القارىء لكتاب "مذكرات خير الدين بربروس"، ترجمة وتعليق الأستاذ محمّد دراج، الأصالة للنشر والتوزيع، الجزائر، الطبعة الثانية، 1434ه – 2013، من 198 صفحة، يقف على الملاحظات التالية.. الكتاب ينشر لأول مرة باللغة العربية، ويشكر جزيل الشكر الأستاذ محمد دراج على الترجمة. والكتاب يرسم اللحظات الأولى لدخول الأتراك للجزائر، بقلم صاحبها خير الدين بربروس، والمذكرات لم يكتبها خير الدين بنفسه، إنما استعان بكاتب وشاعر سيد علي مرادي، ويبقى السؤال: لماذا؟. وجاءت المذكرات بطلب من السلطان سليمان خان بن سليم خان، أي المذكرات وإن كانت شخصية، إلا أنها تحمل طابعا سياسيا رسميا، أي لم تكن نابعة من ذاته، إنما كانت استجابة لأمر السلطان. تحدّث بإسهاب عن وقوع أخيه عروج في الأسر في رودس والإهانة والذل التي تلقاها، وعن قطع رأسه من قبل الإسبان. ويستعمل خير الدين، عبر صفحات الكتاب مصطلح.. كافر، كفار، ولا يستعمل غيرها، وعرض الإسبان على عروج، وهو في السجن الخروج من الإسلام ويعيش حياة سعيدة، فرفض ذلك مفضلا الأسر والتجديف على الخروج من الإسلام، ويبدو لي من خلال متابعة الصفحات، أن عرّوج كان أحسن مستوى من حيث التعليم وتعلم اللغات من أخيه خير الدين. وقد ساهم بربروس بشكل كبير في إنقاذ أرواح عدد كبير من المسلمين الذين تعرّضوا للإبادة على يد الإسبان، وكان يخصص أساطيل لإنقاذ المسلمين، ما جعل ملوك الإسبان وأوربا يكنون له بغضا لا يطاق ويجهزون لأجله سفنا وجيوشا لغزوه وقتله. وكان بربروس يقسم حياته إلى قسمين.. فصل الشتاء مخصص لإصلاح السفن وإعداد الجند وبعض الراحة، وفصل الربيع مخصص للغزو. وحب بربروس لسلطانه سليمان خان كان فوق الوصف، ولا يرضى أبدا أن يمسّ سلطانه بسوء أو يقال عنه سوء، وكان يكرمه دوما بالهدايا الثمينة الغالية، وكان السلطان يبادله بالمثل، وكان يفتخر دوما وهو يقبّل يد السلطان، ويقبل رسالته ثلاث مرات قبل أن يقرأها، وكان يصر على أن يذكر السلطان في الخطبة وتضرب النقود باسمه، ولا يقبل أبدا التنازل عن ذلك، وبعض الجزائريين والإسبان يلقبونه بالقرصان، وكل له أسبابه ودواعيه، إلا أنه كان يبغض هذا اللقب ولا يطيق سماعه، ويعاقب من يستعمله من أعدائه. وكان بربروس يهتم بشكل كبير جدا بصناعة السفن وتطويرها من حيث قوة الدفع والحمولة والسرعة، لذلك كان يفرح كثيرا حين يستولي على سفن أعدائه من العرب والعجم، وكان يفرح كثيرا حين يزوده السلطان بسفن كهدايا، واستطاع أن يطور أسطولا عبر صناعة السفن ولو أنها كانت في بدايتها ولم تصل لمستوى صناعة السفن لدى السلطان، بالإضافة إلى الاستيلاء على سفن الغير من العرب والإسبان والأوربيين، ويذكر بأن الإسبان كانوا يتسلون بقصف المآذن حين يسمعون صوت الأذان. وإحدى مظاهر قوة بربروس، جواسيسه المتواجدون داخل البلاط الإسباني والأوربي وحكام العرب، فكانوا يوافونه بالتفاصيل، لذلك كان دوما على استعداد، ولم يقع تحت عنصر المباغتة، بل كان يفاجىء خصومه وأعداءه لما يملك من معلومات تعتمد على عيونه، ويعترف طبعا بوجود جواسيس داخل جيشه وضمن سلطانه. واستولى بربروس على عدد كبير من أسرى الإسبان حتى أن سعر العبيد انخفض بسببهم، وأهدى عددا كبيرا منهم للسلطان سليمان، لأنه كان له فائض من الأسرى. وقد ذكر عدد الأسرى بالأرقام عبر جميع غزواته لمن أراد أن يعود إليها ويتحقق منها ويقارنها بما قرأ أو يملك من وثائق. وخير الدين بربروس في تعامله مع الجزائريين استعمل الألفاظ نفسها التي استعملها المستدمر الفرنسي وهو يصف الجزائريين، كقوله.. ابن الكلب، البدو، الأعراب. وما كان له أن يصف الجزائريين بتلك الأوصاف، وبغض النظر عن الدواعي والأسباب. وإننا لم نقبل الشتيمة من إخواننا، ولا من الاحتلال الإسباني، ولا الاستدمار الفرنسي، فكذلك لا نقبل الشتيمة من خير الدين بربروس وغيره ولو كانت فضائله عديدة كثيرة. وبغض النظر عن الأسباب، فلا يمكنني بحال أن أجد تبريرا لمن يشتمني ويهينني، بل يلام صاحب الشتيمة وتذكر شتيمته لأنه أساء لأهل الدار بشتيمته، وتحرير الجزائر من الإسبان فضيلة يشكر عليها عروج وبربروس، لكن لا تمنح أيّ منهما حق شتم الجزائريين، والأجدر بنا أن نلوم بربروس ونقول له: لماذا شتمت الجزائريين؟