_غياب الحقوق المهنية والاجتماعية للصحفيين ترهن مستقبل الصحافة حاورته: نبيلة خياط أمين حران، إعلامي شامل طاف قطاعات الإعلام الثلاثة، بدءا من الصحافة المكتوبة من خلال تجربته في "الجزائر نيوز"، ثم الإعلام المسموع من خلال القناة الإذاعية الأولى، حيث قدم حصة "محافل" ثم أشرف على ركن "حوار اليوم"، وفي نهاية المطاف استقر به الحال كمدير للأخبار بقناة "دزاير نيوز". وفي هذا اللقاء الذي جمعه ب"الحوار" تحدث حران باستفاضة عن واقع الصحافة ومشاكلها بالجزائر.
* تنقلت بين عدة جرائد ومختلف الأقسام، كيف تقيم مشوارك الإعلامي اليوم؟ في البداية أتقدم بالشكر الجزيل إلى جريدتكم المحترمة، ومن خلالها أحيي جمهور الصحافة المكتوبة والتواقين إلى إعلام حر ومسؤول، أما عن سؤالكم حول التنقل والبداية في عالم مليء بالأحداث فكانت بدايتي العملية كأي صحفي عشق المهنة وبذل لها كل ما يملك، حيث انخرطت فيها من القلم دون مقدمات كصحفي متربص بجريدة "الجزائر نيوز" مع تأسيسها واشتغلت في القسم المحلي كممر رئيسي إلى الميدان باحثا عن المعلومة في مختلف أشكالها ومشكلاتها، ولأن التعلم والتكوين كان شعاري وما زال لم أفكر يوما لا في الأجر ولا في العقد ولا حتى في ظروف العمل، بل كان نشر اسمي مرافقا للمقال أكمل مقابل أتلقاه كل يوم وأعرف أن هناك من يقول عن كلامي بأنه مثالي أوإنني من عائلة ميسورة لا تحتاج إلى المال فأرد بأنني ابن رجل بسيط علمني الكد والصبر لنيل المكاسب والتمتع بالمحصل من جهد مضن، وحتى لا أطيل الكلام كانت بدايتي كصحفي محقق ولفترة وجيزة نلت ثقة الصحفي القدير احميدة عياشي لأصبح ضمن فريق التحقيقات المطولة قبل أن يثقل كاهلي بمسؤولية رئاسة قسم لا سابق له، سمي آنذاك بصفحة الجمعيات نيوز.. وتدرجت بعدها حتى خارج "الجزائر نيوز" بين الميدان والمسؤولية حتى اقتحمت عالم الميكروفون من الإذاعة الثقافية كمعد ومقدم لبرنامج حواري يهتم لتجارب زملاء المهنة سميناه "محافل" وساعدني في ذلك الكاتب الإعلامي الأخ عبد الرزاق بوكبة.. وبعد أن توسع الطموح انتقلت إلى القناة الأولى وكان حينها الأستاذ حميد مزيان مديرا لها وعرضت عليه خدماتي ليطلبني في تقديم ركن معرض الصحافة ورفعت تحديا كبيرا من أجل خلافة من سبقني في ركن يحظى بمتابعة كبيرة..ومن بعدها بسنوات أشرفت بثقة مدير القناة السيد مسعود بولطيور على ركن "حوار اليوم" الذي حقق نجاحا كبيرا، وكان آخر برنامج إذاعي لي بعد تقديم النشرات الإخبارية ومنه دخلت عالم السمعي البصري من قناة "دزاير"، وكي لا أسرد عليكم كل التفاصيل لأنني قد أطيل.. فإن تقييم التجربة لا أزنه بالسنوات بقدر ما أجد أن شبكة العلاقات والانتشار الكبير للاسم هو أفضل مقياس لها، مع أنني وفي كل يوم أتوجه فيه على عملي قناة " دزاير نيوز" أشعر وكأني أبدأ العمل في الصحافة لأول مرة باعتبار أن الميدان يتجدد كل يوم ولا مجال فيه للروتين.
* كيف تقيم المشهد الإعلامي اليوم في الجزائر؟ أولا مسألة تقييم مشهد له تراكماته وتقاليده وأسماؤه أكبر من أن يقيمه صحفي صغير وشاب مساره لم يتعد عتبة البدء، لكن القراءة المتأنية في المشهد الإعلامي الجزائري تعطي لنا الكثير من الرموز الواجب تفكيكها، فالمؤسسات الإعلامية مكتظة بالصحافيين الشباب والمنابر لا تنقصها الأسماء ولا الشعارات بل تتنوع وتتعدد، لكن التمييز بينها من حيث المعالجة والتحليل يصعب في كثير من المواقف والمواضيع في ظل النقص الكبير للتدفق المعلوماتي.. مشكلة الصحافيين في الجزائر تكمن في صعوبة تحصيل المعلومة من مصدرها الحقيقي، فالممهلات كثيرة وللقائم بالاتصال شروطه المرهونة في كثير من المرات بحسابات لا نهاية لها، ولعل من بين أكبر المعوقات التي تمنع ذهاب المشكل هو غياب الروابط العلمية بين الدارسين والمهنيين، وهنا تبرز مشكلة التكوين ومواصلة التكوين ودراسة الظاهرة الإعلامية الجزائرية في مخبر متصل بالمؤسسات عبر جميع مراحل إنتاجها للخبر. المشهد الإعلامي الجزائري يحتاج وبشكل مستعجل إلى دراسات علمية ميدانية لا إلى تشريعات أو مراسيم تنفيذية.
