"وحش الشاشة"،"الدّرزي" صاحب الصوت الجهوري، هي صفات وأسماء أطلقها الجمهور والنّقاد على النجم محمد عجايمي، الفنان الشامل الذّي حفر اسمه في الدراما التلفزيونية، الشاعر الذي ألف قرابة ال200 أغنية، والممثل الذي ألهب المسارح العربية والأوروبية بأوبيرات "حيزيّة"و"قال الشهيد"، أعماله خالدة تتوالى منذ مطلع السبعينات، ولا يزال طريق النجومية معبدا أمامه، وفي هذا اللقاء الذي جمعنا به، كشف عجايمي عن جوانب خفية من حياته الفنية والأسرية وعن طرائف تقرؤونها لأول مرة عبر "الحوار". * عند ذكر اسم محمد عجايمي يتبادر إلى الأذهان الصوت الجهوري، اللغة العربية السليمة والكاريزما، إلى أي مدى أسهمت هذه المقومات في صنع نجوميتك ؟ – أولا، أشكركم على الاستضافة في "الحوار" التي تحمل الكثير من الرسائل السياسيّة، الثقافية والتاريخية، وأفضل أن أبدأ من خطواتي الأولى، أنا من مواليد سنة 1945 بحي القصبة العتيق، الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط، كما يطلقون عليه "الكازابا" ويقصد به باللغة الإسبانية البيوت المنخفضة، حيث ضريح سيدي ابراهيم وضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، التحقت بالكتاتيب القرآنية منذ سن الرّابعة، حيث كان المرحوم والدي محافظا ومتديّنا، وقد صقل القرآن الكريم لغتي ومخارج حروفي، ثم زاولت دراستي في مدرسة الشبيبة الإسلامية التي كانت تشرف عليها جمعية العلماء المسلمين، وشهادتي الابتدائية ممضية من طرف الشيخ العلامة الطيب العقبي رحمه الله، وهذا ما نمى عشق اللغة العربية لديّ، بالإضافة إلى الدروس التي تلقيناها كطلبة في معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان من عند أساتذة كبار عرب أجلاء، أذكر من بينهم مرسي صلاح الدين المصري، عبد الحميد مشعل، سعد أردش والكبير كرم مطاوع، تخرجت بعدها من الجامعة، ثم من مدرسة المعلمين ببوزريعة وزاولت مهنة التعليم من 64 إلى 69، في هذا العام أجريت مسابقة في الإذاعة والتلفزيون لاختيار ممثلين ليكونوا مع فطاحل الممثلين آنذاك، وكنت من الأوائل من بين 4 آلاف متسابق، وعملت في المسرح الإذاعي وهو ميدان صعب، لأنه يترك المستمع يعيش الدور وكأنه يراه، وبعدها خطوت خطواتي الأولى في التلفزيون. أعشق الأناقة منذ صغري، وأتذكر جيدا حينما كنت صغيرا بحي بوزريعة الذي نقطنه إلى اليوم، كانت تغطيه الأوحال، بينما كنت لا أرضى أن يتلطخ حذائي"سونيباك" بالطّين، فكنت أقوم بوضع كيس بلاستيك لمنع اتساخه، وأخفيه في الغابة حتى ألبسه في اليوم الموالي.
* من مسلسل"زينة" إلى"كيد الزمن"،"الوصية"و"البذرة"إلى "حب في قفص الاتهام"،..هل ترى بأن الدراما التلفزيونية ارتقت إلى المستوى المطلوب؟ – لا يمكن أن ننكر بأن الدراما الجزائرية خطت خطوات معتبرة، فمسلسل زينة الذي صورناه ما بين 69 و70، مع المخرج بشير بلحاج، كان أول مسلسل مغاربي نفتخر به، واليوم لدينا وجوه موهوبة نعول عليها في المجال.
