اكتشفنا ونحن في جولة ميدانية، داخل أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة وبالضبط ببلدية باب الوادي ب''شارع 13 محمد مزوان''، هذا الحي الذي يندهش كل من زاره، ويصاب بإحباط شديد لافتقاره لأدنى شروط الحياة. وكم كانت الفرحة كبيرة بالنسبة لسكان الحي عندما عرفوا أننا فريق من الصحافة زرناهم، مثلما قالوا لنقل جزء من معاناتهم طوال السنة، وبعدما عاينا المكان الذي كان يشبه إلى حد كبير المناطق المهجورة والمحرومة جراء الاعطاب والانهيارات والتشققات على مستوى سلالم وجدران وأسطح عمارات الحي المذكور ، دعانا السيد عريعير مبارك إلى معاينة بيته القديم داخل العمارة الحي المذكور والمشيد منذ سنوات عهد الاستعمار، يضم عددا هاما من البنايات المنكوبة والبيوت المشيدة بهندسة معمارية مميزة، قد تشد إليها حتى أحسن المعماريين نظرا لتشابك البنايات فيما بينها والطريقة الهندسية العجيبة والفريدة من نوعها التي أقيمت على شاكلتها، بل ويمتاز بها كل حي ''محمد مزوان '' رحلتنا داخل الحي شبه المهجور نظرا لتهدم بعض أجزاء سكناته ألفناها منذ الوهلة الأولى نظرا لشجاعة أطفال الحي، الذين طافوا معنا محاولين نقل معاناتهم وبطريقة جد متحضرة وبابتسامة عريضة، فأردنا أن نكون عند حسن ظنهم وهم الذين يستحمون بالماء البارد في أعز أيام الشتاء في غرفة تؤويهم للنوم فقط لا للاستحمام، نظرا لانعدام وغياب غاز المدينة من جهة وخطورة استعمال قارورات غاز البوتان من جهة ثانية . أمطار خفيفة تكفي لانهيار ما تبقى من عمارات الحي وحتى يتسنى للقارئ التعرف على الحي أكثر، تحركنا بسرعة بين البنايات لنكتشف المكان بعدما كنا قد تلقينا دعوة لزيارته من طرف بعض سكان الحي محل الحديث، وأول ما زرنا هما العمارتان ''رقم 22- 55 '' اللتان ترتكز كل واحدة منها على جدار مهدم ولم يبق سوى قطرات من الأمطار الخفيفة حسبما أكده لنا أصحاب السكنات حتى تنهار كلية هاتين العمارتين الهشتين التي رحل أصحابها وبقيت شاغرة. وهو نفس المكان الذي شهد منذ أيام خلت انهيارا خطيرا لنوافذه وتشققا ت على مستوى جدرانه مثلما أكده لنا سكان العمارة، هذه الحادثة كادت أن تؤدي بحياة عائلة بأكملها متكونة من تسعة أفراد إلى التهلكة. العمارة الشاغرة صارت وكرا للدعارة لممارسة كل أنوع الرذيلة ولقد أكدت لنا العائلات القاطنة بإحدى عمارات الحي، أن فرق المراقبة التقنية زارت المكان مرارا وتكرارا منذ فيضانات باب الوادي الفارط، وبعد زلزال بومرداس، غير أنه لا شيء تغير على ''أهل الكهف '' يذكر إلى غاية كتابة هذه الأسطر أن العائلات المذكورة زادت معاناتها حدة خاصة وأن هاته العمارة الشاغرة المحاذية لسكناتهم أضحت تسبب لهم الإزعاج بعدما استغلها بعض الشباب الطائش والمنحرف في ممارسة الأفعال اللااخلاقية والمخلة بالحياء، فصارت وكرا للدعارة مثلما قاله لنا السكان، ناهيك عن استغلاها لتربية الحيوانات الضالة من كلاب وقطط وغيرها، هذا الأمر الذي تخوفت منه كثيرا العائلات، لأن ما يحدث ليلا حطم جدار ''الحرمة'' بين الإخوة الأشقاء وأفراد العائلة الواحدة، خصوصا مع ارتفاع أصوات الشباب وضحكاتهم في أوقات متأخرة من الليل دون أدنى مراعاة واحترام حلال السكان. غرفة مهترئة لكل عائلة دخلنا العمارة لنتوجه بعد ذلك مباشرة إلى الغرف التي لاتصلح بتاتا لأن يسميها الواحد منا غرفا، فهي شبيهة إلى حد كبير بزنزانات السجن ولا شك