معادلة الطاقة الصلبة لواشنطن والطاقة اللينة لقاهرة المعز الاتجاهات الراهنة في العلاقات المصرية الأمريكية لابد أن نشير هنا فقط إلى أن كلمة ''الراهنة'' التي استعملها الباحث في هذا العنوان تشير طبعا إلى فترة بحثه والتي تعود إلى سنة ,1999 حيث يقول هنا إن مصر كانت دائما في زمن الاضطراب أو السلم الدولة الرئيسية في استراتيجية القوى الكبرى بوجه عام وأنه لا يمكن لأي قوة عظمى تسعى إلى التأثير في هذه المنطقة المعقدة أن تستغني عن مصر، بدورها الثقافي وموقعها الجغرافي وعدد سكانها الكبير، وتعتبر (الو. م. أ) ملتزمة بدورها بهذه القاعدة، فمصر هي المسمار المحوري الذي يربط المشرق الكبير (سوريا وفلسطين ولبنان والعراق) مع دول المغرب العربي، وكما أظهرت حرب الخليج الثانية، فإن دور مصر في الأمن الإقليمي المركزي بالنسبة للتدابير الأمنية الأمريكية في المنطقة. وهنا يرى الباحث أن مصر لا تملك قدرا كبيرا من الطاقة الصلبة (hard power) ''الموارد الطبيعية والتكنولوجيا''، ولكن تملك احتياطيا غير محدود من الطاقة اللينة (soft power) ''التأثير الثقافي'' فتاريخ مصر وتراثها الثقافي يتردد صداهما في كل أنحاء العالم العربي وإلى ما بعده، وعن طريق الأزهر وجامعته وطدت القاهرة منذ زمن طويل دورا قياديا في العالمين العربي والإسلامي، كمنبع للمعرفة والدراسات الدينية والقانون. والولاياتالمتحدةالأمريكية على العكس تملك قدرا كبيرا من الطاقة الصلبة التي تراها ضرورية ولكنها مرفوضة في نفس الوقت في العالمين العربي والإسلامي، ولكي تكون الولاياتالمتحدة مقبولة يجب أن تعول كثيرا على قدرة القاهرة على تسويق الجوانب الإيجابية في العالمين العربي والإسلامي، وكما تستطيع مصر تشجيع المصالح الأمريكية في المنطقة تستطيع أيضا أن تعرقل هذه المصالح وعلى الرغم من أن الطاقة اللينة المصرية مفهومة ضمنا فإنها لم تحظ بالاهتمام اللازم في إطار العلاقات الثنائية للبلدين. أما بخصوص العلاقات الأمريكية المصرية في الإطار الإقليمي فهنا يرى الأستاذ مأمون فندي أن المنطقة تغيرت منذ حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد للسلام، وإذا قامت الدول العربية بما فيها الأردن وفلسطين بعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل فإنه يحتمل أن يحدث المزيد من التغييرات وتظهر خريطة جديدة للشرق الأوسط، ولكن هنا يطرح سؤال مهم جدا من سيرسم هذه الخريطة الجديدة؟ وعلى أي أساس؟. هنا يجيب الباحث على أسئلته هذه بقوله إنه إذا أخذنا في الحسبان تاريخ وجغرافية والتراث الثقافي والدور الإقليمي البارز لمصر فإنه يحتمل أن تكون المهندس المساعد للنظام الإقليمي الجديد وعلى الأرجح فقد أثبتت مصر قدرتها على التكيف مع التغيير وأحيانا توقعه، ولا سيما عندما اختارت عام 1973 التحالف مع (الو. م. أ) على حساب الاتحاد السوفياتي السابق ومع ذلك يجب أن يسلط الضوء حول الكيفية التي يمكن أن تتعاون مصر بها أو تختلف حول القضايا الإقليمية. لهذا يرى صاحب البحث أنه على الصعيد الإقليمي تتعاون مصر و(الو.