حاورته: نصيرة سيد علي تعرض الخبير الاقتصادي ومدير دار المقاولاتية بجامعة المدية، الدكتور عمر هارون بالشرح المفصل في لقائه مع ” الحوار” الجدوى الاقتصادي للمقاولاتية، ودورها الريادي، كما تطرق المتحدث ذاته إلى عديد القضايا التي تهم الشباب المقاول.
ما تقييمك ل قانون الصفقات العمومية ؟ وهل ترون بأن القانون الحالي للصفقات العمومية يسهم في دفع الأعمال المقاولاتية لتحقيق نسبة اندماج مقبولة في النسيج الصناعي والاقتصادي الوطني ؟ القضية ليست رهينة بقانون الصفقات العمومية، والذي رغم أنه يمكن أن يكون أحسن إلا أن التعديلات الأخيرة التي كانت في 2015 قدمت الكثير من الامتيازات الخيالية للمؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة، على غرار حصر المنافسة بين المؤسسات الجزائرية في حالة التأكد من قدرتها على توفير الخدمة أو المنتوج، كما أن تخصيص 20 بالمائة من المشاريع لصالح المؤسسات الفتية هو الآخر عنصر محفز، لكن الذي يبقى عائقا هو غياب الاجبار على مثل هذه القوانين، مما أدى إلى عدم تطبيقها في العديد من المشاريع والقطاعات وهو ما دفع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حديثة النشأة للإحتجاج في العديد من المرات، والولاية على ما يسمونه بالاقصاء الممنهج، ولعل أكبر مشكل يعترض هذه المؤسسات أن أغلب الأسواق المتاحة مع القطاع العام، وهو الأمر الذي جعل استمرارية الشركات حديثة النشأة مرهون بشكل كبير وأساسي بما تطلقه السلطة من مشاريع، ونحن على أعتاب الشهر الثامن من الحراك فجل المشاريع الجديدة مجمدة والقديمة تسير بوتيرة السلحفاة. كيف تقيّمون سوق المقاولة ووضع المقاولاتية في الجزائر؟ حسب الارقام التي قدمتها مختلف الهيئات الوطنية فإن حجم ما تم انشاءه من مؤسسات في الجزائر خلال السنوات الماضية، لا يتجاوز مليون ونصف المليون مؤسسة، ولا وجود لإحصائيات ولا دراسات حول قدرة هذه المؤسسات على الاستمرارية في الاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات، لأن الأصل في نجاح أي مؤسسة هو أمران يتعلقان بالاستمرارية وتحقيق أرباح، وحسب الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب تؤكد أن حوالي 60 بالمائة من الشباب يعيد قروضه بشكل عادي، لكن المشكلة أن أغلب هؤلاء الشباب غير المهنة والبعض الآخر باع التجهيزات التي تحصل عليها، وهو الآن يقوم برد القرض الذي تحصل عليه من أجل فك الارتباط والتخلص من عبئه، ومنه فإن عدد المؤسسات التي أنشئت، أغلبها خرج من النسيج الاقتصادي، والبعض الآخر لا يمكن أن نسميه أصلا بمؤسسة أو استثمار خاصة تلك المتعلقة بحافلات وشاحنات وخزانات النقل لأن أغلبها توقف عن العمل بعد اهتلاك معداته، كما لا يجب أن نطلق كلمة مقاولاتية على كل المشاريع. المعلوم أن “فكرة المقاولاتية” مرتبطة جوهريا بالإبداع، لكن مع التراجع المريع في شعب الهندسة بالجزائر، فكيف يمكننا بناء سلسلة القيمة في سوق المقاولاتية القائمة على الإبداع والتطوير التكنولوجي وليس على ممارسات المناولة السائدة ؟ لم يتحدث القانون الجزائري، لا عن المقاولاتية ولا المقاولات تماما، ولا عن الشركات الناشئة أو ما يعرف ب” start up” وكل ما يتحدث عنه هو المؤسسة المصغرة، التي تحدد وفق عدد العمال رأس المال ورقم الأعمال، وأصبحت كلمة مقاولاتية مثلا تطلق على كل مؤسسة مهما كان نوعها او شكلها، لكن الحقيقة أن المقاولات جاءت لتغطي فجوة جلبتها الثورة التكنولوجية التي دخل فيها العالم منذ تسعينيات القرن الماضي، الذي حمل معه الأنترنت، وحتى نكون منصفين فإن مصطلح المقاولاتية تطور بشكل متواتر ففي البداية كان يعتبر كل عمل يدر دخل هو مقاولة، حتى وصف السارق أنه مقاول لأنه يبذل جهد ويتحصل على عائد، بعدها أصبحت المقاولة تطلق على المشاريع ذات الطابع الابداعي، وهذا التوجه كان السبب الرئيسي فيه هو وصول الاقتصاديات العالمية لحالة تشبع من السلع والخدمات التقلدية، وهو ما أجبر الشركات على الاستثمار في أفكار الشباب والبحث عن تمويلها، مع ما تحمله العملية من مخاطرة، لكن وجد كبار المستثمرين أن فكرة واحدة قادرة على تغطية خسائر لمئات الأفكار الفاشلة، ومنه أًصبحت كل مقاولة تحقق أرقاما خيالية وسرعة تطوير كبيرة تعتبر شركة ناشئة على غرار ما حصل مع “أمازون” و”فايس بوك “وغيرها من الشركات التي تحتل اليوم صدارت الشركات العالمية بأرقام أعمال خيالية وصلت إلى 300 مليار دولار، ومنه فإن الرغبة في ولوج عالم المؤسسات الناشئة والمقاولات كما هو الحال في الدول الغربية يحتاج إلى منظومة متكاملة لمرافقة