* يشتكي بعض الإعلاميين اليوم من التضييق، هل تراجع سقف الحريات في الجزائر برأيك؟ أول ما يعانيه كثير من الصحفيين الشباب هو عدم فهمهم الجيد للإعلام الذي يحتاجه المجتمع الجزائري، فلو أدرك كل واحد منا ماذا يحتاج لما وقع إسراف في الجهد ولا في العمل ولا حتى في الكم الهائل من المعلومات التي تموت ولا تصل إلى طالبيها، وهنا دعيني أركز على مسألة دراسة جمهور وسائل الإعلام في بلادنا، فللأمر أهمية قصوى وأعتقد أن حتى المعلنين في الجزائر لا يهتمون كثيرا لهذا الأمر، فلو علمنا ماذا يريد المشاهد أوالقارئ لقطعنا أشواطا كبيرة واقتصدنا الجهد في رحلة البحث عن ما يطلبه الجمهور وبكثير من الحرية لأن الطلب يصنع العرض وحينها تدرك الجهات المضيقة للحرية أن الشعب هو الذي يريد.. أما مسألة التضييق فهي نسبية وأحيانا نجهل أين وكيف ومتى حصل التضييق لاعتبارات يتحفظ في ذكرها القائم بالاتصال. وفي تجربة بسيط، استضفت سنة 2006 إعلاميا عربيا في برنامج "محافل"، أول ما قاله حينها أنه دهش لهامش الحرية المكفول في الجزائر لأنه وجد صورة لرئيس بلدنا في رسم كاريكاتوري لجريدة خاصة، فقال لي إن الأمر لا يحدث حتى في أمريكا.. وإذا قلت لك إن التضييق موجود فقد يبدأ من ذات الصحفي الذي يراقب كل ما يكتب أو يقول لتمر عبر جهله بما له وما عليه وتصل إلى مصالح صاحب المؤسسة أو جماعة الضغط التي لا تمارس رقابة قبلية لكنها تتدخل لحماية مصالحها.. ونادرا ما يحدث هذا الأمر في بلادنا وأنا لم يسبق لي أن كتبت شيئا تم سحبه أو نشرت أمرا عوقبت عليه، باعتبار أنني أضع نفسي في مكان المتلقي قبل أن أنشر.
* كيف تقيم الأداء المهني للجيل الجديد من الإعلاميين؟ الجيل الجديد للإعلاميين الجزائريين وأنا واحد منهم، يشبه خزان الثروة القيمة التي لم تستغل كما يجب، وتحاول الكثير من المؤسسات العربية خارج حدودنا اصطياد المهارات الكامنة فيها وأكبر دليل على ذلك الوجوه الإعلامية الجزائرية التي تصنع نجاحات قنوات عالمية.. وأعتقد أن في الخامات الشبانية الكثير من الإبداع لو يتم فقط الاستماع إلى أفكارها وتجسيدها بخبرة المتمرسين في مهنة المتاعب.
* هل يعود جزء من الرداءة الإعلامية التي نراها اليوم إلى غياب الحقوق المهنية والاجتماعية للصحفيين؟ لا يمكن الحكم على الأخطاء التي ترتكب، بأنها رداءة، كما لا يمكن أن نسمي الأمر كذلك إلا إذا تكرر الخطأ بالتعمد، فكل صحفي أو مؤسسة إعلامية تهدف إلى التميز وتجاوز مرحلة التعلم وجب عليها أن تستثمر في قدراتها عن طريق توظيف أكفأ العناصر أو تسطير برنامج لتطوير قدرات موظفيها بواسطة دورات تدريبية أوالاحتكاك بالمؤسسات الكبرى.
* الآن وأنت مدير أخبار قناة "دزاير نيوز"، كيف تقيم أداءك وماقدمته لك القناة؟ أولا أريد أن أشير إلى أمر مهم وأضعه وسام شرف على نيشاني ألا وهو تأسيس قناة دزاير نيوز"، فالفكرة التي راودت أصحاب المؤسسة كانت صائبة كثيرا خاصة بعد نجاح تجربة "دزاير تي في" التي كانت وستظل متميزة لأنها اختارت أحسن الصحفيين الذين يملكون المادة الخام ولهم الاستعداد الكامل لبناء قناة جزائرية بقدرات جزائرية وبأفكار نابعة من العمق الجزائري، وعلى هذا الأساس تم التفكير في مشروع جديد يقدم للمشاهد ما يريد وباحترام ومسؤولية يضعه في قلب الحدث دون التصرف في المحتوى أو تزييف للإطار.. وانطلقنا في تجسيد الفكرة شبابا ومسؤولين رافعين شعار الحرية والمسؤولية وأتيحت لنا كل الإمكانات اللازمة لذلك لتطوير أداء المجموعة.. ولأن المسؤولية سجن مفتوح أجد نفسي لا أفكر إلا في القناة وفي نجاحها وفي تألقها ولا أر أنني قد قدمت للإعلام الجزائري قبل قناة "دزاير نيوز"، الشيء الذي أطمح إليه حتى أفكر فيم قدمته لي "دزاير نيوز" التي سبقتها "دزاير تي في" في صنعي كوجه تلفزيوني والفضل لله ثم للقائمين على القناتين من زملاء ومسؤولين.
* كلمة ختامية توجهها للإعلاميين؟ كلمتي للإعلاميين أن يؤمنوا بقدراتهم ويزرعوا الطمأنينة في النفوس.. إن يبتعدوا عن الغرور.. ولا نملك وطنا غير الجزائر، وعليه فلابد أن نبنيها ونحافظ عليها بالعلم والعمل ونشر الأمل.