بعد مد وجزر، وإشاعات وإشاعات مضادة عرفتها القاعة الكبرى لفندق الاوراسي، خرج عمار سعداني، مساء أمس، أمام أعضاء اللجنة المركزية، ليحسم الجدل، ويعلن صراحة استقالته من على رأس الامانة العامة، راميا بذلك المنشفة نهائيا من قيادة أكبر حزب سياسي في البلاد، تاركا الكرسي لجمال ولد عباس ليقود دفة العتيد بالنيابة مؤقتا وفقا للقانون الأساسي للحزب، هذه الاستقالة تأتي على مشارف استحقاقات انتخابية حاسمة. وقبل اعلانه عن الاستقالة، توجه سعداني بسؤال لأعضاء اللجنة المركزية بتحديد موقفهم من قرارهم حول رغبته في الاستقالة، الامر الذي كان بمثابة المفاجأة الكبرى، الا أنه ولا أحد من الاعضاء رفع يده ليبدي رغبه في مغادرة سعداني، الذي خاطب الصحافيين الحاضرين ليسجلوا أن لا أحد من اللجنة المركزية سحب الثقة من الأمين العامة، وقال سعداني: "هناك طريقان لا ثالث لهما: إما ان تكون صادقا أو تكون مارقا، أن تكون وفيا وشجاعا وصريحا، وأن تكون مارقا يعني أن تكون منافقا وجبانا في المواقف الصعبة، أصارحكم اليوم وأنتم أعضاء اللجنة المركزية، بعد ان قد غبت عنكم لثلاثة شهور لأسباب صحية، غيابي لم يكن دون مبرر، ولكن لأسباب صحية بحتة".
وواصل سعداني أمام صمت رهيب أطبق على القاعة قائلا: "تلك الاشارة الأولى واليوم الاشارة ثانية، اريد ان اقدم أمامكم استقالتي، وأرجو ان يكون مع عمار او ضده، مع القانون الاساسي الذي يسمح لي ذلك، اصر على الاستقالة وحتى ولو كانت مرفوضة، وأرجو لكل من يحب سعداني أن يفضل المصلحة العامة، هذا الحزب لا يحتاج أي خدش، هذا الحزب ديمقراطي وللمناضلين، أوصيكم بثلاثة أمور: الجزائر أولا، الجزائر ثانيا، الجزائر ثالثا، وجبهة التحرير وجبهة التحرير والرئيس بوتفليقة ثم بوتفليقة"، مردفا: "وحتى أكون وفيا، أقدم لكم أخي المجاهد جمال ولد عباس وأرجو أن توافقوا بإذن مني". وبعد أن دعا سعداني ولد عباس لصعود المنصة، بدوره ولد عباس قال إنه يثمن المكاسب التي حققت في عهد عمار سعداني، الذي قال انه صديقه الوفي منذ عشرات السنين.
* خطاب وداع.. سادته التهدئة مع الجميع وعلى عكس الخطابات النارية التي اعتاد الامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الظهور بها للرأي العام، خرج الأخير خلال ترأسه للدورة العادية الثالثة للجنة المركزية بفندق الأوراسي، بوجه مخالف تماما عما عهده به الجميع، تحدث خلالها عن الرهانات التي تواجه الأفلان اشهرا قليلة قبل التشريعيات: "ها نحن نلتقي اليوم لتقييم مسيرة سنة كامل مضت مليئة بالنشاطات والإنجازات، ونحضر لسنة قادمة تنتظرنا فيها تحديات واستحقاقات وجب علينا الاستعداد لها بقوة ليبقى الأفلان في الريادة، حققنا ارادة المناضلين، وفتحنا الباب امام الطاقات والخبرات الى جيل الشباب المثقف المتسلح بتكنولوجيا المعرفة والقادر على الوصول ببلده الى المقدمة"، مردفا: "أراد المناضلون أن يكون المؤتمر العاشر رائدا، ليؤدي الأمانة التي أرادها الشهداء وحملها المجاهدون المؤسسون للحزب، ويتوارثها المناضلون جيلا بعد جيل، وهي أن يكون الحزب في الطليعة، ويكون الى جانب المواطنين الذين وضعوا فيه الثقة وتكون الكلمة الأخير للشعب".