ومساعدة الراغبين في العمل بهذا المجال، وأول ما يجب أن يكون أرضية دفع الكتروني متطورة وتدفق أنترنت محترم مع تطوير المشاتل وحاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال مع توفير رأس مال مخاطر، دون أغفال توجيه الأفكار لتكون قادرة على اختراق الأسواق العالمية ليكون تطورها أسرع وأكثر فعالية . المؤسسة المقاولة» في الجزائر تقوم 90% منها على طابع المؤسسة العائلية، فما هي الإجراءات التي تتصورونها وبإمكانها نقل المقاولاتية و«المؤسسة المقاولة» في الجزائر من الطابع العائلي إلى “نمط المؤسسة” القائمة على الشراكة والمساهمة و «تجسيد الشخصية المعنوية» المستقلة عن المالك ؟ هذا الأمر عادي وطبيعي لأن أغلب المؤسسات الموجودة في الجزائر تكون مبادرة فردية، وحين يموت مؤسسة الشركة تتحول أغلب هذه المؤسسات إلى شركة تضامن لتوافق نمط هذه الشركة مع طبيعة كثرت الورثة، ولكن كثرت هذا النوع من الشركات يؤكد غياب ثقافة انشاء المؤسسات في الجزائر، ولعل أهم نمط كان قادر على تطوير الاقتصاد الوطني هو شركات المساهمة التي عادة ما تكون القائدة لقطار التنمية في أي بلد، وهو ما يغيب عن الجزائر فعدد الشركات المدرجة في البورصة مخجل فهي لا تتعدى ال5 مؤسسات، بل أن طرح الأسهم في وقت سابق جعل مؤسسة كرياض سطيف تعلن إفلاسها نظرا لانخفاض القيمة السوقية لأسهمها أقل من القيمة الاسمية للسهم، وهو ما يجعل البورصة الجزائرية واحدة من أسوأ البورصات في العالم حالها حال المنظومة البنكية الجزائرية التي لا تزال مجرد خزائن لحفظ الأموال وهي وظيفة ثانوية في الأنظمة البنكية الحديثة التي أصبحت فيها المعاملات الرقمية أساس الحياة المالية، وهو ما يبقى غائب عن الجزائر . كيف يمكن الاستثمار في في وسط الشباب الجامعي لبناء ثقافة المقاولاتية ؟ المشكل الكبير في الجزائر هو تصور البعض أن الثلاث أو الخمس سنوات التي يقضيها الشاب في الجامعة قادرة على تغيير نظرته لإنشاء المؤسسة أو المقاولة، رغم أن هذا الشاب تكون في منظومة تربوية لم تتحدث له يوما على أهمية إنشاء مؤسسته، بل ان المنظومة التعليمية تخرج لنا شباب يتصور ان لا حل له في الحياة إلا أن يكون موظفا، وأن الوظيفة هي الضامن الوحيد لمستقبله، وبعد دخوله إلى الجامعة تحاول دور المقاولاتية أن تقدم للطالب تكوينات وتوجيهات ونصائح لكن التركيبة النفسية التي تكون قد تكونت لديه تجعله يرى الذهاب لإنشاء المشاريع انتحار، فكيف يكون حاله إذا أضفت له ما يتداول بين أغلبية الجزائريين من كون أن أغلب من تقدم لهيئات الدعم التي وفرتها الدولة لم ينجح في إتمام مشروعه، سواء للصعوبات التقنية التي واجهها أو حتى بسبب تعارض هذه القروض والقناعات الدينية للعديد من الجزائريين، وهو الأمر الذي لا يزال يؤرق الكثير من الشباب خاصة أن هيئات الكبرى للافتاء لم تفصل في القضية بفتاوي واضحة وصريحة تزيل اللبس . ما رأيك في المبادرة الاجراءات التي أقرتها الحكومة بخصوص انشاء الشركات الناشئة والمناطق التكنولوجية ؟ يتصور السياسي أن إنشاء مؤسسة ناشئة هو قرار سياسي يتخذ ويتطلب توفير محل أسفل عمارة، لكن الواقع مخالف تماما لما لا يفهمه السياسيون الجزائريون، فالمؤسسات الناشئة تنتج عن أفكار مجنونة قد لا يتقبلها العديد من الناس في بدايتها لكنها تتحول مع الوقت إلى ضرورة وحتمية، لا يمكن الفكاك منها، على غرار التسوق عن طريق الانترنت في بدايته، ثم المعاملات النقدية الرقمية، أو شركات النقل التي تقدم خدماتها عن طريق تطبيقات رقمية، أو مواقع التواصل الاجتماعي، كل هذه الأفكار التي تحولت مع الوقت إلى أكثر المؤسسات العالمية نجاحا كان في البداية عبارة عن أفكار مجنونة مرت بمجموعة من المراحل ووفق منهجية عمل دقيقة جعلتها تتحول إلى ما هي عليه الآن، ومنه وفي ظل غياب بوادر لتطوير منظومة الدفع النقدي الالكتروني فلا مجال للحديث عن الشركات الناشئة، وكان الأجدر بالحكومة أن تولي هذا الأمر للجامعات من خلال خلق مسرعات أعمال على مستواها، تعمل بالشركات مع دور المقاولاتية التي تعتبر بشكل أو بآخر بمثابة الحاضنات مع منح هذه المسرعات دور المقاولاتية لميزانية خاصة تمكنها من العمل على أفكار الطلبة وتطويرها للخروج سنويا بمجموعة من المقاولات القادرة على التحول إلى شركات ناشئة تستمر بعضها سنة أو سنتين وقد تنتج لنا فايس بوك جديد أو أمازون جديدة وهي مؤسسات قادرة على تعويض مداخيل سونطراك بسهولة، لكن غياب الرؤية وتحول هذا الموضوع إلى ورقة سياسية جعلنا أمام اقتصاد نحوي يبحث عن المصطلحات من أجل البهرجة وصناعة الشو الاعلامي .
