غانم/ص أحيت الأغواط كغيرها من ولايات الوطن ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي يختلف في التعبير عن الاحتفال به من أسرة إلى أخرى، فمنها من تتفنن إلى حد المبالغة بما يتنافى وتعاليم ديننا السمح، ومنها من تعبر حسب إمكانياتها، ومنها من تتكلف أعباء هي في غنى عنها. تفضل أغلب الأسر "الأغواطية" إحياء المناسبة بالشموع وأطباق الحلويات المختلفة "الدراز" التي تقدم بعد تناول الكسكسى الذي يضاف إليه هذا العام إلى جانب الخضر واللحم أو"الترفاس"، حيث يدعى له الأقارب والأحباب لخلق جو تكاملي تسوده الحميمية توطيدا لصلة الرحم، بتجسيد طقوس متوارثة منها الحنة والبخور، أما المساجد فتعكف على إحياء طقوس المولد النبوي لأسبوع كامل من المدائح الدينية والدروس الدينية في سيرة رسول الله، تختتم بتكريم المشاركين فيها وحفظة القرآن من الأطفال تمجيدا لكتاب الله. * الكسكسي بالزبيب و"السفة" بالمكسرات …عادات لا غنى عنها وقد عرفت ولاية الأغواط أجواء الاحتفال بهذه المناسبة الدينية العطرة منذ قرون، وجرت العادة منذ ذلك الحين في إحياء هذه المناسبة يتساوى الغني فيها مع الفقير، فالكل يحتفي بالمناسبة حسب إمكانياته، وقد اتجهت الأنظار في هذا اليوم كلها نحو مسجد الشهداء بقصر البزائم، حيث استهل الحفل الذي نشطه رئيس مصلحة الثقافة بمديرية الشؤون الدينية السيد عمر مخلوفي، بآيات بينات من ذكر الله الحكيم، وكلمة لمدير الشؤون الدينية عمر تناح، ذكر فيها بخصال الرسول صلى الله عليه وسلم والمغزى من الاحتفال بالذكرى، وتخللته مقاطع إنشادية لفرقة الفردوس التابعة لبلدية الخنق… كما تم بالمناسبة تكريم حفظة القرآن الكريم والفائزين في المسابقات الدينية التي أجريت على المستوى الولائي أوالوطني وكذا متقاعدي الشؤون الدينية والقائمين على المدارس القرآنية والكتاتيب الناشطة والمهتمين بالحديث النبوي الشريف، وفي زاوية أخرى من المسجد صفت الموائد، وعليها ألوان من الطعام والحلويات التي تعكس عادات وتقاليد المنطقة كالكسكسي بالزبيب المعروف محليا ب "السفة" والفول والمكسرات … ..احتفالات ابتعدت عن فحوى المناسبة أخذت الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في الأغواط أبعادا مختلفة ابتعدت كثيرا عن فحوى المناسبة ومعانيها القيمة المتوارثة… فالمفرقعات تملأ الشوارع وتروّع الجميع بدعوى الفرح والمتعة، إنها المشاهد التي تعكس صورة مناهضة للدين الحنيف وتبرز ارتباط الفكر المغالط بأن للإسلام وجه من أوجه العنف، والتي لمسناها في نشوة أطفال يحضرون لاستقبال المولد النبوي الشريف بترسانة من المفرقعات ليوقدوا فتيلها بحرب بينهم وبين أقرانهم في الحي أو الأحياء المجاورة، إنها المعادلة التي تحقق الربح الأكيد لتجار المناسبات، حيث يؤكد بعضهم أنهم لا يخشون كساد بضاعتهم، ليتحوّل المولد النبي الكريم الذي كان يباهي به إلى موعد ساخن وعنيف على وقع الألعاب النارية والصراخ. هذه المظاهر أصبحت تنتقل إلى المؤسسات التربوية والجامعة برمي المفرقعات عشوائيا من غير حساب للعواقب الوخيمة التي قد تترتب عن انفجار مفرقعات لاسيما من الحجم الكبير لمسميات منها " دوبل كانو، قروناد، ديناميت، الهاون، التي إن تي، والشيطانة … "، و هي آخر صيحات المفرقعات التي أغرق بها التجار أسواق الولاية تحضيرا للاحتفال بليلة المولد النبوي، حيث يجمع الأطفال والتجار أنها ستكون الأعنف والأقسى، نظرا لما ستعرفه من متفجرات جديدة وقنابل متطورة، وهي قادرة على إلحاق الضرر بالآخرين من تشويه وفقدان للبصر بل وحتى القتل في بعض الأحيان إذا تعلق الأمر برضيع يستقبل صدره قذيفة أو صاروخ بن لادن الذي يمكن أن يرديه قتيلا في الحين… معارك طاحنة بين الأحياء تحت وقع المتفجرات تتشاحن الأحياء فيما بينها لتدخل في معارك طاحنة تستعمل فيها كل أنواع المفرقعات الثقيلة على غرار صاروخ القسام المطلوب بكثرة رغم سعره الذي يراوح بين 1500 و5500 دج، وقذائف الهاون التي فاق سعرها 2000 دج ومتفجرات البوق بأكثر من 1500 دج، بالإضافة إلى الشيطانة التي فاق سعرها ال 500 دج، والبركان الذي يناهز ال 1000 دج، و" المحيرقة" بين 80 و250 دج، كلها مفرقعات يتسابق الكبار والصغار على شرائها بقصد التحضير لليلة المولد التي ينتظرها البعض بفارغ الصبر للدخول في مغامرة قد تؤدي بالبعض إلى الهلاك ودخول المستشفيات وتزج بالبعض إلى المحاكمة والسجن في بعض الأحيان وتسبب عاهات مستديمة في أحيان أخرى للمصابين بها. وبالنظر إلى كم الألعاب النارية التي تشعل سماء الأغواط ليلة المولد النبوي، تستنتج أن الأولياء لا يهمهم السعر الباهض لتلك المشتريات الزائدة التي تأتي ربما على دخلهم الشهري وعلى حساب قوت أسرهم، بل هناك من يستلف أو يرهن أشياء من أجل الحصول على هذه المفرقعات التي تحترق في لحظات قد ترهن في كثير من الأحيان مصير أسرة بأكملها وتغرقها في ديون تستغرق شهورا من التسديد، الكل يعلم ذلك لكنهم يجتهدون في شراء هذا النوع من المفرقعات بحجة "عدم حرمان أبنائهم من شيء أو أن هذا هو الابن الوحيد، كما قالت إحدى السيدات" أنا أشتري لابني ما يحب وسأراقبه". مؤسسات الدولة باختلاف مصالحها من أمن وحماية وجمارك ومديرية التجارة تدرك تماما مدى خطورة هذه المفرقعات وتحسس بعواقبها الأمنية والاقتصادية والصحية، إلا أنها تبقى مجرد متفرج، خاصة وأن هذه المواد مستوردة من الخارج وليس لها أن تدخل الوطن إلا من خلال حدود معينة وتخضع لضريبة، وإن غاب دخولها عن أنظار الدولة، فهي منتشرة بالأسواق وعلى الأرصفة في الشوارع…