بول بوت الحلقة الأولى أزالت كمبوديا في عام 2007 أخيرا هرما ضخما من جماجم وعظام البشر, وهو هرم حقيقي تم تشييده من رفات ضحايا المجازر التي ارتكبها الخمير الحمر بين عامي 1975 و 1979. ففي عام1975 سيطر الشيوعيون على كومبوديا بقيادة ديكاتورها الدموي بول بوت. فخلال أربع سنوات فقط أباد الشيوعيون مليوني مواطن بحجة "تثقيف الشعب", وتحويله إلى مجتمع اشتراكي مثالي, عبر إلغاء المدن والعيش فيها, وهذا العدد من ضحايا المجازر يعادل بالضبط ثلث الشعب الكومبودي, ما يعتبر أكبر نسبة إبادة في التاريخ… خلال تلك الفترة, تم تهجير السكان من المدن إلى الأرياف للعمل في المزارع الجماعية, كما أغلقت المدارس والجامعات , وأعدم كل من سرت حوله شائعة بمعارضة الشيوعية. وبلغت قسوة الخمير الحمر درجة قتل عائلة وأقرباء كل من يشتبه به. كما أطلق العنان للجنود لقتل من "يعتقدون" أنه معارض للشيوعية. وبلغ الأمر حد قتل كل من يحمل جريدة, أو يلبس بنطالا, أو نظارة بتهمة أنه مثقف. ومن أجل توفير الرصاص كان جنود بول بوت يضربون الأطفال في جذوع الأشجار, ويستعملون أكياس النفايات لخنق المواطنين بوضعهم داخلها حتى يلفظون أنفاسهم الأخيرة مع نفاذ ما فيه من أكسجين.. وبسبب دموية بول بوت, أصبحت كمبوديا اسما يتردد كثيرا على ألسنة العامة والخاصة في السبعينيات, حتى الآن لا يكاد هذا الاسم يذكر حتى تذكر مأساة هذا الشعب على يد نظام حكم الخمير الحمر وزعيمهم الديكتاتور بول بوت الذي شهدت سنوات حكمه أبشع كارثة إنسانية, حيث قتل 3 ملايين كمبودي على يد عصابات الخمير الحمر, وفي معسكرات الإبادة الجماعية, وهي المأساة التي استغلتها فيتنام لاقتحام كمبوديا وإسقاط نظام الخمير الحمر الذي كان يحظى بدعم واشنطن نكاية في الحكم الشيوعي في هانوي. وقد توقف المحللون كثيرا عند شخصية بول بوت بالبحث والدراسة في محاولات مضنية لسبر أغوار نوازعها العدوانية, وتعطشها المستمر للقتل وسفك الدماء, دون رحمة أو ضمير. وبالطبع كل الأطباء النفسانيين الأكثر اهتماما بدراسة شخصية بوت, بعد أن اعتبروه في جد ذاته ظاهرة, وقالوا: إنه لم يكن فقط يقتل ضحاياه, وإنما هذا هو الافت للنظر أيضا أنه كان يتلذذ بتعذيبهم حتى الموت, ويستمتع وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. وكانت المعضلة بالنسبة للجميع مؤرخين ومحللين سياسيين ونفسانيين تكمن في قدرة بول بوت الشيطانية على إخفاء ماضيه, وبالتحديد أسرته وطفولته ونشأته, لدرجة أنه جعل مجرد طرح أي سؤال عنه أوحياته أو قراراته _مهما كان عاديا_ جريمة تستحق الموت.. وقد ظل الأمر على هذا النحو حتى سقط الطاغية, فراح الجميع ينبش في ماضيه, ورغم أن المحصلة لم تكن كبيرة, إلا أنها أظهرت سر دموية جزار كمبوديا بول بوت, وكان السر بالطبع في طفولته التي اجتمعت له فيها عوامل نفسية كثيرة, كان من الطبيعي أن تجعله فيما بعد على ماهو عليه.. فقد ولد بوت في عائلة معدمة بإحدى القرى, لأب مزارع أجير لم يكن يملك سوى أصابع يده, عامل أجير, شاهده بوت وهو يضرب بالسياط بيد إقطاعي يملك الأرض ومن عليها, وكان هذا الإقطاعي الذي يسكن في قصره الفاخر بالمدينة, ولا يأتي القرية إلا بين الحين والآخر, لكي يكيل العقاب للجميع, بعد أن يظهر غضبه واستياءه, دون سبب ظاهر. ويرى البعض أن مشاهد الطفولة هذه هي التي دفعت بوت