أن مصدر البرودة والرطوبة التي تمتاز بها تلك البيوت هي الأرضية المفترشة بالاسمنت بدلا من البلاط ، ناهيك عن الغياب التام للأسقف التي حل محلها الزنك والحجر والصخور والتي انهارت معظمها وتسببت في إصابة العديد من السكان . كما أن هاته البيوت وجراء الانحراف اللامتناهي للتربة ونظرا كذلك لكيفية تشييدها تجدها مائلة بشكل ملفت للانتباه لدرجة أنك لا تستطيع النظر أو المشي فوقها بشكل عاد، أما عن عدد الأفراد الذين يشغلون أحيانا الغرفة الواحدة فهو من 6 إلى 9 أفراد، كما يضطر البعض الآخر إلى المبيت عند الجيران أو المبيت في العراء مستعملين ألواحا خشبية وقطعا بلاستكية لحماية أنفسهم من البرد فحسب. مرحاض جماعي... والنظافة مطلب صعب المنال يعاني سكان العمارتين 22 و55 أكثر ما يعانوه من غياب المراحيض الخاصة، فمرحاض واحد وجماعي يجبر الجميع على استعماله، وما يزيد الطين بلة هو أن المرحاض المذكور يتواجد فوق أرضية مهددة بالانهيار تخشى سقوطها في أية لحظة بالرغم من الترميمات، أما عن النظافة فحدث ولا حرج، كونها باتت مطلبا صعب المنال. غرف يعاد طلائها كل شهر خشية انتشار الرطوبة بغض النظر عن هشاشة البيوت وجدرانها وحتى غياب أساساتها في بعض الأحيان، يمكننا القول دون مبالغة أن ما يحاول البعض رفعه كشكوى للسلطات المحلية، لا يقارن بجناح بعوضة مقارنة بمعاناة هاته العائلات، المجتمعة أحيانا في غرفة واحدة، إذا علمنا أن القاطنين بتلك البنايات يضطرون كل شهر إلى إعادة طلاء غرفهم لتجنب الرطوبة القاتلة نظرا لقرب حي محمد مازون من واجهة البحر، ضف إلى ذلك تسرب مياه الأمطار خلال موسم الشتاء، إلى الغرف ما يجبر السكان على استعمال عدد كبير من الافرشة الصوفية حتى تتمكن من امتصاص المياه المتسربة وكذا وضع عدد من الدلاء فوق أثاث منازلهم لحمايتها من التبلل. "بريكولاج '' في عمليات الترميم ... السلطات تتهم السكان بعد العرض الجزئي لمعاناة سكان حي ''محمد مزوان'' بباب الوادي وبالأخص سكان العمارتين 22 و 55 جمعتنا بالسكان جلسة حميمية قدمت لنا من خلالها الوضعية القانونية للقاطنين، ومدى اهتمام السلطات المحلية لكل من بلدية باب الوادي وكذا الدائرة الإدارية لباب الوادي، فالتمسنا تناقضا ملحوظا كون أن جل المسؤولين المحليين الذين زاروا الحي المذكور أكدوا أن الطريقة التي يقوم بها السكان بترميم منازلهم غير منطقية أو معقولة، مؤكدين أن السكان هم الملام الأول والأخير فيما يحدث . كما أكدت مصادر مقربة من المصالح التقنية للبلدية أن البنايات المذكورة مصنفة ضمن الخانة الحمراء كونها منطقة منكوبة ولا يجوز أن يقوم السكان بإعادة ترميمها أو إصلاحها لأن ذلك حسب ذات المصادر بمثابة الموت المحقق ما يعني أن البيوت لاتصلح أصلا للسكن . غير أن ما يضاعف من معاناة السكان هو أن السلطات ذاتها تماطلت كثيرا في ترحيلهم إلى سكنات اجتماعية لائقة، وقد تحصلنا على نسخة من بعض الوثائق التي قدمتها لنا من طرف كل من عائلة عريعير مبارك، وعائلة ساحي، وعائلة حجاب القاطنة بذات الحي الصادرة في عام 1996 تؤكد أن هاته السكنات غير صالحة للسكن وخطر الانهيار يتهددهم في أية لحظة . مسؤولية العائلات بحجم المعاناة عريعير مبارك متزوج وأب ل 7 أطفال يسكن في غرفتين يقطنون بها منذ زمن تشييدها خلال العهد الاستعمار الفرنسي، واحدة تحتوي على مطعم مساحته بالضبط 1 متر على 3 أمتار، الماء يتسرب إليها من