بقلم: أ.د/ محمد نور الدين جباب الأشقاء في مصر لازالوا يعيشون بالذهنية القديمة ولم يتطوروا، ولاتزال الوصاية المصرية على الثقافة العربية والفكري العربي وعلى الإسلام في العالم العربي هي نفسها منذ القديم ولم تتغير، منذ كان المشرق يقول عن المنتوج الفكري في المغرب "هذه بضاعتنا ردت إلينا" رافضين تميز وتفرد المغرب عن المشرق.
كانوا ولازالوا يرفضون ويقاومون إلى اليوم "تطاول" المغرب على سيده المشرق رغم صراخ جمال عبد الناصر الذي بح صوته من مقره بقصر العروبة الذي ظل يخطب ويخطب ولم يتوقف حتى آخر يوم في حياته عن العروبة والقومية العربية والوحدة العربية و المصير العربي المشترك.
العنجهية المشرقية هي التي دفعت المفكر محمد عاد الجابري لكي يرد الصاع صاعين في موقف لا يخلو من تطرف، عندما جعل العقلانية حكرا على المغرب عكس المشرق غير العقلاني، الصوفي والعرفاني، وكلنا تابعنا كيف تشكلت قيادة أركان حرب مشرقية بقيادة الجنرال جورج طرابيشي للتصدي والهجوم وقصف المغربي الذي لم يلتزم حدوده.
اليوم وزير الثقافة المصري، وهو أحد سدنة نظام السيسي، في مقابلة مع الصحافة الجزائرية "جريدة الخبر" وذلك بمناسبة المعرض الدولي للكتاب ومصر هي ضيف شرف هذه الدورة يعيد السيد الوزير إنتاج نفس الخطاب القديم، خطاب الوصاية والتعالي في وقت لم تعد مصر وعموم المشرق يملك هذا الحق ولا هذه الوصاية.
وزير الثقافة المصري في هذه المقابلة تحدث عن أشياء كثيرة بكثير من الخلط والتلفيق بخاصة حديثه عما سماه ب "الثورة الدينية" لكن ما لفت انتباهي تلك العنجهية التي تحدث بها السيد الوزير، في حقيقة الأمر هي جهل بحقائق قبل أن تكون عنجهية، عندما ذكر أثناء حديثه عن الثورة الدينية أحد رموز الإصلاح الديني محمد عبده حيث قال بالحرف "نحن بحاجة إلى ثورة للإصلاح الديني وهذه الثورة كانت قد بدأت بوجود الأستاذ الإمام محمد عبده ومدرسته الممثلة في الجزائر بالشيخ عبد الحميد بن باديس". أولا السيد الوزير انتهك مفاهيم لا يصح انتهاكها مثل الثورة والإصلاح فعندما يقول " حن بحاجة إلى ثورة حقيقية للإصلاح الديني" فهذا خلط كبير لأن الإصلاح شيء والثورة شيء آخر وهذا حديث آخر، نعود إلى موضوعنا يقول السيد النمنم "محمد عبده ومدرسته الممثلة في الجزائر بالشيخ عبدالحميد بن باديس".
كلام النمنم يفهم منه أن محمد عبده فتح "اناكس" لمدرسته وعين لهذا "الأناكس" موظفا وهو عبد الحميد بن باديس لكي يدير هذا الفرع.
هنا لابد من الإشارة أن الأستاذ الإمام محمد عبده يعد أكبر رجل دين استنارة وعلاقية بل لقد كان متقدما على عصره وعلى الكثير من عصرنا ولهذا لم أوافق يوما بل اعترضت، وأنا شاب في العشرينيات، على نقد عبد الله العروي للشيخ الإمام كما اعترضت لاحقا على نقد محمد أركون لأن محمد عبده قامة كبيرة وقيمة لا تقدر بثمن ورائد كبير في حركة الإصلاح الديني ولا أحد يجرؤ على القول أن الأستاذ الإمام لم يكن له تأثير كبير في العالم العربي والجزائر التي زارها سنة 1903 وتجول في مساجدها واستقبل بحفاوة كبيرة.
لكن الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس، الذي تأثر بدون شك بحركة الإصلاح الديني، هو نتاج لتاريخ آخر ولمسيرة تاريخية أخرى وخصوصية تاريخية أخرى واستمرارية تاريخية أخرى مغايرة. الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس استمرار تاريخي للأمير عبد القادر وحلم الدولة الوطنية.
في تقديري هذا هو المدخل الصحيح لكي نحسن فهم الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس ونفهم إسلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ونفهم الإسلام الجزائري الذي يختلف عن الإسلام في الشقيقة مصر والمشرق العربي.