كانت مفاجأتي كبيرة وأنا التي لم أركب حافلة مؤسسة النقل الحضري للعاصمة '' الأرستيا '' منذ سنوات ، بحيث اندهشت وأنا أستقل في أحد أيام الأسبوع ، حافلة رقم 33للخط الرابط بين بئر مراد رايس وبين ساحة موريس أودان ، بأن الأغلبية الساحقة من الركاب كانت من الجنس اللطيف ولم يكن عدد الرجال يتعدى أصابع اليدين . وما لفت اهتمامي أكثر أن التوقيت كان مبكرا جدا وبالكاد بدأت خيوط النهار تظهر في الأفق ، وهو ما يعني أن الراكبات لم يكن وجودهن من أجل النزهة وتغيير الجو، بل قصد الذهاب إلى العمل ، وهي ظاهرة تعكس لوحدها درجة التغير الذي تعيشه الجزائر . وبعودة إلى سنين ليست بالبعيدة كانت حافلة '' الأرستيا '' في مثل هذا التوقيت المبكر لا تجد وسط ركابها في أحسن الأحوال سوى امرأتين أو ثلاثة في العقد الخامس من العمر على أقصى تقدير، يرتدين اللحاف الأبيض وهو ما لا يحتاج إلى اجتهاد كبير لمعرفة أنهن عاملات نظافة في إحدى المؤسسات الاقتصادية أو الإدارية ، في حين أن السواد الأعظم من الركاب هم من الرجال المتوجهين إلى أماكن عملهم المختلفة . هذه الظاهرة قد لا يلتفت إليها الكثيرون، وقد لا تثير الاهتمام لدى عامة الناس، لكنه أمر في غاية الأهمية يغني عن ألف حجة وبرهان على أن الجزائر تغيرت كثيرا في السنوات الأخيرة وبشكل عميق ، وهو الأمر الذي جعل رئيس الجمهورية يأخذ هذه التطورات بعين الاعتبار في التعديل الدستوري من خلال دعوته لضرورة ترقية تواجد المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية وتكريس حضورها في تسيير مؤسسات الدولة. لقد تجاوزت الجزائر تلك الأحاديث المغرضة التي كانت تسعى لتغييب دور المرأة في المجتمع، أو تلك التي كانت تنظر إليها على أنها آلة ''تفريخ '' وفقط ، أو تلك التي كانت تثير مسألة العنصرية بين الجنسين عند الحديث عن موضوع التوظيف . لم تعد الجزائر لا هذه ولا تلك بل جزائر فرضت فيها المرأة حضورها وتواجدها، ليس كمجاملة أو منة أو صدقة من أحد، وإنما كضرورة لا يستقيم حال البلد بدونها، لأنها تمثل نصف المجتمع، ولم يكن الذي قال مقولة أن '' الدنيا ملك لمن يستيقظ باكرا '' مجانبا للحقيقة ، لأن الجزائر لن تكون ملكا سوى لمن ينهض باكرا .