قال الوزير الأسبق الدكتور محي الدين عميمور في الجزء الثاني من لقائه مع الحوار، إن نتائج تلك الثورات المضادة جاءت كارثية لأن القوى الثورية حسبه لم تكن منظمة وكانت تفتقد قيادات واعية، ولم تحرص على قطع ذنب الأفعى كما فعل أردوغان في تركيا، وهكذا ضحى النظام القديم برأسه لكنه كرس كل جهوده للمحافظة على مكاسبه التي حققها على حساب الشعوب. وعن وضعية الجامعة العربية جزم محدثنا بأن الجامعة العربية، مؤسسة فاشلة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، مشبها إيها بالعملة الورقية التي لا رصيد ذهبي لها، بعدما تحولت إلى مجرد مورد رزق لموظفين من عدة دول عربية انتهى دورهم الوظيفي في بلدانهم الأصلية، ليصل للقول أنه على هذه المؤسسة أن تتجدد أو أن تتبدد. ولإنقاذ الجامعة العربية اقترح الدكتور محي الدين عميمور المختص في الشؤون العربية بأن وضع حد لتقليد انتماء الأمين العام لدولة المقر، على اعتبار أنه تقليد عُرفي وليس قانونا موضوعا، وأن يكون اختيار المسؤول الأول للجامعة اختيارا عربيا وليس تعيينا محليا يفرض على الجميع قبوله.
* لماذا تخلت الجزائر عن مطلب تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بين الدول العربية ؟
– في حدود ما أعرفه فإن الجزائر لم تطلب أبدا تدوير المنصب، حيث أنها تعرف الوضعية على الساحة العربية، لكنها طلبت، في حدود ما أتذكر، ألا يقتصر الاختيار على مرشح واحد من دولة المقر، بدون أن يعني هذا رفضا لتولي ديبلوماسيين من دولة المقر المنصب أكثر من مرة، ولكن باختيار عربي عام من بين عدة مرشحين من عدة دول.
* هل سيأتي يوم يمكن أن نرى جزائريا على رأس الجامعة، وما الذي يمنع ذلك حاليا ؟ – ولم لا ؟، لكن هذا يتطلب أن تكون للجزائر أغلبية عربية مؤيدة لاقتراحاتها.
* نعود إلى الوضعية العربية الحالية، أنت تركز في كل مداخلاتك على أن الثورات العربية هي تحصيل حاصل، هلا فسرت لنا موقفك هذا ؟
– واضح أن المقصود من السؤال هو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وهو فعلا ربيع عربي تفجر فيه غضب شعوب عانت طويلا من القمع والبطش والاستهانة من قبل أنظمة حكم يجمع العالم كله أنها كانت فاسدة. وحقيقي أن الثورة المضادة انتصرت في معظم الجهات، بفضل تواطؤ ودعم القوى الدولية المنافقة التي لا تتحمل انتصار إرادة الشعوب في الجنوب، وهو ما يؤكد ما كان الرئيس هواري بومدين يؤكده دائما من أن الصراع العالمي ليس بين الشرق والغرب ولكن بين الشمال والجنوب. وهكذا كانت النتائج كارثية لأن القوى الثورية لم تكن منظمة وكان تفتقد قيادات واعية، ولم تحرص على قطع ذنب الأفعى كما فعل أردوغان في تركيا، وهكذا ضحى النظام القديم برأسه لكنه كرس كل جهوده للمحافظة على مكاسبه التي حققها على حساب الشعوب. والمؤلم هو أن يُقال بأن من قتلتهم الثورة المضادة من أبناء شعبها في أربعين شهرا هو أكثر ممن قتلتهم إسرائيل في أربعين عاما، ولا حديث عن التعامل البشع لقوات الأمن مع المعارضين والذي لا يختلف عن تعامل أبشع السلطات الاستعمارية.
* قلتم أيضا بأن الأيادي الأجنبية لم يكن لها دخل في تحريك الثورات العربية، ولكنها استفادت منها،كيف ذلك؟
لا يمكن أن يقنعني أحد بأن "باعزيزي" التونسي كان عميلا للمخابرات الأمريكية، ولا يمكن أن أقتنع بأن جماهير الشباب المصري التي رفعت لواء الثورة في يناير 2011 وانتزعت احترام العالم كله بمن فيهم أمريكا كانت تحركها المخابرات الغربية. لكن الثورات لا تنجح بالنوايا الطيبة والإرادات المخلصة، وهكذا نجح أنصار النظام القديم المتحالفين مع النظم الاستعمارية في إجهاض الثورات، التي خسرت المعركة لأنها كانت تفتقد المقومات الرئيسية للنجاح، وهو ما يوضح من هي القوى التي تدعم ما حدث. وليس سرا أن إسرائيل ومن وراءها كانوا أول المستفيدين من ذلك.
