لهذه الأسباب على القادة السياسيين تفادي الصراعات العقيمة.. "فن العبث بالتاريخ" و"هؤلاء الذين عرفتهم" كتابان أعمل على نشرهما.. كشف البرلماني السابق والإعلامي محمد بوعزارة في حديث مع "الحوار" عن عمله على نشر كتابين خلال المرحلة القادمة حيث يعتزم نشر الكتاب الأول في المعرض الدولي القادم للكتاب تحت عنوان "فن العبث بالتاريخ".. وأما الكتاب الثاني الذي يحمل مبدئيا عنوان: "هؤلاء الذين عرفتم" فهو يعكف على كتابته حاليا، ويرجح صدوره خلال العام القادم، كما تحدث عن انطلاقته الأولى في عالم السياسة وعن العوائق التي صادفته رافعا التحدي في مواجهتها، معلقا على بعض التصريحات الأخيرة لبعض القادة والمسؤولين السياسيين، داعيا إلى تجنب الدخول في مثل هذه المتاهات التي تبعدنا عن الانشغالات الأساسية خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي تتطلب تكاتف جميع الجهود من أجل مواجهة المخاطر التي تحيط بالوطن، كما انتقد في هذا السياق تقييم بعض المثقفين لأداء وزير الثقافة عز الدين ميهوبي ومطالبتهم بتنحيته من على رأس القطاع، مؤكدا أن هذه العملية هي من مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية الذي قام بتعيينه والوزير الأول الذي يتابع نشاطه. * من عالم الإعلام إلى الساحة السياسية والانتخابات وقبة البرلمان، لو تطلعنا عن دوافع ولوجك هذا المجال وكيف كانت انطلاقتك الأولى؟ * هناك تكامل بين المجالين رغم الاختلافات الموجودة التي لا يمكن تجاوزها، سألني أحد الأصدقاء في إحدى المرات عن أين أجد نفسي أكثر في السياسة أم في الإعلام، فكان ردي أنني أجد نفسي أينما تواجدت الأخلاق سواء في السياسة أو الإعلام، لأنه حين تنعدم الأخلاق والمهنية من الصحافة تصبح هذه الأخيرة ارتزاقا، وكذلك الأمر بالنسبة لمجال السياسة الذي يصير وسطا لشراء الذمم والمتاجرة بالشعارات واللجوء إلى الشعبوية التي أمقتها، وقد تعلمت الكثير من مدرسة الحركة الوطنية وأدبيات جبهة التحرير الوطني التي كرست مبادئ بيان أول نوفمبر وأسست لأخلقة النضال، فالسياسة نضال وأخلاق، وهذه المبادئ تجسدت في ممارسات عبد الحميد مهري وشريف مساعدية رغم ما قيل عنه كذبا وبهتانا رحمة الله عليهما، وبوعلام بن حمودة أطال الله عمره، فأمثال هؤلاء المناضلين النادرين كانوا بمثابة البوصلة لنا في نظرتنا للسياسة وتعاملنا مع الناس ومع المناضلين والمسؤولين في مختلف المواقع. وفيما يخص بدايتي في هذا المجال كانت انطلاقتي من نقابة اتحاد الصحفيين، فالنقابة تعتبر جزءا من النضال السياسي منذ السبعينيات ومنذ ذلك الحين بدأت هذه الروح النضالية تنغرس فيّ حيث وجدت نفسي مع بداية الثمانينات مناضلا بسيطا في الخلية ودون أن أتولى أي منصب كان، لأنني كنت أرفض أن أكون مسؤولا في الحزب على حساب بقية المناضلين الذين سبقوني إلى هذا المجال وفي هذا