في سبيل كتابة عالم معوّق بذاكرة معطوبة د.اليامين بن تومي/ الجزائر درج البداية؛ تظهير النص: يأتي نص “سلالم ترولار” في مرحلة زمنية فارقة في تاريخنا الوطني وتاريخ الوطن العربي، فهو نص خطير وشائك ومرعب، يحمل الوعد بالبشارة ولكنها بشارة تولد ميتة بلا أمل، إذ تنهل سردية “سمير قسيمي”[1] من مجالات وحقول معرفية وإنسانية متعددة، لذلك لا يمكن أن نُجابِه هذا التَّعدد بمنهجية صارمة وأحادية، بقدر ما يجب علينا أن نُقيِّمُ التجربة انطلاقا من تعدد منهاجوي يواجه تلك السردية متعددة المنظورات، إنها شكل من أشكال “البروكولاج” أو “التركيب السردي” بالمفهوم الدريدي، حيث “يشير مفهوم البروكولاج إلى إعادة ترتيب ومجاورة مواضيع دالة غير متصلة من قبل لإنتاج معان جديدة داخل سياقات محيَّنة، وينطوي البروكولاج على عملية تحيين للدلالة، من خلالها يعاد تنظيم العلامات الثقافية مع المعاني المقررة سابقا داخل شفرات ترتبط بالمعاني الجديدة”[2].هذا النوع الجديد من سمات الكتابة يُساوِقُ التَّحول الاجتماعي المعقد الذي باتت تزخر به الحياة الاجتماعية الجزائرية، حيث يمكننا القول أن روايات سمير قسيمي ردمت الفجوة بين الطبقة الاجتماعية و تخريجها الجمالي، و صارت الرواية التركيبية شكل من أشكال المسايرة و الانسجام بين ما هو اجتماعي وما هو جمالي. وهو نزوع نحو المزج صَعبُ الصِّنَاعَةِ، لذلك حق أن نقول أنه مع سمير قسيمي تحولت الكتابة السردية إلى صناعة وحرفانية شديدة التعقيد، أُسَمِّيها في كثير من الأحيان “الرواية التركيبية”، وهي أصعب أنواع الكتابة الفنية، وهو ما نطلق عليه بالرِّوائي المُرَكِّبِ Le bricoleur وهو تركيب يُعبِّرُ عن عمق الأسلبة السردية والتنويع اللغوي العميق الذي يفتعله سمير قسيمي ليُحيِّنَ البنيات الطارئة للمتكلمين الجدد في فضاء “حي ترولار”؛ -قصة جمال حميدي -قصة أولغا. -قصة إبراهيم بافولولو -قصة رجل القمامة؛ عصام كاشكاصي . -قصة رجل الشرفة؛ الرجل صاحب اسمه، الكاتب. -قصة الرجل الضئيل. -قصة إيلاغين؛ أول إنسان سكن الهضبة التي عليها سلالم ترولار. -قصة القطعة النقدية. وكلها تحدث في مكان واحد هو “حي ترولار” وفي عمق “المدينة الدولة” حيث يتم تركيب العلاقات السردية، وايجاد الروابط السببية بين مختلف الفاعلين. فالبروكولاج السردي ظاهرة عبقرية لم ينتبه إليها السرد العربي، بينما مع سمير قسيمي يصبح التركيب الأسلوبي ظاهرة فنية شديدة الجمالية حين ينسجم الوضع الطبائعي للشخصية مع الوضع اللغوي مع بنية الطبقة الاجتماعية التي يصدر عنها الصوت، ويتميز منطوق “حي ترولار” عن منطوق الآلهة السفلية والعلوية في شتى تظهيرات السرد اللغوية وغير اللغوية. إنها ظاهرة معقدة وسلسلة في آن، تشكل لعبة جمالية تجعل النص السردي يحتوى على إمكانية التحويل وإعادة التركيب، حيث يمكن للقارىء أن يعيد تشكيل النص وتقديم قصة على أخرى دون أن يختل المعنى العام للقصة، والسماح له بإعادة تركيب النص من خلال وضع القراءة، وهي احتمالات بناء قصدية القارىء في مقابل قصدية النَّص، فالبريكولاج بالمفهوم الثقافي يعبر عن النقلة التي بات