* في رأيك ما هي سبل تفعيل العمل العربي المشترك في حل أزمات المنطقة ؟
– هناك تعبير رائع قاله يوما الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة : "العريان والعريان لا يلتقيان إلا في الحمام"، ومعنى هذا أن بناء القوة الذاتية لكل دولة عربية هو الطريق الوحيد لتحقيق القوة الفاعلة للمجموع العربي، والقوة الذاتية تتطلب الاعتماد على الديموقراطية الحقيقية وعلى استقلالية القرار السياسي والاقتصادي، وهنا فقط يمكن أن نواجه كل الأزمات التي تؤثر على وجودنا وتمس بمصالحنا.
* هل سيأتي يوم يصبح فيه حل جامعة الدول العربية ضرورة، بعدما فقدت قدرتها على التأثير في الساحة وأصبح دورها يقتصر على التنديد؟
– حتى التنديد لم يكن دائما كما يجب أن يكون، وقضية غزة كافية لتأكيد هذا القول. ولكي نعرف قيمة الجامعة العربية الحقيقية يجب أن نتذكر أنها لم تحاول إطلاقا إيجاد حل عادل لقضية الصحراء الغربية، وتصورت في السنوات الأخيرة أن طرد النظام السوري من الجامعة العربية كفيل بحل الأزمة السورية التي أصبحت مأساة حقيقية، وتركت ليبيا ضائعة بين التدخلات الأجنبية والعربية، ولم تستطع أن تنقذ غزة من الوضعية المأساوية التي تعيشها منذ العدوان الإسرائيلي الذي استكمل بمأساة المعابر، لتكون منطقة "غزة هاشم بن عبد المطلب" أكبر سجن في التاريخ.. الجامعة العربية هي مؤسسة فاشلة سياسيا واقتصاديا وثقافيا مثلها مثل اتحاد المغرب العربي، وهي أصبحت اليوم كعملة ورقية بدون رصيد ذهبي، ومجرد مورد رزق لموظفين من عدة دول عربية انتهى دورهم الوظيفي في بلدانهم الأصلية، أي أن الجامعة أصبحت مجرد "تكية"، وبالتالي فإن على هذه المؤسسة أن تتجدد أو أن تتبدد، بتعبير قاله شاعر جزائري يوما.
* كيف ترى إعادة الهيكلة ؟
– كنت تناولت القضية مطولا في أكثر من مداخلة ولن أزعجكم اليوم باجترار ما قلته أكثر من مرة وأكتفي بالقول بأنه لإنقاذ الجامعة لا بد أولا من وضع حد لتقليد انتماء الأمين العام لدولة المقر، وهو تقليد عُرفي وليس قانونا موضوعا، وهكذا يكون اختيار المسؤول الأول للجامعة اختيارا عربيا وليس تعيينا محليا يفرض على الجميع قبوله، ولا أرى في ذلك أي إساءة للقطر العزيز الذي احتضن الجامعة منذ ولادتها، لأن الأمين العام للأمم المتحدة التي احتضنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس أمريكيا بالضرورة، حتى ولو كان أحيانا مجرد دمية أمريكية. ومع احترامي لدولة المقر، والتي عرفناها دولة رائدة وثرية بالإطارات المتميزة، فمن غير المنطق أن تحرم الأردن من قيادة الجامعة العربية وفيها شخصيات من وزن الأمير الحسن بن طلال، ولا أن تحرم السعودية وفيها أمثال الأمير خالد الفيصل، أو تحرم لبنان وفيها سليم الحص، أو تحرم الجزائر وفيها لاخضر الإبراهيمي وكثيرون آخرون، أو تحرم بقية دول المغرب العربي وفيها أيضا شخصيات ديبلوماسية بارزة كالعديد من دول الخليج. ثم لماذا يكون الأمين العام دائما مسلما في حين أن المسيحيين العرب جزء رئيسي من النسيج الشعبي في الوطن العربي.
