بقلم: الشيخ قسول جلول إمام مسجد القدس حيدرة من نعم الله علينا أن شرع لنا الصيام والقيام وجعله مناسبة لمحاسبة النفس ومراجعة الذات فهو شهر القرآن شهر المغفرة، شهر العتق من النار فاستعد للطهارة فاستعد للطاعة، فرمضان طهارة للصائم من الآثام والذنوب فهو ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و سلم فِي اَلْبَحْرِ: {هُوَ اَلطُّهُورُ مَاؤُهُ، اَلْحِلُّ مَيْتَتُهُ}. الحديث رواه الإمام مالك في موطئه، وجه الشبه في طهارة البحر وما فيه من اللألئ والجواهر الثمينة …!!فمن مات قلبه بالمعاصي فرمضان يحييه ومن تلطخ بالآثام فالصيام يطهره !! ها هي الايام والليالي تمر والسنون تتعاقب ومواسم الطاعات تتوالى موسما تلو الآخر لتكون محجة للطائعين وحسرة وندامة على العاصين !! ها هو الشهر قرب على الدخول وما هي إلا أيام وموسم النفحات وسوق الخيرات يهل علينا والسؤال الذي يطرح نفسه الآن من منا استعد لرمضان ؟ من منا وضع خطة لرمضان ؟ وإني لأجد في نفسي حرجا عندما أكتب عن الاستعداد لرمضان قبيل دخول الشهر وإلا فمن الأجدر بنا والاولى ان تكون استعداداتنا قبله بشهور كما كان استعداد الصحابة رضوان الله عليهم إذا كان أهل المشاريع يستعدون أياما وشهورا لبناء بيوتهم ومصانعهم في الدنيا ووضعوا الخطط لإنجاز مساكنهم ومشارعهم الدنيوية !! فما خطتك أنت لبناء بيتك ومسكنك في جنات رب العالمين. وجرت العادة أن يميز الشيء بأفضل ما فيه فما بالك إن كان الله هو الذي ميزه وميزه بالصيام والقرآن .. ثم نميزه نحن بأشياء لا تليق بالصيام وهي معروفة كتبتها في مقال سابق تحت عنوان أهكذا نستقبل رمضان ؟!!! إذا كان الأمر كذلك والحال هكذا فلابد للمرء من وقفات يقفها مع نفسه تكون بمثابة قفزة الى الله عز وجل نعود بها الى اسلافنا ونسير بها على دربهم وخطاهم. إن كنت ترجو أن تصيب رمية …. فاثقف سهامك قبل ان ترميها * وقفة … أخي المبارك قف الآن مع نفسك وقفة صادقة وسل نفسك كم من أناس كانوا معنا في رمضان الفائت هم الآن بين التراب ؟ وكم من رمضان مر عليك ما حققت الغاية منه ؟ هل لك هدف في رمضان ؟ فلابد أن ينزعج قلبك لروعة الانتباه بقدوم الشهر من رقدتك وغفلتك ولتكن يقظتك ذات أثر ملموس لا كالموعظة التي تسمع في مجالس العلم ثم يزول اثرها بعد انتهاء المجلس قال بن الجوزي رحمه الله تعالى " قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة فاذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة ! ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفة من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها لسببين: أحدهما: أن المواعظ كالسياط والسياط لا تؤلم بعد انقضائها ألمها وقت وقوعها. والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الانسان فيها مُزاح العلة قد نخلى بجسمه وفكره عن اسباب الدنيا وانصت بحضور قلبه فاذا عاد الى الشواغل اجتذبته بآفاتها وكيف يصح أن يكون كما كان ؟! فمنهم من يعزم بلا تردد ويمضي بلا التفات فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا كما قال حنظلة عن نفسه "نافق حنظلة " ومنهم أقوام يميل بهم الطبع الى الغفلة أحيانا ويدعوهم ما تقدم من المواعظ الى العمل احيانا فهم كالسنبلة تميلها الرياح ! وأقوام لا يؤثر فيهم الا بمقدار سماعه للماء يسيل. * المحاسبة قال الله عز وجل في وصف المتقين "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله" وقال "ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون"، وقال الفاروق عمر رضي الله عنه "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل" قال أبو حامد الغزالي رحمه الله "فعرف أرباب البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد وانهم سيناقشون في الحساب ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات وتحققوا انه لا ينجيهم من هذه الاخطاء الا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في الانفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللحظات فمن حاسب نفسه قبل ان يحاسب في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحسن منقلبه ومآبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته"، وقال الامام الحسن بن علي رضي الله عنه "أقرعوا هذه الانفس فانها طلعة وانها تنازع الى شر غاية وانكم ان تقاربوها لم تبق لكم من أعمالكم شئ فتصبروا وتشددوا فانما هي أيام تعد وانما انتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فلا يجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم" فعليك أخي الفاضل ان تحاسب نفسك محاسبة صادقة وان تلزمها حدها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. * عدم اليأس بعد أن حاسبت نفسك الآن