م. أ) بفاعلية في المسائل العسكرية الاستراتيجية عن طريق تنسيق الجهود في سبيل تحقيق سلام دائم في المنطقة ومحاربة الإرهاب، وعلى الرغم من النجاح في هذين الحقلين فقد اصطدمت السياسات المصرية والأمريكية حول بعض المسائل، كالحصار على العراق والنزاع في السودان. من جهة أخرى نفس الباحث يؤكد أن للتعاون العسكري بين البلدين أهداف ومهمات مشتركة بين الجيشين المصري والأمريكي، وفي الواقع العلاقات العسكرية هي المكون الأقوى للعلاقة بين البلدين، وعلى اعتباره المستفيد الرئيسي من المساعدة الأمريكية وربما يكون الجيش المصري هو الجزء الأكثر مناصرة للولايات المتحدة في المجتمع المصري فالجيش المصري يتلقى ما يقرب من ثلثي ال 2.1 بليون دولار وهو إجمالي المساعدة الأمريكية لمصر، كما لعبت (الو. م. أ) دورا رئيسيا في تحديث الجيش المصري من حيث التسليح والتنظيم، فخلال 15 سنة الماضية قدمت (الو. م. أ) لمصر نحو 20 بليون دولار لتحديث القوات المسلحة، وعلاوة على ذلك تتعاون الدولتان بانتظام في تمرينات عسكرية مشتركة أثبتت مع الوقت مستوى عاليا من التنسيق والانسجام بين القوات المسلحة الأمريكية والقوات المسلحة المصرية. كذلك حينما يتحدث صاحب البحث عن زيارات الرئيس مبارك إلى (الو. م. أ) يقول إنه يطالب دائما بتحقيق المساواة في المساعدة بين مصر وإسرائيل، حيث أن (الو. م. أ) أسهمت بشكل أساسي في الصناعة العسكرية في إسرائيل التي أصبحت قوة هائلة من حيث التقنية ومن حيث نوع الأسلحة والتقنيات التي تنتجها، حيث أن التقدم العسكري الإسرائيلي يسمح لها بالتصرف بحرية أكبر منها لدى مصر وهذا سيؤدي إلى إمكانية انعدام الأمن الإقليمي على المدى الطويل. وفي مقابلة مع جريدة الحياة اللندنية الصادرة بتاريخ 04 فيفري 2000 أكد عمرو موسى أن ''الأمن لا يتجزأ'' وكان يريد أن يقول إنه لا يمكن للعرب أن يتعايشوا مع إسرائيل على اعتبارها دولة نووية وحيدة في المنطقة، فالقدرة النووية الإسرائيلية سوف تسهم في سباق جديد للتسلح لأن البلدان الأخرى في المنطقة خاصة العراق وإيران تكافح لمنافسة التفوق العسكري الإسرائلي. كذلك وفي نفس اتجاه التعاون يتطرق البحث إلى مسألة مواجهة الإرهاب، حيث جاء في البحث أن مصر لم تتردد في الالتزام بمقاومة الإرهاب محليا وإقليميا، ففي عام 1996 استضافت مصر (الو. م. أ) قمة صالفي السلام في شرم الشيخ بعد الهجمات على إسرائيل، حيث أكدت القمة للشعب الإسرائيلي أن مصر لا تتحمل العنف العشوائي ضد الأبرياء، ومع أن مصر عملت بجد لضرب الإرهاب في المنطقة، فإنها لم تشاطر أمريكا دائما أراءها حول هذه القضية، ومع ذلك حبذ الرئيس مبارك عقد مؤتمر خلال السنوات العشر الماضية أي منذ فترة البحث حول الإرهاب وقصد أن يوجه الجدل بعيدا عن مجرد روابط ثقافية تربط الإسلام بالإرهاب إلى مقاربة براغماتية أكثر تتوجه إلى الأسباب المستبطنة لهذه الظاهرة العالمية، حيث يرى أن التعاون الاستخباراتي أفضل ودعم المشاريع للتطوير الاقتصادي وخلق فرص العمل ومساعدة البرامج التي تحرم هذه المنظمات من قاعدة الإمداد لمكونات مهمة في المعركة ضد الإرهاب. الاتجاهات المستقبلية في العلاقات المصرية الأمريكية تحت هذا العنوان يستشرف الباحث مأمون فندي طبيعة العلاقة المستقبلية بين (الو. م. أ) وطبعا بناء على المؤشرات التي عرضها مسبقا حيث يرى أن مصر برغم التحديات المحلية فإنها سوف تستمر في لعب دور محوري في تعزيز الاستقرار الإقليمي وصياغة الرأي العام والسياسات العربية والمسلمة والعمل من خلال ذلك على دعم المصالح الأمريكية، وبهذه الأسباب ستبقى العلاقة المصرية الأمريكية