلك ذات مرّة قتال الاشتراكيين اليمنيين أفتى العلماء بصحة قتالهم بل بكفرهم وضلالهم كما قال بن لادن وهو يذكّر هيئة كبار العلماء وحاول شيوخ السّلفية التّغطية على رداءة موقفهم من فلسطين كالعادة بالحديث عن أولوية العقيدة وقد أطال في ذلك الشيخ رسلان في رسالته(متى تعود إلينا فلسطين ؟)وقال الحلّ " صحّحوا العقيدة " (متى تعود إلينا فلسطين 36) " إذا عدتم إلى اللّه عادت إليكم فلسطين" (المرجع السابق 04) وحاول كعادة قومه في التّضليل والتّمويه ربط الموضوع بالإخوان ليسهل عليه تبرير رداءة موقف جماعته المرتبط بموقف وليّ الأمر:" وإذا كان النّاس يقول قائلهم إنّ الحرب بيننا وبين اليهود ليست حربا عقائدية وإنّما هي حرب حول أرض سُلبت منّا حول حقّ نُهب منّا مع أناس ظلمونا حقوقنا كما قال الشّيخ حسن البنا رحمه اللّه أهذا كلام يقال ؟ !" (المرجع السابق 15) واتّجه التّيار السّلفي بالفتوى إلى إضعاف الجهاد الفلسطيني مرّة بالدّعوة إلى هجرة فلسطين ومرّة أخرى بإبطال العمليّات الاستشهادية ووصفها بالانتحارية والحكم على أصحابها بالنّار والخلود فيها ونزع صفة الشّهيد عن منفّذيها :" ولهذا نرى ما يفعله بعض النّاس من هذا الانتحار نرى أنّه قتل للنّفس بغير حقّ وأنّه موجب لدخول النّار والعياذ باللّه وأنّ صاحبه ليس بشهيد لكن إن فعل الإنسان هذا متأوّلا ظانّا أنّه جائز فإنّنا نرجو أن يسلم من الإثم وأمّا أن تكتبله الشّهادة فلا لأنّه لم يسلك طريق الشّهادة " (ابن العثيمين /السّلفيون وقضية فلسطين 57) ولا شكّ أنّ مثل هذه الفتاوى مع وضوح بطلانها ورداءتها هي قرّة عين إسرائيل ومن أجلها تقدّم إسرائيل الملايير لو يُطلب منها ذلك ولكن تقدّم لها بالمجان مع الأسف الشّديد كما أدانت الحركة الجهادية المعاصرة الجهاد الفلسطيني واعتبرته منحرفا كونه قائما على أصول فاسدة فقد وصف صاحب (إدارة التّوحّش ص04) جهاد حماس بقوله :" إنّه مخترق في فكره السّياسي بمنهج الإخوان الأمّ زمنهج التّرابي مع قصور في بثّ المنهج العلميّ الصّحيح بين أتباعه أثناء ممارسة منهج البناء " وبرّر الظّواهري انحراف الجهاد الفلسطيني بعدم وضوح الراية :" وقضية فلسطين خير مثال على ذلك حيث اختلطت فيها الشّعارات والعقائد تحت شعار التّحالف مع الشّيطان من أجل تحرير فلسطين " (فرسان تحت راية النّبيّ 65) وجاءت داعش وصرّح بعض قادتها بفساد جهاد حماس وأنّ ما يحدث في فلسطين ليس جهادا وحكموا على فصائل الجهاد في أرض الرباط بالردّة والزّندقة حتى قام بعض المخبولين يطالب حماس فورا بتسليم أسلحتها لماذا هذا التّوافق بين سلفيّة وليّ الأمر والجهادية في إبطال الجهاد الفلسطيني ؟ – سلفية وليّ الأمر موقفها هو دعم الموقف الرّسمي لوليّ الأمر وتبرير تقاعسه وتلاعباته هذه هي عقيدتها المحورية التي تدور معها – تمارس دائما سلفية وليّ الأمر الحرب ضد خصوم دولة وليّ الأمر باسم النّص وباسم الدّين فهي دائما وأبدا تصبغ موقف وليّ الأمر بالشّرعية منعا لأيّ تمرّد ضدّه – واضح أنّ دولة وليّ الأمر ليست حرّة فهي محتلّة عسكريا واقتصاديا وماليا فكلّ جهاد ترعاه أمريكا هو جهاد تنشط له سلفية وليّ الأمر وكلّ جهاد لا ترغب فيه أمريكا من المؤكّد أنّ سلفية وليّ الأمر تتكفّل بتقديم الأدلّة الشرعية على سلامة موقف دولة وليّ الأمر – خوف وليّ الأمر على عرشه القائم على غير رضا الشّعب وهم يعلمون جيّدا مدى تعلّق الشّعوب بقضية فلسطين ولذلك تتكفّل سلفيّة وليّ الأمر بتبريد وثبة الشّعوب وإضعاف حرارة جهادها ونضالها – أمّا الحركة الجهادية فهي تُدرك أنّ الجهاد الفلسطيني يفضح جهادها المزعوم فالجهاد في فلسطين هو الجهاد الوحيد الشّرعي فهو قتال ضد عدو كافر لا اختلاف بين المسلمين جميعا في كفره ومعتد احتلّ الأرض بالظّلم والعدوان ويمتلك شرعية دينية وشرعية إنسانية – وأمر آخر يزعج التّيار الجهادي العالمي كون الجهاد في فلسطين تحت راية الإخوان المسلمين فنجاحه يزيد من امتدادهم وتعاطف النّاس معهم ونفس الأمر بالنّسبة لسلفية ولي الأمر التي تريد الحفاظ والتفرّد بمرجعية تمثيل مشروع أهل السنة والجماعة فهم يدركون تماما أنّ انتقاله لأيّ جماعة أخرى من مثل جماعة الإخوان المسلمين قضاء مبرم على دولتهم ونفوذهم وهذا ما يفسّر حسب الملاحظين والدّارسين وقوفهم بالدّعم المالي والسياسي ضد دولة محمّد مرسي – يبدو أنّ الاختراق الفكري عميق في كلا التيارين (سلفية ولي الأمر) و(السلفية الجهادية) فمشروعهما ضد الأمة ولذلك لا يختلفان في تبديع بل والحكم بكفر أيّ مسلك جعل إرادة الأمّة هي الحَكَم ومشروعهما في الأصل واحد :شرعية الحكم وإن جاء بالتّوريث ومارس الظّلم والفسق فقط يحكم بالشّرع ولا يختلفان حول ضرورة الحفاظ على بدائية الدّولة وانتمائها للماضي شكلا وموضوعا يتبع….