* ألا ترى بأن مشكل اللهجة العامية يشكل عائقا أمام تألق الدّراما الجزائرية ؟ – أقولها في كل مرة، نحن نفتقد لحوار سينمائي مقنع للجمهور، لهجتنا العامية كانت مهذبة، لكنها تعرضت للأسف إلى دمج لكلمات هجينة قضت على أصالتها، وأنا شخصيا أقولها دائما أثناء التصوير، على سبيل المثال، عوض أن نقول "برك ما تبوجي"، بإمكاننا القول ببساطة "برك ما تتحرك"، اللهجة العاصميّة القديمة في القصبة كانت مهذبة وقريبة إلى الفصحى، والمطلوب اليوم هو تبني لغة سينمائية مفهومة بعيدة عن الكلمات الهجينة والهابطة، وهذا لن يتأتى سوى على يد مختصين، أنا شخصيا لديّ أمل في تغير الوضع إلى الأحسن.
* لاحظنا خلال السنوات الأخيرة لجوء بعض المخرجين إلى دمج مختلف اللّهجات المحليّة في أسرة واحدة؟ هل يتقبل الجمهور مثل هذه النقائص برأيك؟ – الجمهور الجزائري لماّح، وهذا المشكل راجع إلى توزيع الأدوار، عندنا ممثلون من قسنطينة وآخرون من عنابة ووهران والعاصمة، جمهورنا لايغيب عنه شيء كهذا، وأنا أدعو في كل مناسبة إلى تبني لهجة جزائرية مهذبة تجمع ال40 مليون جزائري الذين يتفرجون على التلفزيون.
*هل يقف مشكل اللهجة عائقا أمام تصدير الدراما المحلية إلى الخارج برأيك؟ – لا، أنا أقول بأننا نفتقر إلى موزّعين، مثلا مسلسل "اللاعب" الذي قمت ببطولته من إخراج جمال فزاز وبعض المسلسلات مع عمار تريبيش الظريف، ومع بشير سلامي قدمناه بلغة سلسة ومفهومة ولو وجدنا موزعين لعبرت الكثير من مسلسلاتنا الحدود.
* أدوارك التاريخية كانت قيمة على غرار الأعمال المشتركة مع الأشقاء السوريين"عذراء الجبل" و"تمر حنة"..كيف كانت التجربة؟ – فعلا "عذراء الجبل" كان عملا رائعا إلى جانب النجم اللبناني محمود سعيد وسامي المصري والمخرج سامي جنادي، كان عملا مشتركا بين مخرج وسوري ومنتج جزائري، والعنوان أطلقه وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، كانت تجربة رائدة، وحينما أتذكر تلك اللّمة الجميلة يقشعر بدني, أردنا تخليد سيرة البطلة التاريخية لالا فاطمة نسومر بعمل يتجاوز حدود الوطن وكان لنا ذلك. "تمر حنة" هو الآخر فيلم مشترك، أخرجه فردوس آتاسي، تدور أحداثه في الحقبة الاستعمارية، ويحكي عن وقوف سوريا إلى جانب الجزائر إبان حرب التحرير، حيث يأتي شاب من دمشق إلى القصبة بالعاصمة للتعرف على المناضلة جميلة بوحيرد بعد أن سمع عنها، بينما جسدت أنا دور مسئول من جبهة التحرير، وأرسل وراءه الضيف السوري عيونا لتعقبه، وكما توقعت تحدث "بيعة" وأضطر إلى إرساله إلى الجبل، كان مسلسلا رائعا وعرض في لبنان والأردن وفي دول المشرق العربي ككل، وأستغل الفرصة لأقدم تحياتي لكاتبته المميزة فاطمة وزان.
* هل تلقيت بعدها عروضا للمشاركة في أعمال بالخارج؟ – أكيد، لكنني أخشى الوعود، وقد فضلت دائما تفجير مواهبي في الداخل، أنا أحب كل ما هو محلي وثقافتنا أولى. مؤخرا تلقيت عرضا من طاقم مسلسل من إنتاج مشترك جزائري-إيراني، سامحهم الله، حيث اتصل بي أحدهم للمشاركة في تصوير المسلسل التاريخي "أحمد بن الباي"، وطلب مني أن أقدم سيرتي الذاتية، ما اعتبرته إهانة وانتقاصا من قدري، فاعتذرت. كان بإمكانهم الاستفسار من يكون محمد عجايمي دون أن يطلبوا مني ذلك.
