ليعذرني القارئ الكريم في البداية، لأني سأخدش إحساسه وربما حياءه، كما سأحرك جراح الذاكرة الجماعية لنا جميعا كجزائريين، وذلك بالحديث عن عالم الحيوانات البريء، أو عالم البراءة الحيوانية، رغم أنف برجيت باردو وأنوف أصحاب أول جمعية جزائرية لأصدقاء الحمير ذات الأربعة قوائم، ولا يلمني أحد، لأنه لا ذنب على الأرنب أو البلبل إذا كانا رديفين للطف والحسن والبهاء، كما أنه لا ذنب على الثعبان والعقرب إذا كانا رديفين للمكر وجالبين للشؤم والاشمئزاز. بعد ساعات من الآن سنحتفل نحن الجزائريين بالدموع والأسى بذكرى مجازر 8 ماي 45 التي أباد فيها المستعمر الفرنسي عشرات الآلاف من الجزائريين المسلمين البسطاء المعتدى عليهم، وأذيقوا حينها أصنافا عديدة من العذاب المادي والمعنوي، وهو ما جعل ثلة معتبرة من المؤرخين تصنف الاستعمار الفرنسي في خانة أبشع أنواع الاستعمار التي عرفتها البشرية، هذا الاستعمار الذي يحق فيه وصف الخنزير، أو بتعبير أكثر صدقا وعمقا ب ''الحلوف'' الأكبر، وليستحضر كل قارئ مدلول مصطلح ''الحلوف'' والفرق بينه وبين الخنزير في الضمير الجمعي للجزائريين، لأني سأترك ''الحلوف'' الأكبر للحديث عن ''الحلوف'' الأصغر، بعد التذكير بأن الفرق بين ''الحلوف'' الأكبر و''الحلوف'' الأصغر كالفرق بين الحدثين الأصغر والأكبر مع الاشتراك في كون كليهما حدثا. وبمعرفة بعض خصائص ''الحلوف'' الأصغر يمكن معرفة ''الحلوف'' الأكبر ومن شابه (من الاستعمار) ''الحلوف'' فما ظلم، وعليه أقول أن الخنزير أو ''الحلوف'' حيوان ثديي يشبه ''البتّية''، له ذيل لا بالطويل ولا بالقصير، خلفه كأمامه، والتركيز على الذيل دلالة على ما يغطيه من منبت الشرور والآثام، فحال ''الحلوف'' الذي اتخذه الغرب عموما والفرنسيون خصوصا ''شحيحة'' تسرق الأوطان وأموال الشعوب، وتصدر لهم ما يخرج من تحت الذيل، الأوبئة والأمراض والنجاسات وهو حال خرطومه، ومن اختصر ''الحلوف'' في الذيل وما حوي فما ظلم أيضا. هذا ''الحليليف'' الأصغر حاله عجب، وحال محبيه وعاشقيه والهائمين به والعابدين إياه أعجب، فهو وله بالتمرغ في الأوحال و''الخزّ''، ربما انتقاما من نفسه لأنه لا يستطيع الدوران إلى الخلف لعاهة مستديمة في فكره وتراثه عفوا في رقبته، حتى أنه مغالاة في الانتقام من اعوجاج فكره ورقبته لا يدخل حقلا ولا ''جنانا'' إلا وتركه قاعا صفصفا، مدعيا أنه نقل الحضارة ''المخنزرة'' والرقي ''الحلّوفي'' إلى تلك الحقول. والأعجب من العجب العجاب أن هذا الحيوان غير الأليف عندنا، والذي لا نتمنى أن يصبح أليفا يوما ما، الوحيد في سلالة الحيوانات الذي تعطي حرية مطلقة ل ''الحلوفة''، فالعلاقات الأسرية ''الحلوفية'' يختلط فيها الحابل بالنابل، إذ ''الحلوفة'' متعددة الأزواج من ''الحلاليف'' طبعا، وبرضى الزوج ''الحلوف'' طبعا مرة أخرى، في فترة التزاوج، والتسعيرة ''تمريغة'' في ''الخزّ'' طبعا مرة على مرة أخرى، على خلاف كل الحيوانات بما فيها الحشرات، حتى أن ''أرخس'' ''ذبّانة'' ''راجل'' يقاتل دفاعا على شرف زوجته ''الذبّانة'' الأنثى، وهو ما يفسر الربا والمضاربة والنهب والسلب والفساد الذي يمارسه ''الحلوف'' الأكبر، بعد أن اتخذ من ''الحلوف'' الأصغر صديقا وعشيقا، وأسوة غير حسنة فضلا عن ''شحيحة''. ولمن يريد الزيادة في البشاعة فما عليه سوى استحضار صورة أكثر تقززا وتنجسا، إذ بنجاسة ''الحلوف'' المثالي المضاهي لنجاسة قمة نجاسة الاستعمار المثالي أيضا، علينا جميعا أن نذكّر أنفسنا إذا نسينا أو ابتدرنا النسيان، أن مثل الاستعمار الفرنسي كمثل بقايا بعرة وما أدراك ما البعرة .. بقايا بعرة نجسة في خلف أو بالأحرى في أست أنجس وأنحس و''أرخس'' حيوان .. في أست خنزير ''حلوف''. وفي الأخير ليعذرني الشاعر أحمد مطر ومحبو أحمد مطر في هذا الاقتباس الذي يصف فيه أتباع أمثال هؤلاء بأنهم ''بقايا بعرة في أست شاة''، على تحويري لها فيما خط سابقا، والفرق بين الأستين أن الأولى طاهرة جائزة للأكل والخارج منها من البعر غير نجس ولا منجس وقد يصلح استخدامه عصيرا أو ديكورا في ''التملاس''، والأست الأخرى تعرفون عنها بقية الحكاية التي هي من بقية البعرة، ولن ننسى أن من شابه أست ''الحلوف'' فما ظلم فقبحا لأستاه الاستعمار.