الطفل, عندما امتلك السلطة إلى تفريغ المدن من ساكنيها بالقوة المسلحة, وإرسالهم في شاحنات إلى القرى للعمل بالزراعة في ظروف أقل ما توصف به أنها كانت قمعية, وبالتالي انتقم بوت من السيد الإقطاعي في صورة جميع من كانوا يسكنون مع هذا السيد المدينة الكبيرة, وعذب الجميع من أجل الانتقام من واحد.. أما أم بوت فكانت خادمة مغلوبة على أمرها تعاني قسوة مخدومتها الثرية زوجة السيد الإقطاعي, وقسوة الأب الناقم على حياته, وكان بوت يرى كل هذا فيحمل في قرارة نفسه نزعة تكبر مع الأيام للانتقام من المجتمع الذي فرض عليهم هذه الأوضاع. وكعادة كل ديكتاتور شهدت طفولته مثل هذه المآسي, كان بوت يعاني منذ صغره الشعور بالاضطهاد, والإحساس المزمن بعدم الأمان, والذي ولّد لديه عندما امتلك السلطة, رغبة في تعويض كل هذا بإثبات ذاته باستخدام سلطاته المطلقة في قهر الآخرين. ومما زاد الطين بلة, هو أمراض الطفولة التي عانى منها بوت, والتي كانت سببا في العرج الذي أصيب به في صغره, ولازمه بقية حياته, وكان من أثر ذلك هو أن زاد من الرغبة في التعويض والانتقام, ومن هنا كان انخراط بوت في الشيوعية, التي وافقت رغبته في الانتقام من طبقة الأغنياء, ليس من خلال سد الفجوة الطبقية, كما ينادي الشيوعيون, وإنما بقتلهم وإيذائهم.. وإذا كان الشعب الكمبودي قد عانى كله من حكم الخمير الحمر, فإن المسلمين هناك كانوا من أبرز الخاسرين, حيث وقعوا بين مطرقة الخمير الحمر وسندان الشيوعية الحمراء والفيتنامية, حيث كان أغلب المواطنين المسلمين في كمبوديا من أصول فيتنامية وهاجروا إلى هناك بعد سقوط مملكة تشامبيا الإسلامية على يد البوذيين, وبعد عقود طويلة كانت الهجرة الثانية هربا من جحيم الشيوعيين الذين سيطروا على الجزء الجنوبي للبلاد عام 1975, وحاولوا الضغط عليهم لاعتناقها… وقد حاول مسلمو كمبوديا مواجهة الغزو الفيتنامي وبذلوا الغالي والرخيص إلى جانب أغلب الكمبوديين إلا أنهم لم يستطيعوا مواجهة جيش قوي مدرب خارج لتوه من مواجهة مع أعتى قوة في العالم وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية, وانتهى الأمر باحتلال كمبوديا ومقتل نصف مليون مسلم تحت عجلات الدبابات الحمراء الفيتنامية التي كررت مع مسلمي كمبوديا السيناريو السابق, عندما كانوا يقطنون الجزء الجنوبي الموالي لواشنطن وتنصيب نظام شيوعي موال لهانوي بزعامة هون سين. وتعد كمبوديا أحد دول الهندالصينية, وتجاورها الصين وتايلاندا وماليزيا وفيتنام, وتصل مساحتها 185ألف كيلومتر, ويبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة منهم حوالي 2 مليون مسلم أغلبهم من أصول فيتنامية, وقد عرف الكمبوديون الإسلام عن طريق قوافل التجار المسلمين عبر السواحل التيلاندية, ولكن بأعداد قليلة كون السواحل التيلاندية لها ثنيات وتقعرات, ولا توجد سواحل كمبودية مقابلة كونها دولة حبيسة. وأخذ الإسلام في التوسع في القرنين الثامن والتاسع الهجري خصوصا بعد سقوط إمارة تشامبيا في فيتنام وهجرة أكثر من 2 مليون فيتنامي مسلم إلى كمبوديا المجاورة, هربا من مذابح البوذيين, وجاء هؤلاء المهاجرون للإقامة في قرى حبيسة تقترب من الكانتونات, يقطنون فيها وحدهم محافظة على هويتهم الإسلامية, حيث كانوا يحظون بقدر معقول من التعليم والمدنية بالمقارنة مع الكمبوديين الذين تضربهم الأمية والجهل.