* التزام "الأفلان" بدعم الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة وخاض سعداني مطولا في الحديث عن المجهودات التي بذلها الرئيس بوتفليقة منذ توليه الحكم: "أحيي المجاهد الذي لم يبدل ولم يغير.. إلى من شارك في معركة التحرير ثائرا ومسؤولا بعد الثورة، ودبلوماسيا لامعا وقاد البلاد في أصعب الفترات، فلم يجبن ولم يتخاذل وأكمل رسالة المجاهدين وتحمل المشاق، فأعاد السلم والأمان الى ربوع البلاد بحكمته ورايته الثاقبة، واستشراف المستقبل ونحن نعيش في أمن وأمان، الذكرى الحادية عشر لميثاق السلم والمصالحة الوطنية بفضل الله ورئيس الجمهورية رئيس الحزب عبد العزيز بوتفليقة" وبعد ان عجت القاعة بالتسفيقات والهتافات، قال سعداني: "أحيي الجيش وأسلاك الأمن، وإن التزامنا السياسي والأخلاقي ووفاءنا للرئيس بوتفليقة رئيس الحزب موقف مبدئي ثابت، الأفلان كان وما يزال وسيظل بجانب الرئيس بوتفليقة في كل المواقع والمؤسسات، في غرفتي البرلمان والمجالس المنتخبة والقاعدة الشعبية، لأن برنامجه يضمن الأمن والاستقرار والمناعة للبلد والعزة للشعب".
* "الأفلان" ليس ضد المنافسة السياسية شريطة أن تكون شريفة وفي اشارة واضحة منه الى غريمه الأرندي، قال سعداني: "ان الرهانات التي تنتظر الحزب تفرض بقاءنا يقضين، وان نعي أن جميع المنافسين يستهدفون حزبنا، ولا بأس في ذلك اذا كانت المنافسة شريفة، ونقول لجميع منافسين إن الجزائر تسع الجميع، وإن التنافس السياسي يجب أن يكون نزيها وإيجابيا في اطار القيم المضافة للدولة في جميع المجالات، الأفلان يملك كل المؤهلات للاستمرار في الريادة، ورفعنا خلال المؤتمر العاشر شعار البناء والتشييد، وهو ما لاحظناه من خلال الاقبال الكبير على الانخراط في كل ربوع الوطن خاصة فئة الشباب، وهم يستحقون ذلك لأنهم مستقبل الأمة" وشدد قائلا: "سمحت لي الزيارات التي قمت بها في العديد من الولايات في اطار مبادرة الجدار الوطني لمعزفة مدى اقبال الشباب"، داعيا كل مسؤولي الحزب الى فتح أبواب الانخراط، مؤكدا أن الحزب يشهد انتشارا واسعا، داعيا الى اعادة ترتيب المنظومة الحزبية، في خضم هذا الحراك.
* الجزائر أكبر بكثير من أن تطالها حملات إعلامية خارجية مسعورة في السياق، أوضح الرجل الأول في الأفلان، إن: "الأفلان ميراث لكل الجزائريين وكل الانسانية التي تعتبر أن كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار ملهم للشعوب التواقة للاستقلال، وأن الجزائر أكبر بكثير من أن تطالها حملات اعلامية مسعورة أو تنال من رموزها ومكانة مؤسساتها الدستورية، في مقدمتها رئاسة الجمهورية"، مؤكدا أن الرئيس بوتفليقة قد زكاه الشعب في 2014، ما يؤكد ان الوصول الى الحكم لا يكون الا بالاحتكام للارادة الشعبية"، مشددا: "نجدد التأكيد أن الأفلان يستنكر بقوة تلك التصريحات المنبوذة التي تنعت جهاد أبطال الجزائريين بالإرهاب، ونقف بالمرصاد ضد كل المتطاولين على رموزنا".