فأنت واحد من اثنين، إما عاص مسرف او طائع زاهد وإما شاكر راض او منكر جاحد اما يائس قانط أو آمل راشد، فالأولى لك أخي العاصي :: لا تياس :: واعلم ان باب التوبة مفتوح وتامل معي كتاب ربي جل جلاله فبعد أن تكلم عن القاتل واورد له خمس عقوبات غلاظ فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (93). النساء "قال في سورة الفرقان". (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69 قال إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) الفرقان وأيضا بعد ان ذكر سبحانه المنافقين وجزاءهم فقال "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145" قال "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)" الآية. وبعد ان تكلم ايضا عن المفسدين في الارض فقال "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33" قال "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)" المائدة، وهو الذي قال سبحانه "يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم" رواه مسلم 6474 … " لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)" النمل. والثانية لك أخي الطائع يامن اديت حق ربك :: لا تغتر :: واحذر أن يقع الغرور في قلبك والعجب في عملك فيصير هباء منثورا فكم من أعمال ضاع ثوابها بسبب عجب خالط القلب أو رياء خالط العمل، واعلم أن التوفيق بيد الله بل هو سبحانه وتعالى غني عنك وعن عبادتك وأنك لن تطيعه الا بفضله ولن تحجم عن معصيته الا بمنه وحوله اسال الله الثبات في زمن الفتن .. ثبت نفسك بكثرة الدعاء .. كان من دعائه صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ولك في قصة برصيص العابد عبرة وعظة. التخلي ثم التحلي والتخلي هو تخلية النفس من عقباتها وعثراتها وتطهيرها من كل ما يعوق الطريق إلى الله عز وجل والعقبات في الطريق إلى الله عز وجل جمعها بن القيم رحمه الله في قوله "ولكي يصل المرء الى مطلوبه لا بد له من هجر العوائد وازالة العوائق وقطع العلائق" فهي ثلاث: العوائد وهي اعتياد الناس لفعل اشياء معينة فزادت عن حدها مثل كثرة النوم وفضول الكلام وفضول الاستماع والواجب على الانسان قبل رمضان ان يهجر هذه العوائد العلائق التي تعلق القلب بها وهي حب القلب لأشياء دون الله ورسوله، والله عز وجل يقول "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم …………." الآية، فالواجب على الإنسان قطع هذه العلائق من قلبه وان يقدم حب الله على كل حب. العوائق التي تعوق الطريق وهي شرك وعلاجه تجريد النفس للتوحيد وبدعة وعلاجها تحقيق السنة وتجريد النفس للمتابعة ومعصية وعلاجها التوبة النصوح فواجب على الانسان ان يهجر العوائد ويزيل العوائق ويقطع العلائق وأود أن أركز جيدا على هذه الثلاث فهي الأهم. التوبة الصادقة: واجب على المرء أن يتوب توبة صادقة لله عز وجل من كل الذنوب صغيرها وكبيرها فالتوبة العلاج الحقيقي للذنوب والمعاصي قال الله عز وجل: (( وتوبوا الى الله جميعا ايه المؤمنون لعلكم تفلحون" (31) النور. وللتوبة شروط أجمعها لك فيما يلي لعل الله ان ينفعني واياك بها الاخلاص: فالله عز وجل لا يقبل من الاعمال الا ما كان خالصا له وحده ليس لاحد معه شئ. الإقلاع عن الذنب .. ويحتاج منك الى جهد جهيد وقرار شجاع فمجرد علمك بتحريم الذنب وجب عليك الاقلاع عنه من قورك فهاهم الصحابة رضوان الله عليهم لما نزلت آية تحريم الخمر اذ بهم يسكبوها من افواههم حتى صارت شوارع المدينة انهارا من خمور الندم على ما فات .. وهذا يحتاج منك الى عزيمة قوية وان تعمل الاعمال الصالحة النافعة عوضا عن ما فات من ذنوب وآثام. رد المظالم لأهلها فان كانت لله فتب وارجع واعلم انه يفرح بتوبتك سبحانه وتعالى وان كانت لعبد فرد الحقوق لاهلها. العزم على عدم العودة الى الذنب مرة أخرى وبذل الجهد في ذلك والاستعانة بالله على هذا الأمر واحسان الظن بالله تبارك وتعالى مع صدق النية معه. أن تكون التوبة في زمن تقبل فيه التوبة قبل الغرغرة قبل أن يأتيك ملك الموت فلا تسوف ولا تؤجل بادر واسرع فلا يعلم المرء ما يكون غدا أو حتى بعد دقائق فاحذر ان ياتي عليك يوم تقول فيه "رب لولا أخرتني إلى أجل قريب" وعندها لا ينفع الأمل ولا تنفع الأمنيات فتقول يا ليتني وعندها لن تجد لك فئة تنصرك من دون الله. رزقني الله واياكم التوبة الصالحة النافعة العازمة النادمة الشاملة الكاملة الصادقة الخالصة انه ولي ذلك ومولاه، وبعد التخلي عليك بتحلية الطريق بالاعمال الصالحة فضع خطة لرمضان واستعد من الان بالصلاة والصيام وقراءة القران وأعمال البر والإحسان حتى تستقبل رمضان نقيا من العقبات والعثرات وتحقق الغاية المرجوة من الصوم وهي التقوى كما قال الله "يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".