الميزان التجاري سجل عجزا يفوق 3 مليار دولار خلال النصف الأول ل 2019، هل يمكننا القول بأن الإجراءات المتخذة على مستوى التجارة الخارجية غير مجدية، أم أن النشاط المقاولاتي لم يستطع مواكبة طبيعة هذه الإجراءات المتخذة التي قيل عنها أنها لصالح تشجيع الإنتاج المحلي ؟ الانتاج المحلي لا يمكنه بأي شكل من الأشكال تغطية الطلب الداخلي، والاستيراد ضرورة وحتمية لا يمكن الفكاك منها مهما حاولت الحكومات المتعاقبة، وهذا راجع بالاساس لغلق السوق الوطنية امام الاستثمارات الأجنبية التي كانت مجبرة على إيجاد شريك جزائري يملك نسبة تفوق أو تساوي 51 بالمئة ليتم المشروع، والشركات في هذه الحالة كانوا واضحين وظاهرين ولم يكن يسمح لغير مجموعة معروفة من رجال الأعمال بالدخول في مثل هذه المشاريع بأخذ قروض بمبالغ خيالية من البنوك العمومية، هذا الواقع خلق لدينا حتمية أن نكون مستوردين لكل شيء من الورد إلى السيارت، وهذا الواقع وإن غيرت القوانين كما حدث مع قاعدة 51/49 التي نزعت من القطاعات غير الاستراتيجية إلا أنه باق لسنوات مقبلة خاصة أننا نعيش عدم استقرار سياسي بسبب، واقع يجعل رأس المال الجبان يخاف من دخول الجزائر أو الاستثمار فيها، رغم ما فيها من امتيازات، لكننا لا نزال نعتبر من الدول التي تملك أسوأ مناخ استثماري بإحتلالنا لمراتب متأخرة كان آخرها المرتبة 151 من 190 دولة بالاضافة للمرتبة 111 من 151 دولة في نظم الدفع الالكترونية، كل ما سبق يجعلنا ندعوا الله أن تبقى أسعار المحروقات مرتفعة وأن نحاول القضاء على عمليات الاستيراد الوهمية التي تستنزف العملة الصعبة دون وجه حق . في رايك ما مستقبل سوق تركيب السيارات، في ظل استعداد الحكومة لا ستئناف عملية استراد السيارات أقل من 3 سنوات، وتقليص فاتورة استراد قطع الغيار؟ أظن ان شركات تركيب السيارات بالغت في عدد الأنواع التي تركبها في الجزائر خاصة تلك السيارات الفارهة التي يعتبر تركيبها أقرب إلى اضافة الماء المعدني للبحر، خاصة أن تكلفة سيارة واحدة كفيلة بتغطية أربعة إلى خمس سيارات من النوعية الشعبية، وهو ما يجعلني أدعوا شركات تركيب السيارات إلى مراجعة الأنواع المركبة في الجزائر والاكتفاء بنوع أو إثنين والعمل على رفع نسب الادماج فيها، وتركب الراغبين في اقتناع السيارات الفارهة يقومون بالعملية من خلال استيرادها ضمن قانون اقل من 3 سنوات، وهو الأمر الذي سيجعل مبلغ 2 مليار دولار كاف لتغطية جزء كبير من حاجات السوق الوطنية في المرحلة القادمة، في إنتظار اقامة صناعة ميكانيكية حقيقة في الجزائر، دون أن ننسى ضرورة اضافة بند يجبر كل مركب للسيارات على خلق مخبر بحث في السيارات المستقبلية المبنية على الطاقة الكهربائية فأوروبا تحضر نفسها للاستغناء عن المحركات التي تسير بالطاقات الأحفورية في آفاق 2050 .