إعداد الأستاذ: محمد بومدين جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان الجزء الثاني الملخّص: إن فعل التفلسف في الحياة هو أن نكون محبين لها، باحثين عن سبيل تحقيق السعادة فيها، كوننا بشر نحيا حياة مليئة بالفوضى وعدم التراتبية، مليئة بالعنف والتسلط لا إيمان فيها إلا بقانون "الغاب" القوي يأكل الضعيف، وفي ظل هذا التزاحم وهذ الصراع نبحث مع المفكر الفرنسي الجزائري "ألبير كامي" albert camu، كيف نحقق إنسانيتنا، كيف نعي ذواتنا، كيف نعيش من أجل الحياة السعيدة التي تحمل شعار "نعم للإنسانية"، نعم للطبيعة البشرية، نعم للحرية والوعي"، والتي تنادي في المقابل وتقول "لا للاضطهاد، لا للاستعباد، لا لقهر الانسانية وحجب العقل عن التفكير وتغييبه عن الوعي، وهي الرؤية التي أعلنها "ألبير كامي" صارخا في وجه الآخرين من خلال "فعل المتمرّد" revolte لتحقيق الإنسانية "humanisme l" متجاوزين العبث الأنطولوجي بفضل هذه الّروح الثائرة أو التمرّدle renegatou un esprit confus والذي كان الشغل الشاغل لتفكير وعقل "ألبير كامي" متتبعين رؤيته من خلال مقولته الشهيرة "أنا أتمرّد إذن أنا موجود" وأهم أعماله التي تضمنت جملة الأطروحات الفكرية الفلسفية حول القضايا الإنسانية وكذا البرهنة على هذه الرؤية بما يراه "ألبير كامي" حلا لذلك وسبيلا لتحقيق سعادة الإنسان وتحقيق إنسانيته. ***** ***** ***** ***** *****
ألبير كامي والعبث الأنطولوجي: يعتبر "ألبير كامي" واحدا من الفلاسفة المعاصرين الّذين تم تغييبهم داخل الأعمال الفكرية العربية وخاصة الاشتغال حول أفكاره داخل أقسام وشعب الفلسفة، كان قد قدر لعمله الواعد الذي قال عنه هذا الأخير "إنّه لم يكد يبدأ بعد"، لأن يسدل عليه الّستار، كما قدّر للباحث أن يكتفي بما وجده أمامه من أعمال وكتابات عربية أو المعربة منها. حيث يعتبر البير كامي بأعماله وشخصيته الفذّة واحدا، فلا نستطيع الفصل بينهما، لأن أعماله وببساطة كانت وليدة الحياة الّتي كان يعيشها الّرجل، حيث اعتبرت أفكاره بمثابة الّدراسة الحقيقية لما كان يعيش الّرجل في حياته، حيث أنّ" كامي" الّذي بدأ كتابه الأولى عن القبائل وسكانها الّذين عاشوا الاضطهاد والتشرّد والمرارة، فكانت كتاباته لوحة فنية مصوّرة الواقع الّذي عاشه هذا الأخير، هو ذا الّتاريخ الّذي كان له أن يولد لنا فيلسوف بحجم ألبير كامي والذي جمع في حياته بين الكاتب والّروائي والمسرحي، وبين المفكر والفيلسوف، وبين رجل الّسياسة والمجتمع والأخلاق، حيث ساهم خلال الحرب الأخيرة في المقاومة الّسرية للاحتلال الألماني مساهمة فعّالة ووقف في العديد من القضايا الّدولية والمحلية(∗)، موقف الّشجاع المتجرئ على اتخاذ القرار وحل محلّه للعقلانية الّتي قامت عليها الإنسانية، وهذه الّتي قامت على نورانيات العقل الخادم للّطبيعة الإنسانية وما تقتضيه من حقوق، فانظم "كامي" بنفسه إلى صفوف الضحايا والمعذبين والمحتقرين، فكانت فلسفته خطوة نحو استئصال الّداء الذي أصاب الإنسانية جمعاء آنذاك. وبذلك كانت فلسفة كامي مصوّرة لما كان يعيش من "تراجيديا" في حياته خاصة ويعايش من "الديالكتيك الإنساني في فلسفة ألبير كامي. إن الّدراسات الّتي قام بها "كامي" تصب في بوتقة فكرية واحدة والذي قد لا ينفى عنه إنمّا هي الّنسقية الّتي احتوتها فلسفته وأفكاره، والقارئ لفكره يكتشف بأن كل عمل من أعماله الجديدة إلا وله صلة وثيقة بما قد سبقه من أعمال، فلا "الغريب" يناقض "الوباء ولا "أسطورة سيزيف" تتعارض مع "المتمرّد"، فلا فلسفة المحال تكون فلسفة مقفلة مستقلة عن نفسها، ولا فلسفة الّتمرّد تنفيها وتبطلها، وإنهما لكل واحد في وحدة ديالكتيكية متشابه, فكانت فلسفته تجمع بين الّطرفين المتقابلين في شكل وحدة متكاملة واحدة، لا يختل فيها ركن عن باقي الأركان الفكرية الأخرى، و لملاحظ في فكر "ألبير كامي" أنّه أخذ لونا من اتساع الأفق أو امتداد المجال فكان فكره متسكعا في كل النواحي وممتدا لكل مجال، ينتقل فيها من "المحال" الى "التمرد" ثم إلى "الّتضامن"، مما سبغ لونا فريدا على شخصية "ألبير كامي" الّتي حملت مزيجا من الأفكار المتنوّعة في شتّى مجالات الحياة بهذا كان ابن بيئته والحامل لهمّ الإنسانية، فكان أكثر إنسانية