يجري إليها السرد الجزائري وتلك القفزات النوعية في أبجاد وضعيات أكثر انسجاما مع تركيبة المجتمع المتعددة، أي محاولة إيجاد وضعية سردية تساير الرؤية السوسيولوجية للمدينة، أن توافق قوانين الاصطناع التي قَوَّضَت كل البنيان الهش للمجتمعات الشفوية التقليدية، وبالتالي طرق السرد الكلاسيكي، أي أن عملية التوليف و المزج و التركيب هي إحالة إلى إعادة بعث مخيلة جديدة توافق الشكل العام للمجتمع الجزائري الذي بات يتركب من جملة من البنيات الخارجية و الداخلية التي تُكوِّن ما نسميه “مدينة” وهي حالة تراكمية في الوضع التاريخي ، نتجت عن التحول من المجتمع الاحادي إلى المجتمع التعاقدي و التعددي . صدرت رواية ” سلالم ترولار” عن منشورات البرزخ ودار المتوسط بتاريخ 2019، والرواية من حوالي 165 صفحة، مقسمة إلى سبعة فضول وخاتمة . ومقدمة بإهداء طريف “إلى زوجتي و ابنيّ.. طريقة ساذجة لأكتب حبي”[3]، إنها سذاجة مُعقدَّة تُحيل إلى نبوءات مُخبَّأة في جبَّة النَّص، فالأسماء في ذاتها تحمل مسؤولية تاريخية عن ثورة قادمة في الأفق، تنتشل الزمن الجزائري من حالة الهذيان إلى صناعة التاريخ، مع “عمار بلحسن” و “عبد الحميد مهري” و “أنطونيو غرامشي” تصبح الرواية مشبعة بالأمل و الكفاح والمرارة.
الدرج الثاني؛ الرؤية من الأسفل: تحيلنا الشبكة الدلالية لكلمة “سلالم” في معناها الجاف/الحرفي على توليفة من المعاني التي تفيد “الصعود” و “السمو” و “الحركة نحو الأعلى”، ولكنها سلالم في حالة تنكّر، سلالم لا تملك ما تستند إليه، فالسلم إذا لم يستند إلى عكازتين من “أل” التعريف لا يمكن أن يُعوَّل عليها، تصبح سلالم إلى الأسفل حيث التراجيديا و السخرية و الضحك و المأساة السوداء التي تجعل الرؤية تتحول إلى الأسفل، و ليس إلى الأعلى، نوع من اللاهوت الأرضي في مقابل اللاهوت العلوي، حيث تسكن الآلهة العالم السفلي للسلالم، فالصعود إلى الأسفل هو تدرج في المعنى المجازي لكلمة سلالم، بدل أن تصعد فوق تنزلق إلى الهاوية، إنها سلال بلا عكازتي “أ ل” التعريف ، ف”سلالم ترولار” لا تصعد أبدا، إنها تنزل فقط إلى حيث اللاهوت الأرضي الجديد، حيث الجو الشعبي الصاخب بالكلمات، و النكتة و القهر و الألم الصامت الذي يقبع خلف اللغة و الايماءات و الرموز، هي سلالم لا إحالة لها على مستوى الدلالة الحرفية، إنها استعارة ثقيلة المزاج، كذوبة و مخيبة للأفق، لذلك تبصر النبوءة من الأسفل لتترقب أي جديد في حي ترولار، حيث لا يفصل بين الحي و قصر الحكومة سوى تلك السلالم التي لا تصعد أبدا، لأنها تنزل نحو التراجيديا و صخب القطيع، إنها سلالم سوريالية عبثية تحفر في عمق العوالم السفلية لأن في ال”فوق” لا شيء غير الآلهة وأنصافها تُطِلُّ على قدر النازلين إلى حيث الألم و انسداد الأفق، و بالتالي هي سلالم للسقوط والهاوية، وعليه هي “دركات ترولار” هكذا بلغة سميائية شديدة الإحالة. “- أردت ذلك فعلا، و لكنني وهو يسألني عن مكان إقامتي قلت ترولار -ترولار؟ -حي شعبي بالعاصمة”[4]