معظم أرجائه مع غياب الإنارة فيه، وينامون بالتناوب وفي بعض الأحيان عند العائلة المجاورة لهم يستعملون مرحاضا مشتركا، عريعير مبارك بدون عمل قار منذ زمن بعيد، لكنه يبحث جاهدا عن لقمة عيش أبنائه بالحلال، غير أنه يضطر في بعض الأحيان إلى الاستقرار في المنزل بطلب من الزوجة المريضة أو الأبناء، كونهم يتخوفون من أن يحل بهم ما حل بعمارة باب الوادي التي انهارت عن أخرها الأشهر الفارطة، وحسبما أكدته الوثائق الطبية التي عايناها فإن العائلة بأكملها تشكو من مرض الربو كما أنها قد تكون أولى ضحايا الانهيار لا قدر الله. أما عائلة ساحي ليلى الأم العجوز التي رحل عنها زوجها للأبد، فعائلتها المتكونة من فردين تعيش في غرفة واحدة والتي يعود تشييدها إلى فترة الاستعمار بدورها، حالتها النفسية مزرية إلى درجة أنها لم تستطع التحدث إلينا سوى ابنتها التي أعربت لنا عن كل أوجاعها التي طال أمدها بسبب لا مبالاة السلطات المحلية.كما أن عائلة حجاب العائلة الثالثة القاطنة بنفس العمارة، ومتكونة من 6 أفراد، تقطن بغرفتين بهما مطبخ ذو مترين على 3 أمتار يتسرب إليها الماء من معظم أرجائه، وعن عائلة حجاج محمد بائع الأثاث القديم في محل يقع بأسفل السكنات، ونور الدين صاحب محل الخياطة فهما يزاولان تجارتهما في ربع غرفة مهددة بالانهيار، وبالرغم من ترميمات ''البريكولاج'' في كل مرة على حد قولهم إلا أنهم يخشون من انهيار هاته السكنات فوق رؤسهم في أية لحظة، خاصة العمارة الشاغرة التي تم ترحيل عائلاتها منذ حوالي سنة، والتي لم تهدم بعد، هاته الأخيرة التي زادتهم رعبا كونها تحاذي محلاتهم. المسؤولون في تهرب دائم .. ''إلى متى سيبقى هذا الوضع" كما اكد لنا السكان المتضررون من هذا الوضع أنهم راسلوا عدة مرات سلطات بلدية باب الوادي، للنظر في وضعيتهم إلا أن مسؤلو البلدية أكدوا أن هاته العمارة الشاغرة غير تابعة لهم، وإنما تابعة لمصالح " لوبيجي''، الذين بدورهم أيضا برؤوا أنفسهم من المسؤولية، مؤكدين أن العمارة محل الحديث غير تابعة لمصالحهم وإنما تابعة إداريا لمصالح ولاية الجزائر . "هذا هو مصيرنا ونحن في ذهاب وإياب بين الحي والبلدية لنزور '' المير''، لكن إلى متى سيبقى هذا الوضع''، عبارة تكررت على ألسنة جميع العائلات المتضررة . العائلات بحاجة إلىلم تشأ العائلات أن تضيف شيئا عما شاهدنه، سوى توجيهها رسالة مستعجلة إلى جميع السلطات المعنية التي كانت قد وقفت من قبل حسب على خطورة الوضع الذي تواجهه العائلات بحي ''محمد مزوان'' دون أن تحرك ساكنا، لذلك فقد أكدت العائلات أنها تحضر لاحتجاج صغير أو اعتصام بالقرب من دار البلدية المعنية التي تماطلت كثيرا في ترحيلهم إلى سكنات أخرى، على الرغم من أن العمارتان السابق ذكرهما مصنفتان ضمن الخانة الحمراء، ما يعني عند التقنيين المختصين في مجال الترميم والبناء أنها غير صالحة تماما للسكن، وبما أن الوثائق تثبت ذلك، فان العائلات على أتم الاستعداد للاعتصام وبطريقة سلمية مثلما أضافوا أمام البلدية قبل أن تنهار العمارتان، محملين المسؤولية التامة في حالة حدوث أي مكروه للسلطات المحلية التي لم تقدر الوضع الكارثي الذي تتخبط فيه العائلات الخمس، خصوصا وأن العائلات بحاجة فعلا إلى مخطط عمل استعجالي في إطار القضاء على السكنات الهشة بالعاصمة من قبل مصالح بلدية باب الوادي والدائرة الإدارية لباب الوادي أو حتى ولاية الجزائر العاصمة.