يسين بوغازي: قابضا على سنة خنجره ورافعا رأسه إلى السماء منتظرا آذان الحرية؟ ، وماشيا على حافة السيف صابرا محتسبا بقضاء الأرض وقدر التاريخ وجبن الجبناء؟، وقاصدا باب الدنيا القدس، أقصاه الجريح الذي يخبيء الدمع كله في زوايا شوارعه وأزقته، وبين منعطفات طرقه وممرات مساجده ومنازله، أين الدموع تختفي حياء وصبرا؟ قبض على خنجره أومتأبطه؟ ومشى حافي القديمين قاصدا قدسه، بعدما ترك ابتسامة لأطفال بلدته وأطفال فلسطين، تركها هنالك وفي بلدتي الفقيرة بالانتظار والشموع يقدسون ابتسامته المتروكة ويسمون تاركها شهيدا؟ فلسطيني آخر لم يتجاوز الثامنة عشر وآخر أقل وآخر أكبر قليلا ولا تهم الأعمار لحاملي خناجر القدس، فكلهم تركوا صداقات الفايسبوك ومتعة أفلام "الأكشن" كرة القدم والسجائر والفتيات الجميلات والأحلام الممنوعة في منتزهات دبي ويوميات حياة كانت ستجيء في أوروبا حين الهروب، قهر ثقيل.. ترك كل شيء ومضى وخنجره معه كما يجب أن يمضي لعيون أجمل الجميلات فلسطينية، ولذلك الجرح المعمر طويلا وبلا نهاية، ولكي يستقبله الشهداء في السموات العلى بالترحاب والزغاريد والحضن، وهنالك يتردد صوت: جاء الرجل؟ بالخناجر وبالطعن وبالخناجر بالغدر، بالعصي والأحجار، بالريح بنجوم القدس الحزينة، وهي تترجل فتصير حجارة في أيادي الطيور الأبابيل وهم يقذفون الصهاينة بغضب الأولين والآخرين؟، بالخناجر هي تخبأ في سراويل الأطفال القصيرة والطويلة والألبسة الرياضية وتحت قبعات المراهقين، وعلى راحات أياديهم أين تستطيع حقيقة وحيدة فريدة في عالم عربي مستعمر بالصهاينة والطغاة وحسن أولئك رفيقا من الصامتين والقانعين بالسلامة والخبز الحافى؟، بالسكاكين وبما يتاح للغاضبين من أعمارهم وأيامهم وتاريخهم ومن دموع أمهاتهم وهي تسكب يوميا أمام أرواحهم الشاردة وعيونهم المحاصرة بالجدار والسلاح والعملاء والعار العربى وحدود الأوطان البلهاء؟، بالسكاكين لأن المسدسات غالية الثمن، فلا يملك أطفال القدسوفلسطين أثمانها، وقد قالها غاضب فلسطيني في وجه قاضي صهيوني، وهو يسأله لماذا السكين؟، قال وابتسامة الفرحه الأبدية بفتوة القدس على شفتيه، والفرح الرجولي الذي لا يزول، قال: لم أجد مسدسا لأن المسدسات غالية أثمانها؟؟، بالريح يا فلسطين، بالنجوم المترجلة، بالآهات الزاحفة وبالنظرات المنتقمة وبما يتاح، بالسكاكين والحناجر، والحجر حين يتحول بين أصابع شباب الألفين وخمسة عشر في فلسطين الرجولة إلى سلاح خرافي يحمله الغضب وتجسده السكاكين وتزفه الزغاريد؟، زغاريد أمهات الشهداء وهن يخرجن توابيت مراهي زمن الشيخوخة العربية المكتفية بأجهزة التدفئة والطائرات الفخمة والقصور؟، فمن أنت أيها الشهيد لتصنع هذا الفرح عند هؤلاء الواقفين وتدفع بالمآقي من خلف النوافذ، وهي تبكي أراوحا في مقتبل الأيام لكنها تستجلب لتاريخ الورد والرصاص والبقاء قيد الخناجر؟، من أنت أيها الشهيد؟ الطفل والمراهق والشفاه التي ما تزال ترتشف حليب الأمهات، وقد رسم للبراءة أخدود من تحت شفتيك، والقدس تشمر على ذراعيه تنادي عليك، وتقول شكرا على الحناجر؟ ولأنه بين الجدار والجدار يكبر ميز وتميز وعنصرية صهاينة، الحديث لا توصف في صمت عربي يسترخص الحياة والناس والشهداء؟، ولعل مرادفة الاسترخاص لائقة جدا بالعالمين العربي والإسلامى القريبين والبعيدين، وهما الناطحان بصنوف شتى من تيارات القول والفعل المبتذل من الإسلامية المتعطرة، والإسلاموية الفاسقة، والعلمانيين والشيوعيين، وقد سحبت من تحتهم سبيل النهوض فأضحوا مفعول به مربوط؟، والفقراء المعدمين والأغنياء الباذخين والأمراء والرؤساء والسلاطين وجميع الصنوف الأخرى التي ترعرعت في بيئات الجهل والعمالة والخوف؟ فاستولدوا لنا مع الأعمار جبن يكبر معنا كما ونموت ولا ينتهي؟، لكنه يورث لأبنائنا خوف فوق خوف فوق خوف؟ إلى أن أصبح الخوف إبهارا من أطفال فلسطين وهم يطاردون الصهاينة في زوايا الشوارع وأمام باصات الحافلات وفي الطرقات تحت الأنوار؟، فلسطين الحلم والحقيقة، الجرح والدم، النار المسكوبة، منذ 60 سنة، وهي تطوق الأيام والأحلام على مواقيت الزمن الصهيوني، والنار نفسها تسيل دمنا وتعتقل أولادنا في سلاسل السجون الصهيونية وتعبث بأشعارنا وأسمائنا وكتبنا وتحرق كل شيء؟، وتمارس العنف والقتل والتعذيب صلوات يومية في معابد الصهيونية، ولا أقول اليهودية أمام ثورة أمة خجلت من جبنها الأمم؟.