الدرج الثالث؛ خارج الدرج، عتبة حرجة: تبدأ الرواية بإحالة لغوية خارج نصية لكنها علامة ضمن محيط النص، إحالة إلى علاقة تراسلية بين الناشر و الكاتب/ سمير قسيمي، تلك العلاقة التي تشوه النص وتغم عليه، أي تجعل عملية التركيب تأتي بأمر خارج نصي، أي يصبح الكاتب علامة نصية توجيهية للسارد، أي أن عملية التراسل تنطلق من ؛ * الناشر /الكاتب * الكاتب/ السارد إنها العلامة التراسلية، ديكتاتورية تجعل الناشر يتدخل ليدمر وحدة الكاتب ليختلط الأمر بين ؛ -كاتب خارجي/ سمير قسيمي -كاتب داخلي/سارد و مسرودا عنه . حين تلتبس عتبة الاسم خارج النص بعبثية السارد من خلال العتبة الأولى لما قبل النص، حيث تأتيه رسالة من الناشر تصف هذا النص بالتفكك ولا يحوز على عبقرية سردية “هل يمكن أن أكون صريحا أكثر. أعتقد أنني أدين لك بذلك ولا يجب أن أكبح نفسي مجددا وأنا أرى أنك تضيع ما أنجزته سابقا لتخوض هذه التجارب من الكتابة المفككة”. وعليه تمضي الرسالة بين ؛ -الخارج / سمير قسيمي -الداخل/ الكاتب؛ رجل الشرفة، الرجل صاحب اسمه ، كلها علامات محددة لهذه الذات المفرغة “كاتب”، ذات ممعنة في الوهم والتهور “هكذا منح الكاتب نفسه اسما لم يولد به، وأهدى هذا المدينة- الدولة، كاتبا متهورا، ممعنا في السمنة و القبح والغرور والوهم. منح هذا الوطن البائس كاتبا يشبهه في البؤس باسم الرجل صاحب اسمه”[5]. هنا فقط تختلط اللعبة السردية بين صاحب الاسم كعلامة موجهة للتراسل بين الكاتب خارج الحكاية “سمير قسيمي” الذي يوشح عتبة النص من خلال تلك الرسالة التي يوجهها له الناشر ويصف كتاباته بالمفككة وبين العلامة الداخلية الموجهة للرسالة ككل، يصبح النص موازيا بشكل ما للعالم الخارج نصي، ويصبح الكاتب/ الرجل صاحب اسمه مشبعا بالاسمية والإحالة إلى وضع المثقف المفرغ من أي تأثير في تركيبة المدينة- الدولة، فعدم التسمية وإفراغ الذات وإنضابها من الداخل، والإبقاء على الإحالة في لعبة داخل/خارج كتحديد لسمات تظهير المثقف كطبقة مُفرغة من أي أهمية في مجتمع البواطن، حيث تنقلب القيم لصالح الآلهة الجديدة .
الدَّرج الرابع؛ الوصف المتغطرس: نص سلالم ترولار نص واصف بامتياز، يتحدد بهذه الميزة التي طبعته بشكل لافت تحمل ذاكرة المدينة وتقتات على أحداثها، لذلك تغطرسعليها والوصف هنا في مستويات متعددة؛ -وصف تنبيهي -وصف تشخيصي -وصف دال يتحدد الوصف التنبيهي لتظهير الموضوع العام للرواية الذي يدور في مُجمله على العتبة التوجيهية الأولى لكلمة مالك حداد: “لا تطرق الباب بقوة فأنا غير موجود”[6]، فالموضوع يتحدث عن هلع عظيم أصاب ” المدينة الدولة ” وخلو مباني المدينة من الأبواب، و انتشار حالة الهلع بين المواطنين بلا رأس، أو كما سماهم الأستاذ كمال قرور “البواطن في مقابل المواطن” . يقول السارد ” كانت الفكرة ابتكار مواطن بلا رأس تحتل بطنه أكبر مساحة من جسده وهو ما حدث بسرعة لم يتخيلها أحد”[7]. و أهم ممثل لهذا النوع من التطور البشري المسمي “غاشي” هو ابراهيم بافولولو حيث يقول السارد “ربما كان ابراهيم أحسن نموذج ل”الرجل-البطن”، مع أنه كان الشكل البدائي لمواطني الألفية الثانية والأكثر بدائية لمواطني الألفية الثالثة، فقد كان لا يزال يحتفظ ببعض