* عرضتم مؤخرا أوبريت"حيزية" و"قال الشهيد"بباريس، ما السرّ وراء خلود هكذا أعمال؟ – مثلنا الجزائر عبر العالم من خلال أوبريت "حيزية" و"قال الشهيد" مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام التي أحيي مديرها لخضر بن تركي، وكنا فعلا سفراء فوق العادة، رحنا للمشرق، وجبنا أوروبا، ومؤخرا عرضنا "حيزية" في مدينة "ليل" الفرنسية، حيث بكى معها الجمهور الجزائري، خاصة عند مقطع "عزوني يا ملاح في رايس البنات سكنت تحت اللحود ناري مقدية، قلبي سافر مع الضامر حيزية"، "رحلت عني قالوا راحت.. البرور بعيدة جباد، حيزية بنيتي ما ماتت مع طيور الجنة علات" وأثناء إلقائي لهذا المقطع بكيت أنا وأبكيت القنصل الجزائري في فرنسا، الذي أحييه عن طريق مجلة "الحوار". كما أشير هنا إلى أن كاتب "حيزية" ينحدر من سيدي خالد من بسكرة، وقد كتبها في الوقت الذي وصلت فيه فرنسا إلى الصحراء الجزائرية، مما يعني أن "حيزية" كناية هي "الجزائر".
* ماهي الذكريات التي تحتفظ بها أثناء عروضك خارج الوطن أيضا؟ – أذكر أننا حينما قدمنا أوبريت "حيزية" في المسرح القومي في القاهرة، صعدت النجمة الكبيرة أمينة رزق للركح، وقالت لي "والله ما كنت دارية أن في الجزائر ممثلين مثل حضرتكم" فأجبتها "أنا الأخير في الجزائر سيدتي، فاحتضنتني".
* أطلق عليك لقب "وحش الشاشة" لارتباط أدوارك بقوة الشخصية والتسلط، أين عجايمي الإنسان من ذلك؟ – أبدا أنا أب وجد حنون، إلى درجة أن إحساسي يجرح لأقل شيء، مؤخرا حدث ذلك مع حفيدتي "ملاك" حيث دخلت إلى غرفتي، وقلبتها رأسا على عقب، واستولت على آلة التحكم عن بعد" تيلي كوموند"، فقلت لها "يا ملاك أعطيني إياها"، فأجابتني "أنت لا تعرف، أنا أعرف". فكتبت لها في الحال" عمري ما ظنيت تجرحي إحساسي وبلا سبة تستغناي عليّ، ماظنيت نجني منك المآسي وتغيري رأيك بسهولة فيّ أنا ما نعاندكش معليش نقاسي ولو نتوجع، غالية في عينيّ".
*- تعرّضت لمواقف طريفة مع الجمهور بسبب أدوارك، هلا ذكرت لنا بعضها؟ – أحد هذه المواقف الطريفة حدث مع والدي أثناء عرض المسلسل الديني "الهجرة" للمخرج حازورلي، حيث قمت بدور أبو جهل، وكنت جالسا أتفرج عليه أمام التلفزيون مع المرحوم والدي، وحينما لمحني قادما على الفرس قائلا "يا معشر السادة من قريش، والله إن لم تقطعوا طريق يثرب على محمد اليوم، فإنه يعود لكم في الغد ليقتلع جذوركم من مكّة" فإذا بوالدي يرمقني بنظرة غضب واستياء" قلت له ماذا؟ قال لي"يلعن والديك، ألم تجد دورا غير دور أبو جهل" لو أنّك مت ساعتها، كنت ستموت وأنت أبو جهل، قم من جانبي..قم. كما حصل لي موقف لا أنساه مع عجوز من منطقة القبائل بسبب مسلسل "كيد الزّمن" حيث نهرتني باللهجة القبايلية، قائلة لماذا ضربت البنت البارحة، قلت لها أبدا كنت ألعب معها، قالت لي كيف كنت تلعب معها وأنا رأيك بعيني تحرقها يلعن والديك "ثم ضربتني بحقيبة يدها على وجهي". أما في مسلسل صابرة، الذي قدمته مع الممثلة بهية راشدي وكنت أهينها لأنها لم تنجب، فجاءني شيخ ريفي، وقال لي"لو أن البارود يخترق شاشة التلفزيون ليدخل إلى صدرك، لكنت أطلقت النار عليك". وأذكر أنني كتبت كلمات أغنية الجينيريك "آه منك يا زمان عنيد وأقسى من الحرمان، تمنيت فيك الفرحة مرة، وشفت فيك مرات أحزان ..آه منك يا زمان"وقد غناها عبدو درياسة.