* تصريحات المسؤولين الفرنسيين ضد المجاهدين مرفوضة ومدانة واعتبر سعداني أن تصريحات المسؤولين الفرنسيين الرسمية وغير الرسمية حول المجاهدين والشهداء، مرفوضة ومدانة، بكل قوة، وتدخل في أجندة المناورات السياسية والسباق المحموم في الانتخابات الرئاسية في فرنسا، مشيرا الى التضحيات الكبيرة التي قدمها المجاهدون في سبيل استقلال البلاد واستعادة السيادة الوطنية. ونوه المتحدث بتعليمات رئيس الجمهورية لاسترجاع رفات وجماجم رموز الثورة، كاشفا أن الأفلان يؤمن بتواصل الأجيال، وشدد أن التحديات التي تنتظر الأفلان في المرحلة المقبلة، ليس انتخابية فحسب، ولكن اقتصادية كذلك، بفعل تراجع أسعار البترول في الأسواق العالمية.. رغم أن اجتماع اعضاء الاوبك أعطى املا الا ان الحذر لا يزال مطروحا في ظل اقتصار مداخيل الدولة على عائدات البترول"، رغم أنه دعا الى عدم تسويد الصورة خلال معالجة هذه القضايا، مشيرا الى ان هذه المرحلة الصعبة: "كحزب قيادي ريادي أن نكون في المقدمة ونحافظ على المكاسب، وأن نكون يقظين بالمخاطر المطروحة، خاصة أنها مخاطر فعلية دمرت الشعوب وغيرت الحكام".
* أبواب مبادرة الجدار الوطني لا تزال مفتوحة وحول مبادرة الجدار الوطني التي أطلقها الأفلان، دعا سعداني مجددا الطبقة السياسية بمختلف ألوانها الحزبية والجمعيات الى الالتفاف حولها من اجل التصدي لأي مناورة خارجية أو داخلية كانت. وبمناسبة اليوم الوطني للصحافة، ثمن سعداني احترافية الاسرة الاعلامية قائلا: "هذه الفئة التي نعتز بها ونحترم فيها شهداء الواجب الذين سقطوا في الميادين ابان العشرية السوداء، ونحييهم على ما قامو به تجاه وطنهم وتكريس الحرية والتعبير ومرافقة الطبقة السياسية خدمة للصالح العام، ونؤكد على الارادة الصادقة لبناء منظومة اعلامية وطنية رائدة، تعمل على اعلام المواطن بالحقائق، ويكون فيها الصحفي محميا بحقوقه المهنية والاجتماعية، وهذه قناعة نؤمن بها وعملنا على تكريسها". بعد ان ثمن جملة الاصلاحات التي مست مختلف القطاعات.
* كواليس:
* الكل يترقب وينتظر الحسم أدخل عمار سعداني الجميع في متاهة لا بداية لها ولا نهاية، بعد أن راجت إشاعة استقالة عمار سعداني، واشتعل هشيم هذه الإشاعة بعد ان رفع سعداني الجلسة لعشر دقائق فقط، الا أنها طالت لتدوم ساعات، ما جعل الانطباع العام داخل القاعة الكبرى لفندق الاوراسي يخوض في قراءات سياسية واسعة حول صدقية المعلومة من عدمها، ومن سيخلف سعداني في حال غادرة الأفلان… إلخ.
* خبري لم يصنع الحدث رغم أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب البلاد خلال هذه الفترة بسبب تراجع أسعار المحروقات في السوق العالمية، فإن مشاركة وزير الطاقة السابق صالح خبري لم تحدث الاستثناء، حيث كان على مدار أشغال الندوة منزويا في الكثير من الاحيان، ما جعل الكثير ممن شاهده يقول إن خبري أصبح بعيدا عن الأضواء.
* عثماني تحتج بطريقتها علمت "الحوار" أن عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني ورئيسة لجنة المرأة بالعتيد سليمة عثماني، أنها احتجت على عدم ادراج كل الزيارات المراطونية التي قامت بها منذ بداية الدخول الاجتماعي الى الولايات، حيث تم ادراج البعض منها فقط في تقرير اللجنة المركزية. جمعها: نورالدين علواش