المخ في جمجمته العريضة، ومع ذلك كان بسبب إدمانه للأكل يشبه كرشا بساقين بالكاد تحملان جثته”[8]. تشكل علاقات الوصف التنبيهي السببية حينما تترتب علاقة بين الوصف ومآلاته؛ -اختفاء الأبواب أدى إلى ظهور شخصية جمال حميدي كعميد للبوابين. لتتناسل شبكة التوصيف: اختفاء الأبواب جمال حميدي الرجل الضئيل ومن ثمة يتحرك نوع ثان من التوصيف، وهو الوصف التشخيصي الذي يتعلق أساسا بالشخصيات التي تدور حول الفاعل الأساسي “جمال حميدي” الذي يقدمه الوصف التشخيصي بشكل دقيق يقول السارد: -” بعد أن طلقته زوجته إثر حادث مروع جعلته مقعدا أو نصف عنين”[9] -” كان جمال حميدي قد بلغ عامه السابع والخمسين، ولكنه بسبب الحركة العرجاء للكون لم يشعر بمرور الزمن كأي رجل يبلغ هذا العمر، فقد ولد في التاسع والعشرين من فبراير، وهو يوم لا يعود إلا مرة كل أربعة أعوام، لهذا ولأسباب أخرى ساد في نفسه اعتقاد مضحك في أنه سيتقبل من العمر أكثر مما استدبر”[10] هذا التحضير العام لشخص جمال حميدي يعطيه الأهلية والقدرة والكفاءة ليصبح مرشحا قويا للبلاد، من أجل إعادة الأبواب المختفية، لكونه أقدر من غيره على تولي المرحلة القادمة، حيث عمل “الرجل الضئيل” على تقديمه في الشكل المطلوب، وترميم الواجهة الممكنة للتصديق. وهنا؛ يتحرك الوصف الدَّال؛ لتتحرك معه آثار الوصف على طول التَّسريد وتتطور أشكال التوصيف، حيث يتوضح شكلي الوصف القصير والطويل وتتبيَّنُ رؤية السرد العامة، وهو توظيف يتعالق في شكل دوائر سردية؛ -دائرة جمال حميدي التي تتم داخلها علاقاته؛ أولغا، إبراهيم بافولولو، وموح بوخنونة .الرجل الضئيل -دائرة أبراهيم بافولولو تتعالق ب ؛زوجة بافولولو، البنت المتبناة أولغا؛ “دخل بافولولو على زوجته، يحمل رضعية بين يديه، قال أنه وجدها أسفل سلالم ترولار”[11]. -دائرة أولغا تعالق مع ابراهيم بافولولو، جمال حميدي، رجل ما، دا امحند، عصام كاشكاصي و السكرتيرة: تتميز هذه الدائرة بجملة من الصفات التعيينية التي تُسيِّر جميع علاقاته السردية لأنها-أولوغا- بنت غير شرعية: “مهما يكن، فقد كان الملفوف في قطعة القماش الزرقاء أنثى بعينين زرقاوين، تقدر أن تسمي بعد فترة “حورية”، على الأقل ما كتب في السجل المدني لبلدية الجزائر الوسطى: في الخامس جويلية/يوليو عام ..ميلادي ولدت حورية/اسم الأب :مجهول/ اسم الأم مجهول/الجنس أنثى. ملاحظة تبناها السيد ابراهيم بافولولو وعليه تأخد لقبه”[12]. هذا المقطع التوصيفي مُحرج ومقلق جدا، حيث يربط بين تلك الولادة الحرجة وبين ولادة الوطن، ليترك الوصف باب التأويل مفتوحا على مصرعيه مع تلك النقاط (..) حين يتم المزج بين حورية المرأة وحرية البلد لحظة الاستقلال، ذلك المجاز شديد الحساسية الذي يدفع الرواية نحو الغوص في عمق مأساة الوطن بعد الاستقلال. وذاكرة الاسم؛ حورية أو أولغا، ترتبط بشكل كلي بذلك الوضع الغريب للدولة المدينة التي توجد بها علاقات غير شرعية تراكمت لتصبح هي أسس الدولة، بل وتصبح مع مرور الوقت هي القيم التي تشكل الدولة يقول السارد: “وحدها سكرتيرته المسنة كانت تعرف حقيقته، لسبب بديهيّ هو أنها