الحزب وفي سنة 1987 وأنا مناضل بسيط بحزب جبهة التحرير الوطني طلب مني بعض الأصدقاء بولاية الأغواط الترشح، وكنت آنذاك أشغل منصب مدير جهوي بتلفزيون ورقلة، ترددت في البداية لكنهم تمكنوا من إقناعي وخضت غمار الانتخابات التشريعية وكانت الولاية تضم 11 بلدية وكنت الأول ب 10 بلديات، ولكن التزوير الذي طالني آنذاك في بلدية واحدة حرمني من الفوز، وأشير هنا أن مسؤول التنظيم بجبهة التحرير الوطني وقتها المجاهد سي صالح قوجيل عاتب والي ولاية الأغواط وقتها ووبخ محافظ الحزب على ما حدث، كما طلب مني القيام بالطعن في تلك الانتخابات لكنني رفضت ذلك حتى لا يتحول الأمر إلى نزاع عروشي بعد أن علم الناس بنجاح النائب المنافس. ثم خضت انتخابات 1991 الملغاة ولم تسقطني آلة الفيس واجتزت الدور الأول بالترجيح، ومع التعددية فزت في انتخابات 1997 نائبا لولاية الأغواط وخدمت عديد القضايا الوطنية والمحلية على مستوى ولاية الأغواط بشهادة الكثير حيث كانت هذه الفترة أهم مرحلة لفتح باب الحوار والأولوية أعطيت للتنمية ولمصلحة الوطن والمواطن، مع العلم أنني في سنة 2002 أبعدت من الانتخابات بغير وجه حق، لأن أعداء النجاح متواجدون في كل حزب وفي كل مرحلة يتربصون الدوائر بكل من يشتمون فيه رائحة النجاح، وفي نهاية 2003 عينت مكلفا بالدراسات والتلخيص بمصالح رئاسة الحكومة، وهي المهمة التي بقيت فيها إلى غاية الانتخابات التشريعية في 2007 حيث كنت على رأس قائمة حزب جبهة التحرير الوطني بالأغواط، وفي تلك الفترة كان الإخوة المشرفون على المحافظة يمثلون اتجاها مناقضا لتوجهات قيادة الحزب حيث قاموا بغلق المحافظة على القائمة المرشحة لمدة أسبوع ولكننا بفضل الحوار والحكمة تغلبنا على المشاكل القائمة وفازت قائمتنا بكل جدارة، وفي تلك العهدة انتخبت من طرف نواب حزب جبهة التحرير الوطني نائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني مكلفا بالثقافة والإعلام.
* خلال الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر عقب إيقاف المسار الانتخابي، هل فكرت بالانسحاب من عالم السياسة؟ – لم أفكر لحظة واحدة في الانسحاب لأنني لست من الطينة التي تفر من مواجهة المشاكل مهما كانت مستعصية، صحيح أن تلك الفترة كانت فترة جد دقيقة ولكنها لم تمنعنا من النضال، لقد تعرض جل مناضلي الأفلان إلى مضايقات وترهيب من طرف مناضلي الحزب المحل آنذاك فقد تعرض الكثير من المناضلين لشتى المصاعب في محاولة منهم لترهيبهم وهي مرحلة لا نريد العودة إليها، والحمد لله أنني عندما تقدمت في انتخابات ديسمبر 1991 الملغاة لم أسقط من طرف آلة الفيس، ويكفي أن أشير هنا أنه بعد الدور الأول وجدت الأغلبية الساحقة من المناضلين تنسحب ووجدتني أكاد أبقى وحيدا في الميدان لخوض الدور الثاني، لكن مع قرارة نفسي كنت مقتنعا بضرورة مواصلة نضالي رغم كل التحديات.