، عوض أن نلوم الجزائري ونقول له: لماذا لم تقبل شتيمة بربروس؟. جاء في صفحة 116 من كتاب "مذكرات خير الدين بربروس".. "وكان على رأس الثائرين الذين وقعوا في الأسر شيخ مدينة الجزائر، أمرت بإعدامه وقطع جسده اللعين إلى أربع قطع، وتعليق كل منها على باب من أبواب المدينة ليكون عبرة لغيره". واستشار علماء الجزائر الطاعنين في السن بشأن 185 أسيرا جزائريا، فطلبوا منه العفو، وبأن الكثير منهم كان له الفضل في محاربة الإسبان، وبعد ذلك استشار البحارة الأتراك فطلبوا "من الحزم أن تضرب أعناقهم ليكونوا عبرة لغيرهم"، ثم قال "فأمرت بضرب أعناق زعماء التمرد". وفي صفحة 121 يعفو عن الخونة الأتراك كما يسميهم ،الذين وقفوا مع ابن القاضي ضده وتمردوا على السلطان، والسبب في ذلك "أن فيهم من قدم خدمات كبيرة لنا، وفيهم من يعود إليه الفضل في القضاء على الكثير من رؤوس الإسبان والاستيلاء على سفنهم". أقول.. الأسباب نفسها التي دفعت بربروس لإعدام 185 جزائريا، هي نفسها التي دفعته للعفو عن الخونة الأتراك، والأسباب نفسها التي جعلته يرفض طلب العفو الذي قدمه علماء الجزائر عن 185 جزائريا باعتبارهم سبق لهم أن حاربوا الإسبان ولم يأخذ برأيهم وأعدمهم، هو السبب نفسه الذي جعله يعفو عن الخونة الأتراك لأنه سبق لهم أن حاربوا الإسبان من قبل. وبلغة بربروس.. 185 جزائريا خائنا والأتراك خونة، فأعدم الجزائريين الخونة رغم مناشدة علماء الجزائر له بالعفو عنهم، وعفا عن الخونة الأتراك، بمجرد ما طلب منه ذلك البحارة الأتراك. في صفجة 142، يكتب أن قائده آيدين أسر 80 راهبا، طبعا خير الدين فرح بالخبر وأقرّه واستمر في مدح قائده. وجاء في صفحة 151، أن بربروس قدّم للسلطان سليمان خان هدايا ثمينة، منه 100 عبد و100 غلام قد ناءت أعناقهم بالجواهر التي كانوا يتحلون بها. كل منهم يحمل لفائف من القماش المطرز بخيوط الذهب والفضة، و100 جارية كل منهن اختيرت من أجمل حسناوات أوربا. كانت الجواري يرتدين فساتين زاهية من أجود الأقمشة، ويتحلين بأجمل الجواهر الثمينة، مع العلم كل هدايا بربروس للسلطان سليمان خان، كانت تضم جواري وغلمان، لكن هذه المرة كان العدد كبيرا جدا. وكان خير الدين بربروس قائدا عسكريا يملك صفات القائد، وما شدّني في الكتاب الصدق الذي ميّزه، وعدم المبالغة في الحقائق التي ذكرها، وإن كانت هناك مبالغة في بعض تصرفاته. تحدّث عن خسائره، تطرق للضغوط التي واجهتها، وهو يواجه الجيوش الأوربية، وصف النقائص التي رافقت جيشه، تحدث عن الإيجابيات وتفوق الجيوش الأوربية في العدد والعدة. ينسب النصر لله تعالى، يتواضع بعد النصر الذي حققه، ويصف نفسه وهو القائد بلا منازع بأنه العبد الضعيف. طاعته لسلطانه واضحة جلية يعلنها في مناسبة وفي غير مناسبة. سر قوته ونصره في دقة التنظيم الذي امتاز به عن غيره من العرب والعجم وتحكمه في الجيش بسلاسة ويسر ولو كانت القطع العسكرية بعيدة عنه، ويكفيه فخرا أن السلطان العثماني كان يستعين به لمحاربة ملوك أوروبا الذين لم يستطع مواجهتم بمفرده، يغزو في الذهاب والإياب وهو ذاهب للزيارة وقادم من الزيارة، يغزو في الطريق وهو ذاهب للحرب ويغزو في الطريق وهو قادم من الحرب، ويبقى بربروس شخصية عسكرية لها من الميزات العسكرية العديد والكثير.. ورحم الله عروج وبربروس.