ابنته، تلك الفتاة الساذجة نفسها التي كادت ذات يوم بسبب تهيج هرموناتها غير المستقرّة حينئذ، أن تؤخر طموحات أبيها في أن يصير المهندس الأكبر، حين خلصت “الرجل ما” من عبئه، وحملته عنه تسعة أشهر، لتضطر في الأخير على التخلص منه أيضا تنفيذا لأوامر أبيها”[13] -دائرة عصام كاشكاصي؛ رجل الشرفة، أوليغا، السكرتيرة: “ومهما بدا الأمر غريبا، فقد كان عصام كاشكاصي كلما بلغ تقاطع شارعي الدوق ديكار و 24فبراير نزولا من تيليملي إلا وتصادف وصوله مع ثلاثة أمور لا غير: رجل يدخن على شرفته في الطابق الخامس، وامرأة بدينة تقف على شرفة شقتها في العمارة المقابلة لا تفعل شيئا إلا الوقوف هناك، ومواء قطة سوداء لم يرها أحد قط”[14] -دائرة الرجل الضئيل؛ علاقته السببية مع جمال حميدي، أولغا، السكرتيرة التي تظهر فيما بعد أنها ابنة الرجل الضئيل، وهو رجل ينتمي إلى عالم الآلهة، بل ويساهم في صناعة الآلهة، و يتحكم في الأقدار والأرزاق و لكنها آلهة تسكن “التحت” وليس ” الفوق”، آلهة تعمل على تركيز الجهل المقدس ونفس الشعارات الجذابة عن الشعب سليل الثورة العظيمة، فهي آلهة تصنع القدر الأبدي، وتحافظ عليه بصناعة الرؤساء يقول السارد: “كان مكتب الرجل الضئيل يقع في الطابق التحتي لقصر الحكومة الذي لم يكن فيه أي مكتب آخر “[15]
الدرج الخامس؛ درج الشخصية والرغبة: تُنجز رواية “سلالم ترولار” عبقريتها السَّردية على مستوى عميق من بناء الشخصيات، وتحويلها إلى مجرد أشياء تابعة لأثاث “المدينة –الدولة”، وهي عوامل مساعدة للفاعل الحقيقي وهو المكان ” المدينة-الدولة” التي تُفرِّخُ نفس الفاعلين في تاريخها، تُحرِّكهم مثل عرائس الظل، يسبحون داخل نفس اللعبة، مع تغيير طفيف في طبقة الشخصيات، حيث تنبأت الرواية بشكل عجيب لتمزيق كيان الدولة من جهة تمزيق شخصية الحاكم نفسه، الذي ينتمي إلى طبقة شعبية بسيطة، حيث تعمل الرواية الرسمية على بناء نموذج وظيفي واجتماعي للحاكم، وطعنه في الوقت نفسه في مركزيته القضيبية، لتتمكن الآلهة دوما في الحفاظ على تعاليها وميتافيزقيتها الخاصة من خلال الاحتفاظ بصناعتها الأبدية للحكام. لتبقى المدينة- الدولة تعيش حالة عراء كلي، و تَكَشُّفٍ مقصود لعورتها التاريخية، من خلال إثارة مقيتة لأسرار الدولة الجنسية، وعلاقاتها غير الشرعية، تلك المدينة ومنذ شخص “ايلاغين” وهي تمارس نفس الطقوس والخيارات وتحرك نفس الأوهام وتنسج جملة من الحكايات الشعبوية الدفينة، وكان هناك صراع تاريخي بين الروايتين الرسمية والشعبية . لذلك تبذر المدينة تاريخا من الكراهية و الحمق و الصراع بين آلهة العوالم السفلية وحي ترولار، تلك الآلهة التي أصبحت مانعا للعاطفة من أن تتشكل في وضع الطبيعي لتصبح حالات الخيانة والغدر هي القيم المحركة لرغبات الشخصيات المختلفة. الدرج السادس؛ زمنية الاسترجاع والاستبصار: تحمل الرواية ذاكرة المكان/المدينة التي سماها بصراحة “المدينة الدولة”، حيث تستعمل الرواية تقنية الاسترجاع لتعود إلى أصل تلك الهضبة التي بنيت عليها سلالم ترولار، حيث ترتحل الترجيديا والسوداوية في تاريخ الحكاية، وكأن المكان يحمل