* تقصد تدوير المنصب على كل الدول العربية ؟
– لا، لأن هناك دولا عربية لا تتوفر، مرحليا، على إطارات مناسبة، وقد يأتي ذلك يوما، لكنني أرى أن يكون المبدأ هو الاختيار بين عدة مرشحين من عدة بلدان عربية. والعنصر الثاني لنجاح العمل العربي المشترك هو ترك السياسة والاقتصاد جانبا والتركيز على صياغة مشروعات لتحقيق الوحدة الثقافية، تبدأ بأشياء بسيطة مثل توحيد استعمال الأرقام والتواريخ ولوحات السيارات واسم العملة الواحد (وليس قيمتها) ثم التوجه تدريجيا لتوحيد المناهج المدرسية، فالوحدة الثقافية هي التي تعبد طريق الوحدة السياسية والتكامل الاقتصادي. ولو ركزت الجامعة العربية كل جهودها لوضع برنامج لإصلاح المدرسة العربية، وتوحيد مناهج التعليم عبر الوطن العربي لكان ذلك إنجازا تاريخيا. وأنا أعرف أن هذا لن يرضي قيادات عربية كثيرة ترسل بأبنائها إلى المدارس الأجنبية، وأقول المدارس وليس الجامعات، وهذا سبب صعوبة المهمة، لكنها هي الطريق الرئيسي لإنقاذ الجامعة العربية من نفسها أولا وقبل كل شيء. وفي غير هذا، فالجامعة ميتة، وإكرام الميت هو الإسراع بدفنه.
* لم أفهم قضية اسم العملة، وألا يعني هذا تعقيدا يخلق مشاكل مالية نحن في غنىً عنها؟
– أنا قلت "توحيد" اسم العملة وليس قيمتها، كأن يكون الدينار والدرهم مثلا هو اسم العملة في كل بلد عربي، مع احتفاظه بقيمته التي تحددها مصالح البلد المعني، وهكذا نستريح من الريال والأوقية والجنيه والليرة، وبعضها أسماء أجنبية. والمثال هو الدولار، فقيمة الدولار الأمريكي تختلف عن قيمة الدولار الكندي أو الأسترالي، لكن اسم الدولار يستعمل في كل هذه البلدان. وسيكون توحيد اسم العملة طريقا نحو توحيد قيمتها، لتكون العملة العربية مثل "الأورو". وبالمناسبة، هل تعرفين أن أوراق العملة الجزائرية خلال الفترة الاستعمارية كان مكتوبا عليها: بسم الله الرحمن الرحيم – ويل للمطففين، وتخيلي لو طالب أحدهم اليوم بكتابة البسملة على أوراق العملة. أعتقد أن هناك من سوف يسارع لاتهامه بأنه من "داعش"، تماما كما اتهم من يطالبون بتنفيذ حكم الإعدام على قتلة الأطفال.
* نعود إلى الداخل الجزائري، في سنوات السبعينيات أصدر الراحل هواري بومدين أمرا بإعدام مختطف ابن عبد المالك تمام وزير المالية وقتها، ما رأيك في الموقف اليوم فيما يتعلق بملف خطف الأطفال في الجزائر؟
– الرئيس الراحل لم يصدر حكما بالإعدام على أحد ولكنها المحكمة الجزائرية التي أصدرت حكما قانونيا، صادق عليه الرئيس بصفته القاضي الأول في البلاد، وانطلاقا من المعطيات التي قدمت له. والمهم هنا هو أن إعدام المتهم بالاختطاف جعلنا نعيش أكثر من أربعين سنة بدون أن نسمع بحالة اختطاف واحدة. وأن يستفيد ملايين الأطفال الأبرياء من ذلك الإعدام ويتمتعون بحياتهم هو تأكيد للمعنى العميق الذي قاله تعالى: "ولكم في القِصاص حياة يا أولي الألباب". وأعتقد أن هذا هو الرد على من يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام من بعض الشرائح التي ترفع المظلة عندما تصب الأمطار في باريس.
