عز علي كثيرا أن اعتذر إلى ذلك الشاب أصيل منطقة القبائل عن توجيه بحثه في الماستر الذي اقترحه حول طارق رمضان. شاب خبرته في مرحلة اللسانس ليس في كفاءته واطلاعه وجديته وتحكمه في اللغتين العربية والفرنسية فحسب ،بل في الطيبة ودماثة الخلق و الحياء و الصدق وبخاصة انه يحمل الكثير من الهموم الفكرية . الشاب كما خبرته رغم مسحته الإسلامية فهو ليس إسلاميا ،لكنه منشغل بموقع ومكانة الإسلام في العصر بوصفه مسلم يريد أن يحرر دينه من الوصايا المزدوجة، وصاية السلفيين والحداثيين معا شاب بهذه الإمكانيات العلمية و الصدق والجدية في البحث بدا لي، أقول بدا لي أنه لا يجد عند طارق رمضان المادة العلمية والمعرفية التي يبحث عنها ولا يزوده بالإطار النظري الذي يعمق تكوينه الفكري و الفلسفي، وهو ما شرحته له أثناء اللقاء، لكن رأيته متمسك بما يريد بل رأيته مبهور بطارق رمضان. عندها تمنيت له التوفيق وأخبرته ان مكتبتي تحت تصرفه ولا يتردد في أي وقت في طلب أية مساعدة التي بدأها بطلب الصداقة الفيسبوكية فأهلا وسهلا به . كان يجب علي أنا أيضا أن أفهم سبب دخول طارق رمضان إلى الجامعة الجزائرية حيث اكتشفت أنه بدأ يحتل مساحة داخل الجامعة وكان ذلك على حساب اسماء أخرى بدأ يزيحها عن طريقه ويلقي بها خارج اسوار الجامعة . لكي نعرف إن كان دخول طارق رمضان إلى الجامعة يعد تقدما على مستوى الفكر الإسلامي أم تراجعا يتطلب معرفة الأسماء التي ازاحها عن طريقه . لكن قبل ذلك لابد من لفت الانتباه أنني لم التفت يوما ولن التفت إلى أولئك الذين يطالبون بالعلمانية الآن الآن وليس غدا ،وبالإلحاد اليوم اليوم وليس غدا ، فهذه المواقف تفصح عن أمرين اثنين: الجهل المركب بالفكر التاريخي، أما الأمر الثاني فهو العقم الفكري وتاليا لا ينتظر منهم ان ينتجوا معرفة حول مجتمعاتهم فينتهوا إلى السب و الشتم ولعن مجتمعاتهم المتخلفة الجاهلة التي لم تستوعب أفكارهم الكبيرة و العظيمة وفي خضم هلوساتهم ينسون ان اوروبا لم تنتقل من عصر الظلام إلى عصر الأنوار إلا بعد قرون وتراكم علمي و معرفي كبير شيدته عقول جبارة عبر مراحل تاريخية مختلفة. إن قياس تقدم أو تأخر أية فكرة ليس بما يجب ان تكون عليه ،هنا نقفز في الطوباوية ثم نسبح في بحر الأوهام والخيال، بينما الواقعية والموضوعية تتطلب مقارنة الفكرة بما سبقها وهو الشرط الموضوعي و العلمي للمعرفة الحقة و التفكير السليم. لقد تبين لي من خلال بعض البحوث التي اطلعت عليها وهي قليلة جدا لأن طارق رمضان لايزال جديدا و"طارئا" على الجامعة الجزائرية .لقد تبين لي كانطباع اولي أن نواة جيل جديد من الإسلاميين الجزائريين بدأ يتحرر من " الآباء المؤسسين " أصحاب" رسائل إلى الشاب" و" معالم على الطريق " وبدأ يرسم معالمه الخاصة به انطلاقا من قيم العصر وحاجاته الملحة وبخاصة إذا علمنا ان هذا الجيل الجديد هو ابن ثورة الاتصال الذي فتح عينيه مباشرة في العالم وانجازاته العظيمة. لذا فهو لن بتنازل عن مكاسب العصر ما جعله يبحث عن إسلام متربط بالعصر وهذا الشرط لن يتحقق له إلا إذا تحرر الإسلام من ثقل التاريخ وتراكماته، لهذا توجه إلى طارق رمضان الذي كرسته وسائل الأعلام واصبح نموذج المسلم العصري الذي يخاطب الغرب بلغاته ويعيش نمط حياته.