من بني جيله، لتكون فلسفة تتحول إلى براديغم جديد وأن تلغي البراديغم القديم". أخذت فلسفة "كامي" طابع الإنسانية تارة والّتاريخانية تارة أخرى، ولأنّ هذا الأخير كان حاملا لآلام العصر على عاتقه وبينّ أن الّتاريخ حقيقة لا سبيل لإنكارها، لها من الواقعية والأهمية لعناصر الّطبيعة، هي حقيقة قاسية مريرة صعب الخوض فيها، فهي "سعي المستميت الذي يبذله الّناس لكي يجعلوا أحلامهم الّشفافة شكلا وصورة", فكان كامي كمن قال "إن لم تستطيع نصرة الحق فلا تصفّق للباطل"، أخذت فلسفته في تقرير مطلب الإنسانية أبعادا جريئة اتسمت بنوع من الجرأة والّتصدي لما هو كائن والّثورة على ما هو موجود ميدانا في الواقع، مما أضفى نوعا من الّصرامة الفلسفية داخل المخيال الكاموي، وهو دفع بالعديد من الكتّاب والباحثين للعودة إليه في البرهنة على أكبر القضايا الإنسانية الّتي عرفها العالم آنذاك وإلى اليوم، حيث كانت تُعالج بنوع من الجرأة والّشجاعة في مواجهة القضايا الفلسفية والّسياسية والاجتماعية، هو الذي نادى بالّسلم وسط وغى الحرب، وعمل على تجسيد "اللا" الّتي مثلت الّتمرّد بكل شجاعة وبساطة، لذلك حاولنا جاهدين في عملنا هذا الوقوف عند أهم المواقف الفلسفية الإنسانية في فكر "ألبير كامي" الذي عاش وعايش مأساة تاريخية هي الحرب العالمية الّثانية، وحتى قسط وافر من الحرب الباردة بين القطبين الّشيوعي والرأسمالي، وشاهد ما يحدث وقتها وما تتناقله الأخبار في المساحة الشاسعة من هذا العالم, فكان "كامي" يحمل صراعات العصر ويتجاوزها بفضل الحماس المتوهّج الذي عاناها بواسطته، وكان حسه "الأخلاق والّشجاعة"، كما قال له سارتر في رسالته الّشهيرة بعد الّنزاع الذي شبّ بينهما. حيث كان يتعلم الّناس منه "الجرأة والحكمة" وألف منه غيره كلمات نبيلة مثل "العدل والحل" والعظمة والنُبل "هي كلمات تخرج من فمه وتسيل من قلمه، ويقدم للبشرية سعادة من نوع جديد، وهو ما نجده في روايته "الوباء" الّتي صدرت سنة 1947 م معبرة عن مأساة العصر وطبعت أحداثه في إطار الأسطورة والّرمز المتحرّر من الّزمن والمكان، فتوالت الّصدمات عليه وأصابه الّسل والمتاعب، فألجأته الى الوحدة الإنسانية الّراقدة في أعماق قلبه، والّتي لم يكن يخرج منها لحظات إلّا ليقفل راجعا إلى جزيرته على حد قوله في مذكراته اليومية الّتي كان يكتبها لعام 1951, وهكذا كان "ألبير كامي" بفلسفته الّتي تعبّر عن حياة صاحبها والمحطات الحياتية الّتي كان يعيشها هذا الأخير. حيث أبان "كامي" عن الهمّ الأنطولوجي الذي كان يراوده كل يوم للأسباب الّتي رأيناها سلفا. فتأتي تجاربه مع الّزمن، والحياة وكذا الّطبيعة فإذا كنا نألف الّطبيعة، فذلك راجع إلى أننا نشاهد صور عاداتنا متحكّمة على سطحها، ولأننا لا نلمسها هي نفسها أولا ولا ندرك مكوّناتها وأغوارها، بل نلمس تصوّراتنا وشهواتنا وحاجاتنا الّتي نسقطها عليها أو نفسها فيها"، وهذا ما يمكن ردُّه إلى جملة الأفكار الّتي لا تلبث طويلا إلى أن تصبح جملة عادات نألفها طبيعيًا، والّتي تبيّن لنا مع مرور الّزمن أنّها غرابة بيّن لنا كامي فيما بعد بأن كل ماهو "لا معقول" في هذا العالم، أعني كل ما يفلت من قبضة العقل الإنساني وما لا نرى عليه مبادئه أنّها حجج فلسفية قديمة، تلك الّتي يلجأ إليها ليكشف عن بطلان العقل وزيف المعرفة مرددًا قوله "أريد أن يتّضح لي كل شيء أو لا شيء" ولو استطعت أن أقول ولو مرّةً واحدة "هذا واضح" لأمكن إنقاذ كل شيء. وهذا ما يدلنا عن استحالة الحياة وبلوغ معناها وهو ما استعصى عليه للوصول إلى امتلاك مبدأ يفسّر من خلاله جميع ظواهرها، وهذا ما جاء كزاوية هامة في فلسفته، محاولا بذلك ضبط العلاقة بين الإنسان كروح وعقل وبين الّطبيعة والعالم الماديين منتقلاً بنا إلى فلسفة "وجودية ديالكتيكية" ونتيجة ما كان يؤلف عنه فكان يوصف "بالحاضر الغائب" ليمنح رأيه في كل موضوع و كان حضوره في أذهان الّناس وفي قلوبهم، حيث كانوا في كل حدث يقابلهم، يسألون "أنفسهم، ترى ما هو رأي كامي في هذه المسألة ؟ ماذا عساه يقول ؟ غير أن كامي لم يقدر له العيش بعد ما جلب أذهان الّناس وفي يوم الاثنين الرابع من يناير 1960 م ليعدّ الناس يومها أكثر من يوم غيره، وهذا دليل حبهم لهذا الفيلسوف العظيم.