* لكن هناك من يخشى من أن يعدم بريء ؟
– هناك أناس نواياهم طيبة ويخافون فعلا من ظلم يصيب بريئا وهم على ألف حق، لأن فرار مجرم خير من معاقبة بريء، لكن إلغاء حكم الإعدام هو التفاف حول نص ديني واضح، وقد يكون هذا بعد ذلك إعدادا للالتفاف حول نصوص أخرى تجعل ممارستنا للدين الإسلامي كتعاملنا مع اللغة العربية، وبطريقة "طوموبيل كرازات الفيو في الرومبوا انتاع السبيطار والبوليسي نحّى الكارت غريزانتاع الشوفور واداه الكوميساريا". ولا ننسى أن البعض يردد تلك الدعوات المشبوهة لأنه يسكن في مناطق محمية وآمنة، ويتمتع بصحبة حراس غلاظ شداد، وهو نفاق اجتماعي بل وجريمة اجتماعية. وليتني أعرف رد فعل أحد هؤلاء لو اختطف ابنه ذو العاشرة وتم قتله بعد اغتصابه والعياذ بالله. وما من أحد يريد أن يتحمل ضميره مسؤولية إعدام بريء، وأنا أصر على أن إلغاء حكم الإعدام هو خطيئة دينية واجتماعية وأخلاقية، والحل ليس إلغاء عقوبة لا بد منها لضمان أمن المجتمع ولكن في إقامة نظام قضائي يسمح للمتهم بمحاكمة جديدة وبإعادة الاستماع للشهود وبإيقاف الحكم إذا كانت هناك شكوك في مصداقية الاعترافات أو الشهادات، أي أن نستفيد من النظام المعمول به في الولاياتالمتحدة. وبالإضافة إلى سلطة رئيس الدولة في تخفيف الحكم في حالات معينة، يمكن أن يُسن قانون يسمح بأن يطلب البرلمان مثلا إعادة المحاكمة، أو تقديم طلب إلى رئيس الجمهورية بتخفيف الحكم. لكنني أحذر من غضبة تدفع أهالي الضحايا إلى الانتقام بأنفسهم ممن يرون أنه مجرم فرّ من العقاب، وهذا في حد ذاته أسوأ ما يمكن أن تعرفه دولة قانون وعدالة.
* أنت في سلسلة "مع عميمور" في قناة "البلاد" ربطت هذا بالموقف الغربي من ارتفاع أصوات تنادي بإعدام الانقلابيين في تركيا؟
أنا أدنت النفاق الغربي، فقد ارتفع التنديد بالقيادة التركية في أوساط أوربية عندما نادت جماهير الشعب في تركيا بإعدام من ثبت تآمرهم لاغتيال رئيس الدولة، والذين قتلوا عددا من حراسه إلى جانب من قتلوا في نواح متفرقة، بينما لم يتحرك أحد عندما أصدر القضاء المُسيّس في بلد عربي حكما بالإعدام على 500 إنسان في أقل من نصف ساعة، ولم نسمع لهم صوتا عندما أعدم الانقلابيون في تركيا رئيس الوزراء عدنان مندريس، الذي أعدم أمام الملأ، وعندما أعدم النظام العميل في العراق صدام حسين صبيحة عيد الأضحى. ولم ترتعش عضلة واحدة في وجوه دعاة حقوق الإنسان في الغرب أمام آلاف الضحايا في غزة وأمام مئات الأطفال الذين قتلهم الإجرام في سوريا بالغازات السامة، وأمام مئات الضحايا من المسلمين في بورما، لمجرد أنهم مسلمون. وأذكر ثانيا بمذابح البوسنة والهرسك، ومأساة الشيشان في غروزني، والتي لم يتحرك لها الغرب بالحماسة التي تابعناها مؤخرا. وما يؤسفني ليس ردود فعل الغرب المنافق ولكن مواقف البعض عندنا، وتصرفات بعضهم خصوصا في بعض السفارات الأجنبية.
* تحدثت في مداخلة لك على قناة البلاد عن موقفك من الانفتاح الإعلامي الذي وصفته بأنه جاء لتشتيت الرأي العام، نريد أن توضح لنا موقفك هذا أكثر ؟
– كنت استعرضت الواقع الإعلامي بناء على تجربة طويلة في هذا الميدان، ومن هنا قلت أن تعريب جريدتي النصر والجمهورية في السبعينيات، ومع تقديري لكل النوايا الطيبة، كان كارثيا على وضعية الرأي العام المُعرّب في الجزائر لأنه فتت قراء اللغة العربية إلى ثلاث مجموعات لا تواصل بينها، وحوّل أمّ الصحف، أي جريدة الشعب، إلى صحيفة جهوية، وحرم قراء كثيرين من كتاب كان ذنبهم أنهم يكتبون في صحيفة تصدر في الجهة الأخرى من الوطن، وهذا في الوقت الذي تم توحيد الرأي العام القارئ بالفرنسية في صحيفة واحدة، وكان أخطر ما في الأمر أن قراء الفرنسية في معظمهم تجاهلوا ما يكتب بالعربية. وبناء على هذا فإن وجود أكثر من 150 صحيفة والعديد من القنوات الفضائية هو تفتيت للرأي العام في الجزائر، في غياب مرجعية مركزية تقوم بدور قائد الأوركسترا، وبالتالي فمن الصعب أن ندعي بأن الصحافة عندنا قادرة على توجيه الرأي العام. وأنا أعرف أن هناك من استفاد من هذه الوضعية، لكنني أراها وضعية بائسة تسيئ للجميع.