* ماذا عن عجايمي الشاعر ومؤلف الأغاني؟ – ربما يجهل البعض أني ألفت أكثر من 190 أغنية كتبتها لمطربين جزائريين، أكتب الشعر الملحون، والخواطر، هي موهبة ورثتها عن الشيخ والدي.
* ما هو الدور الحلم الذي ينتظره عجايمي؟ -أحلم بأداء دور الشيخ بوزيان وثورة الزعاطشة، وبعض الأدوار الدينية، ولو أنني جسدت الكثير منها في الإذاعة، كمسلسل ابراهيم الخليل عليه السلام، حيث قمت بدور آزر والد سيدنا ابراهيم، رفقة عثمان عريوات الذي قدم دور سيدنا لوط، فكان يقول، قال لوط لأنه لا يستطيع أن يتكلم بصوت النبي. واقترحت أن تكون الموسيقى التصويرية المرافقة للمسلسل موافقة للحقبة التاريخية البعيدة، فقمنا بمزج موسيقى سودانية وموسيقى التوارق وأخرى صينية، مزجناها بشكل ساحر، كان مسلسلا رائعا.
* ما رأيك في قضية تجسيد الأنبياء في المسلسلات،على غرار مسلسل سيدنا يوسف؟ – هو في الواقع كان عملا رائعا، أنا قتلني المسلسل، كنت أشاهده وأنا أبكي، لقد اختاروا الممثل بعناية صغيرا وكبيرا، هو نوع من الاجتهاد وليس هناك نص صريح يحرم التجسيد.
* هل انتقلت موهبتك إلى أولادك؟ – ابني فيصل فنان عنده صوت أغار منه وهو متعدد المواهب، هو متزوج ولديه ولدان ياسين وملاك، لا أدري إن كان تأثر بي، رغم أنه تربى على مسرحياتي في البيت، وحتى بنتي فرح كانت تغني وهي صغيرة "يا فؤادي"، وإلى حد الآن حينما تأتي فرح أغني لها يا فؤادي أذكرها بما كان، وعندي ولد آخر في فرنسا عنده طفلان وبنت أخرى في كندا اسمها أسماء، أحبهم كثيرا وأحب "لمتّهم".
* ما رأيك لو نختم بوضع الفنانين الجزائريين؟ – أستغل الفرصة لأتمنى الشفاء العاجل للفنانة فريدة صابونجي، وأتأسف لانتقادها من طرف البعض عبر فايسبوك، لأنها لم ترض أن يقبلها أحد، هي حرة، أتذكر أنني عملت معها في الإذاعة منذ أكثر من عامين في مسلسل "دار أم هاني"، دخلت عليها يوما فوجدتها تبكي، سألتها ماذا يبكيها؟ فشكت لي المخرجة التّي غيرت لها الدور في آخر لحظة بعد أن قضت الليل تحفظه، فذهبت للمخرجة طالبا منها أن تعيد لها الدور الذي حفظته. للأسف فنانونا يموتون في صمت، توفي رماس وعبد الكريم حطاب ولم يذكرهم أحد، بينما يكرم الأجانب. وفي الأخير، أحيي مديري الإذاعة والتلفزيون الجزائري لوناكال شعبان وتوفيق خلادي، وأدعوهما إلى تذكري في الأعمال المقبلة. حاورته: سامية حميش تصوير: مصعب رويبي