عنصرا مهما في السياسات الخارجية لكلا البلدين وفي المستقبل الاقتصادي لمصر وبسبب الحاجة للمساعدة المتبادلة والمصالح المشتركة فإنه يجب معالجة المشكلات في العلاقات الثنائية حال ظهورها. وهنا يضيف صاحب البحث أن عدم وجود سياسة أمريكية مترابطة تجاه مصر ستعمل دائما على مضاعفة الارتباك، وبصرف النظر عن مصلحة أمريكا في دور مصر كمسهل في عملية السلام، فإن السياسة الأمريكية تجاه مصر تتألف بصورة رئيسية من سلسلة المبادرات غير المترابطة حول مناطق الاهتمام المشترك، فكثيرا ما تميز الجو السياسي العام الذي يحيط بهذه القضايا بالانفعالية وتأثير الحملات الإعلامية بدلا من التفكير الاستراتيجي حول إلى أين تتجه هذه العلاقة ومالذي يمكن إنجازه على أرض الواقع، فالولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تطالب بحرية الصحافة والحريات المدنية وفي الوقت نفسه تتشكى حول استياء وسائل الإعلام المصرية من سياسة (الو. م. أ) في المنطقة. كذلك يرى الأستاذ مأمون فندي أن العلاقة بين البلدين تتجاوز قضية التبعية والسيادة وتحتفظ دائما برؤية شرق أوسطية مسالمة مع مصر شريكا لأمريكا، وسيصبح الشعور بالشراكة بين مصر و(الو. م. أ) أكثر أهمية عند صورة التوترات الفلسطينية الإسرائيلية، وعندئذ تطرح الأسئلة التالية، هل يمكن للو. م. أ أن تحدد علاقتها مع مصر مستقلة بعلاقاتها مع إسرائيل؟ وهنا يكشف الاستعراض الدقيق للسياسة الخارجية المصرية في ظل مبارك إلى أن مصر تضطلع بدور جديد يشدد على البراغماتية والازدهار الاقتصادي أكثر من التشديد على الأسلوب الإيديولوجي للسياسات الذي هيمن سابقا على برنامج السياسة الخارجية المصرية والسبب الوحيد لهذا النجاح يمكن أن يكمن في نوعية القيادة التي تسهم في صياغة السياسة الخارجية وقد تجلت المقارنة البراغماتية في قرار السادات بطرد المستشارين السوفييت عام .1973 وفي خاتمة بحثه خلص صاحب الدراسة إلى أنه على من يؤيد الاقتصاد اللبيرالي أن يضع في اعتباره أن الثقافة السياسية اللبيرالية ضرورية لفهم الاقتصاد، ولكن العيب الخطير في العلاقة بين مصر و(الو م أ) هو أنها على الرغم من السنوات الماضية الطويلة بقيت العلاقة بين النخبتين في البلدين ولم تكتسب حتى الآن شعبية راسخة في كلا البلدين، ولكي تزدهر العلاقة يجب على (الو م أ) أن تتجاوز مستوى النخبة إلى علاقة ثقافية أوسع تفيد من موقع مصر كقائد ثقافي في المنطقة، ولهذا يجب على البلدين تشكيل لجنة ثقافية جديدة مشابهة لمبادرة غور - مبارك الاقتصادية، ويجب أن يركز على الترويج للقيم الثقافية الأمريكية بواسطة المؤسسات الحكومية المصرية.كذلك إذا كانت الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط تركز على نظام إقليمي يعتمد على الأمن أو نظام سياسي يحقق تسوية مع إسرائيل كحجر أساس فيه أو نظام اقتصادي إقليمي، فإن مصر سوف تلعب دورا مهما فيه، وعلى الولاياتالمتحدة ألا تسمح للمصالح الضيقة بتحديد علاقتها مع مصر وعلى الأصح يجب على (الو. م. أ) أن تباشر مقاربة أوسع إلى روابطها مع مصر تركز بالتساوي على كل جوانب العلاقة السياسية والاقتصادية والثقافية فإذا انحرفت أمريكا بعلاقتها مع مصر بسماحها للمزيد من المصالح الضيقة بتحديد تلك العلاقة، عندئذ، يمكن أن تخسر ليس مصر فقط ولكن مركزها المتناسب في الشرق الأوسط الأوسع.