يعد مسجد سيدي أمحمد بن داود، حسب الكثير من الروايات، من أقدم المساجد في منطقة زمورة على الإطلاق، ويقال إنه أسس في القرن السابع الهجري، في منتصف العهد الحمادي. يتكون المسجد من قاعة للصلاة مستطيلة الشكل بسقف هرمي، متكون من الطالع "العوارض الثانوية "و"العوارض الرئيسية" من خشب الزان، والتي تسمى "القنطاس"، إضافة إلى ساريتين دائريتين تحملان الهرم الحجري الذي يحمل بدوره السقف، وهو مسقف بالقرميد العربي الشرطيوي، أما السحن فيقع في مدخله الأمامي مزين بست نوافذ ذات أقواس مريسكية أندلسية، وسواري دائرية، وهو عادة مخصص لتعليم القرآن، بينما أضيفت حديثا معمرة في الجهة الشمالية، هي اليوم مدرسة قرآنية. لكن للأسف الشديد فلقد أدخلت عليه تعديلات قبل ربما عقدين من الزمن من الداخل، فاستبدل "القنطاس" بالخشب المسطح، وأضيفت مربعات الزليج إلى المحراب، ومربعات الفسيفياء العصرية إلى السواري، وكذا مربعات القرانيطو إلى الأرضية أفقدته رونقه وجماله وطابعه المعماري المحلي، فكانت بمثابة الضربة الموجعة لهذا الصرح العظيم.
مؤسس المسجد: يقال إن هذا المسجد بناه الولي الصالح سيدي أمحمد بن داود الشريف الحسني، بعد رحلة طويلة قادته من تلمسان إلى زمورة مهوى الأفئدة، شأنه شأن باقي الصلحاء الذين استقرو بالمنطقة، على غرار سيدي عبد الرحمان بن أبي شيبة، وسيدي أبالقاسم البوشيبي، وسيدي على بن أبي زيد، وسيدي أحمد بن الطاهر الأغواطي، حيث حط رحاله رفقة أسرته واستقر بالمكان الذي يعرف اليوم بأولاد داود، ولم يكن الاختيار صدفة بل هو شأن أغلب الصلحاء وأولياء الله الذين يختارون الأماكن البعيدة عن السكان حتى يتسنى لهم الخلوة في التعبد والابتعاد عن زخارف الدنيا، ويقال أنه أول من رفع الأذان وصلى فيه بالناس، ويعتبر سيدي أمحمد بن داود الجد الأكبر للعائلة.
زلزال عام 1755 م:
يعتبر هذا الزلزال الذيكان مركزه مدينة المسيلة، من أقوى الزلازل في العهد العثماني، حيث وصل تأثيره إلى زمورة وانهار مسجد أولاد داود عن آخره، وتصدعت أغلب معالمه، فقام سكان المنطقة بإعادة بنائه مرة أخرى لكنه لم يصمد بعد مرور 172 سنة على تشييده، وفي عام 1927 م انهارت القاعة المزينة بالأقواس عن آخرها ولم تبقى إلا القاعة الجنوبية المستطيلة الشكل، وفي هذه الأثناء تولى الإشراف على بنائه مرة أخرى الشيخ الجليل والإمام الخطيب سيدي عبد القادر بن داود، رحمة الله عليه، وقد حافظ المسجد على شكله إلى يومنا هذا عامرا بالمصلين ترتاده قوافل من الشبان والناشئة لحفظ القرآن الكريم، ومختلف العلوم الشرعية.
الأئمة الذين تعاقبوا على التدريس في المسجد: تعاقب على الإمامة والتدريس في المسجد سلسلة من علماء عائلة آل داوود، ومن بينهم : 1 سيدي محمد بن داود 2 سيدي محمد الابن 3 سيدي أحمد الزيتوني 4 سيدي لخضر 5 سيدي المحفوظ 6 سيدي بولنوار 7 سيدي السعيد الأزهري القاضي 8 الحاج محمد 9 سيدي محمد السعدي 10 الشيخ عبد القادر 11 الشيخ عمر بن داود 12 الشيخ محمد بن داود
وهذا الأخير أي الشيخ محمد بن داود، عين إماما خطيبا بالمسجد سنة 1963م، وبقي فيه إماما مدرسا إلى أن وافته المنية، وانتقل الى جوار ربه عام 1974م.
وتبقى الرسالة مستمرة: لازال مسجد سيدي أمحمد بن داود إلى حدكتابة هذه السطور يؤدي رسالتهكاملة في تعليم القرآن الكريم ومختلف العلوم الشرعية للناشئة والشباب، ولا يزال عامرا بعمار المساجد، يتداول عليه الأئمة لضمان إقامة صلاة الجمعة والأعياد، ولا يزال الأستاذ الجليل سي جمال بلحاج يؤدي رسالته التعليمية بكل حب وتفاني وإخلاص على خطى سيدي أمحمد بن داود وسيدي عبد القادر بن داود الحفيد … "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله "
تصنيفه ضمن المساجد الأثرية العتيقة في الجزائر : مؤخرا، صنف المسجد ضمن المساجد الأثرية في الجزائر، وبهذه المناسبة نهنيء أهلنا وأحبائنا في كل ربوع زمورة العزيزة، ونخص بالذكر أهلنا في أولاد داود وذراع حليمة ورأس الكاف والقرابة، وهذا التصنيف إن دل على شيء إنما يدل على عراقة وأصالة المنطقة، وإنه لشرف لكل ربوع زمورة، من مشارف أولاد رابح شرقا إلى جبل بوخميس غربا، ومن مرتفعات القرت شمالا إلى باب الخريزة جنوبا.