أثروا عن العرب العاربة قديما أنهم كانوا أهل لسن وجدل، ومما برعوا فيه من الصناعات صنعة الكلام والبلاغة التي ''بدعوا'' فيها أيما تبديع، حتى كان من جنس ما تحداهم به مولاهم أن أعجزهم بقرآن هو الغاية في البلاغة والفصاحة، وننكر على من يدعي أن العرب ظاهرة صوتية وفقط، منتقصا بذلك من أقدارهم، وموهما أن الكلام لا يقدم ولا يؤخر في حركة الحياة شيئا يذكر، إذ الكلام يعد الديباجة لأي حضارة وأي تقدم. ومن زعم غير هذا فليأتنا بحضارة بلغت ما بلغت دون الاستناد إلى كلام يؤثر شفاها أو تسود به بيض الصحائف، وحق ما ضربوه مثلا شاع وذاع لما قيل ''المرء بأصغريه قلبه ولسانه''، وكم من كلمة أشعلت حروبا ومثلها أو أقل أطفأتها، وعظم الكلمة وشدة تأثيرها تأتي من صدق الناطق بها وإيمانه بما يقول، وقد تأتي من المركز الحساس الذي يتسنمه الشخص، وعايشنا في عهدنا هذا شخصا كان بزمامه قياد العالم، لكن فاته قيادة لسانه ليمنعه من زلات تفوه بها فكانت سببا في إشعال حروب دمرت وشردت وقتلت الملايين، ولا أدري لو لم يكن من ورائه مؤسسات سياسية ومستشارون بعدد فلتات لسانه وزلات بيانه كيف كان مصير العالم، وقد كنا سمعنا ما زل به لسانه من زعمه أن الحرب القادمة هي حرب صليبية، بين العالمين الغربي والشرقي، لكن ما علمنا أن له اهتمامات أخرى ولديه تتبع مريب لجزئيات وتفاصيل قد تغيب عن ''الحيطيست'' القابع ينظر الغاديات والرائحات ليتفوه في حقهن بما وسع القاموس المهذب عنده، ليصف حريم غريمه السابق بما يستحيي أن يصف به ''الكيلو'' امرأة بغيا في شوارع بانكوك ، وكأنه يتحدث عن البطيخ بنوعيه الأحمر والأصفر. ولا أكثر الله من زلاته وزلات من خلفه، وإلا أذقنا ويلات السعير، جراء فلتات لسان ''البوش'' الكبير والصغير، وكفانا الله نظرات من قبيل النظرات إلى من لا حرمة لها من الحريم.