* حين يلام بعض البرلمانيين على عدم طرح أسئلتهم الشفوية يردون بأن هناك رقابة تفرض عليهم وتمنعهم من رفع بعض القضايا في المجلس الشعبي الوطني وإبداء مواقفهم، بحكم مروركم من هذا المبنى ما مدى صحة هذه الأعذار؟ – لا أدري ما يجري الآن داخل المجلس الشعبي الوطني لكن للتاريخ في الفترة التي عايشناها كنت نائبا لفترتين لم تكن هناك أية رقابة والرقابة الوحيدة هي ضمير النائب ومصلحة الوطن وثوابت الأمة، وفي الفترة التشريعية الرابعة كان لنا موقف في الحزب من السيد رئيس الحكومة والمشرف على انتخابات 1997 نظرا لما طال حزب جبهة التحرير الوطني من تجاوزات، ولكننا لم نكن ننتقد رئيس الحكومة كشخص أو رجل دولة وإنما كنا ننتقد بعض الممارسات التي كنا نرى أنها لا تخدم ثقافة الدولة، وشخصيا كانت مساءلاتي المتعلقة بقضايا التنمية تقلق حتى الوزراء المنتمين للجبهة وبعضهم كانوا من أصدقائي، لكنني كنت أقول لهم إنني أحمل معي قضايا واهتمامات المواطن ومن بين الوزراء الذين وجهت لهم أسئلة وزير السكن آنذاك عبد القادر بونكراف ووزير الري والبيئة عبد الرحمن بلعياط وغيرهم.
* على ذكر الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، من المؤكد أنك تابعت الصراعات الأخيرة بينه وبين الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني واتهام هذا الأخير أويحيى بعدم الوفاء، ما تعليقك على هذه الصراعات؟ – كلما اقترب موعد الانتخابات تزداد شحنة الصراعات في الساحة السياسية وأعتقد أن هذه الصراعات لا بد من تفاديها ومن حق أي مسؤول الدفاع عن تموقع حزبه، لكن لا يجب أن تتحول هذه الصراعات إلى تكسير الخط الوطني مهما كانت حدة الخلاف، قد نختلف في توجهاتنا وآرائنا لكن يجب احترام الرأي الآخر، ثم إن الظروف الحالية التي تمر بها بلادنا وخاصة على حدودها الملتهبة تفرض علينا الاتحاد والتكتل، فصراعنا هو ضد التخلف والإرهاب والرداءة والمال الفاسد ومن أجل العمل على تمكين أحزابنا على الأخلاق والخطاب المتزن، فمثلما أنا ضد الإثارة في الصحافة أنا لا أتفق مع التهجمات السياسية. وحتى عندما يحين وقت الحملات الانتخابية فإن تلك الحملات مع ذلك تبقى لها أخلاقها التي علينا كقيادات حزبية أن نلتزم بها لنعطي للشعب الأمل بأن السياسة أخلاق ومنافسة شريفة.
* في الآونة الأخيرة نادى بعض المثقفين بتنحية وزير الثقافة عز الدين ميهوبي من على رأس الوزارة، إلى أي مدى ترى أن ميهوبي أضاف لقطاع الثقافة بعد عام من تسلمه الحقيبة الوزارية؟
– حتى لو كانت له أخطاء أعرفها وأخرى لا علم لي بها فإنني لست أنا من يقيم أداءه، رئيس الجمهورية هو وحده الذي قام بتعيينه على رأس وزارة الثقافة ومن حقه ومن صلاحياته أن يقيم هذا الأداء، وكذلك الوزير الأول، فهما أحق من غيرهما بتقييمه أو بعزله من إبقائه، بصفتي مناضلا وهو مناضل بحزب منافس لا يمكنني التعليق على أدائه حتى لا يكون في ذلك تجني عليه.
* أصدرت لحد الآن 11 كتابا، هل من مشاريع كتب في الأفق؟ – نعم يوجد كتابان الأول قدمته للنشر تحت عنوان "فن العبث بالتاريخ" وهو يتضمن 60 موضوعا، بعضها عبارة عن مقالات نشرتها على مدى العامين الماضيين وبعضها الآخر محاضرات ألقيتها بعدد من الجامعات والمراكز الثقافية .. أما الكتاب الثاني فهو يتحدث عن عديد الأشخاص والشخصيات الذين عرفتهم طوال مسيرتي منهم سياسيون ورجال فكر وثقافة ومبدعون وفنانون ومنهم كذلك ناس عاديون أحكي عنهم بحميمية مطلقة قد أعنونه ب"هؤلاء الذين عرفتهم" أعمل على نشر الأول في المعرض الدولي القادم للكتاب، أما الثاني فمن المرجح أن يكون جاهزا في معرض الكتاب الدولي لعام 2017 إن كان في العمر بقية.