داخله عمق مأساته التي لم تفارقه يقول “حتى لا يتيه الواحد في تفاصيل مملة، فقد كان المكان المسمى اليوم العاصمة أقل يابسة وأكثره خضره، بحيث كانت الأشجار تمتد من قمة الجبال إلى سواحل البحر، ومع أنه لم يكن في العاصمة إلا جبل واحد بني على انحداره لاحقا ما يعرف اليوم ب”الأبيار” و”بن عكنون” و” بوزريعة” فقد كان هناك بالمقابل عدد هائل من التلال، لا يهم منها الآن إلا تلك التي شيد على قمتها لاحقا قصر الحكومة، وعلى طولها بنيت شوارع ترولار والدوق ديكار وتيليملي “[16] تستفيق الذاكرة كمحفز للقدر وفي لغة ايحائية شديدة أن كل العلامات تنذر بالكارثة، إلى الخروج الحتمي الذي سيقوده الغاشي لاختيار قدره القادم، فالذاكرة هي التي تدفع الخروج والانتباه، وتجر وراءه تاريخا من البكائيات والآلام، فالذاكرة تبصر القادم الذي سيكون فيه الشعب حناجرا تصدح بالعدل لتأتي تلك الآلهة بمخزونه الفاسد من السيئين الذين يحلمون برئاسة المدينة-الدولة، لتبقى عند نقطة ايلاغين التي لا تتحول ثورة و فساد، ذاكرة واستبصارا، مجرد لهو طفولي لا يبرح المكان ولا الذكريات.
السابع: اللادرج؛ كأنها لم تكن رواية: ألم يقل ماركس بأن المادة هي التي تُحرِّك التاريخ؟ هل هناك ما يحركنا كجزائريين أو عرب في عمق التاريخ إلا تلك الآلهة؟ وإذا كان الاقتصاد هو البنية المُحرِّكة والثقافة هي البنية الفوقية، والرواية كشكل ثقافي وجمالي تحمل شكل الاقتصاد، فما هو الاقتصاد الذي يُحرِّك الرواية عندنا، أم أنه لا شيء يتحرك؟ إذا، أين نحن من مقولة “ميلاد كونديرا: “إن الرواية تتابع المنسي في الكينونة، وإنها تشبه العالم الذي تتحدث؟”، لذلك نجد أن عبقرية سمير قسيمي في أنه وصل بحاسته الفنية إلى كتابة عالم لا شبيه له في تنظيرات الفلاسفة و علماء الجماليات، إلى كتابة نص يشبه فقط تلك الذاكرة المعطوبة التي تحتفظ بالآلهة نفسها والعطب نفسه، رواية يستطيع القارئ تشكيلها كما يريد، بنفس الشكل الذي تعيد فيه الآلهة تشكيل رجال المرحلة، الذين تسميهم حكاما، ليستنسخوا نفس الشكل التاريخي للمأساة والتراجيديا، لذلك سميتها ب”الرواية التركيبية”، هي نفس الشكل عن هذا التاريخ التركيبي الذي تعاد صناعته بشكل ما. فأزمة الرواية من أزمة السلطة العربية التي يتم تركيبها بشكل تراجيدا على حساب الزمن العربي الذي يعيش لحظة واحدة و التالي نحن خارج التاريخ، وخارج الشكل الجمالي.
[1] -روائي جزائري له عديد الأعمال الروائية منها :”في عشق امرأة عاقر”،” الحالم”،” يوم رائع للموت”،” هلابيل”،” تصريح بضياع” -كريس باركر، معجم الدراسات الثقافية، ترجمة جمال بلقاسم، دار رؤية للنشر و التوزيع الطبعة الأولى 2018. ص 91.[2] -سمير قسيمي، سلالم ترولار، منشورات البرزخ/ دار المتوسط. الجزائر/ ميلانو. الطبعة الأولى 2019. ص 7.[3] [4] -الرواية. ص98. [5] -الرواية . ص 52. [6] -الرواية ص 11. [7] -الرواية.ص 28. [8] -الرواية .صلا28. [9] -الرواية. ص 20. [10] -الرواية. ص19. -الرواية. ص 31.[11] [12] -الرواية. ص 36. [13] -الرواية . ص 138. [14] -الرواية. ص 45. [15] – [16] -الرواية. ص123.