ربما ما يعلمه لنا الموت أضعاف ما تعلمه لنا الحياة.. أولها أننا كلنا راحلون، وأن "كل نفس ذائقة الموت"، وأنه لا يبقى إلا الذكر الطيب للإنسان، وأننا راجعون إلى الدار الأولى.. فلنتزود بعمل الخير والإحسان للآخرين، والمعاملة الطيبة، وعدم الإساءة للآخرين بالقول أو بالفعل وقول الحق، وإذا لم نستطع فلا ننتصر للباطل ونحاول أن نحث على الفضيلة والصدق والتسامح، وإذا لم نستطع فعل ذلك مع الآخرين نحاول مع أنفسنا، فالنفس الأمارة بالسوء كثيراً ما تفعل وتمارس غوايتها معنا حتى ننسى أننا راحلون، فنلهو وتغرينا الحياة الدنيا بكل مغرياتها فننسى أننا راحلون وأنا زائلون، وأن البقاء لله وحده ولا يبقى سوى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.. قد تبدو هذه الوقفة "التأملية" خارج السياق، ولكن الحقيقة الثابتة أنه ليس هناك كبيراً على الموت، الوقفة مع النفس أمام الموت هي أكبر قوة لمواجهة الحياة، لأن الإيمان الوحيد هو بالله سبحانه وتعالى، وبالقضاء والقدر خيره وشره.. وأكرر ربما هذه الوقفة اليوم مع الموت أعزوها للتأبينية التي كنت قد أدرتها الأسبوع الماضي عن المثقف والإعلامي الراحل عمي "الطاهر بن عيشة" والتي لاقت والحمد لله أصداء طيبة عند الحضور الكريم وفي وسائل الإعلام المختلفة… وقد شرفنا مثقفون وإعلاميون ومناضلون بحضورهم الطيب والراقي لمنتدى جريدة "الحوار"، الذي بات حديث كل الوسط الثقافي اليوم، بل وحديث المدينة كلها… وربما أهمس في الأخير لأهل السلطة، وأخص بالذكر المسؤول الأول عن قطاع الثقافة: جميلة هي المشاعر الطيبة عن مثقفينا الذين يرحلون، وجميلة هي ومؤثرة الكلمات، ولكن أهمس لكم للتذكير فقط، أن المثقف يحتاج منا رعاية واهتماما أهم وأكثر وهو على قيد الحياة، خاصة أن ماء وجهه يمنعه من تسول أي شئ من السلطة أو من الناس. فأرجو أن نبادر للاهتمام بمثقفينا ومبدعينا وهم أحياء قبل أن يغادروا عالمنا.. حينئذ لن تفرحهم ولا عراجين الدنيا لأنهم سيكونون -بالتأكيد- في مكان أجمل… ولنا عودة إلى كيفية تكريم المثقف في الجزائر وهو على قيد الحياة، وآليات ذلك، في المقالات القادمة إن شاء الله. (إن كان في العمر بقية). [email protected]