''لا تحاكونا ولا نحاكيكم حتى نتأهل للمونديال'' لم نجد طريقة للتعبير عما يختلج في صدور بعض الجزائريين من مشاعر تجاه المصرين هذه الأيام ''المشحونة'' في ظل انتظار نتيجة المباراة التي ستدور رحاها بين الفريقين، السبت المقبل، سوى تقمص شخصية المصري أو بالأحرى المصرية والتجول في شوارع العاصمة، والحديث بلهجة ناس أم الدنيا، أردنا من خلال هذا الأمر أن نعرف كيف يمكن أن يتعامل الجزائري مع شقيقه المصري في وقت لم تترك مباراة كرة القدم مجالا إلا اتخذت ميدانا لتطاحن مزعوم خاصة بعد الدور السيئ الذي أدته بعض الفضائيات المصرية مما ترك الانطباع السيئ عند الكثير ممن الجزائريين. بلهجة مصرية اكتسبناها منذ زمن من خلال مشاهدتنا لمسلسلات الدراما والسينما المصرية خرجنا إلى أحد الأحياء العاصمية الأكثر شعبية، أردنا معرفة حقيقة ذكر كلمة مصر وكل ما يتعلق بهذا البلد في مثل هذه الأيام. الانطلاقة كانت من حي باش جراح الشعبي ففي حدود الساعة الثالثة مساء حيث يكتظ السوق الشعبي بمختلف شرائح المجتمع كانت البداية صعبة علينا خاصة عند التكلم بهذه اللهجة في مثل هذه الظروف، وفي مثل هذا الوقت بالذات صادفتنا أمور كانت صعبة. لكن بين هذا وذاك اكتشفنا أيضا أنه مهما يكن فبعد المباراة ومهما كانت النتيجة فالمياه ستعود إلى مجاريها، كما أكده أحد الشباب وهو في قمة الغضب والتوتر من المصريين. ''لا تبيعوننا ولا نبيعكم.. لا نتزوج منكم ولا تتزوجون منا'' عندما نطقنا بأول جملة مصرية التي كانت ''والنبي لازم تسرعي يا أختي عشان نلحق نروّح''، لاحظنا جميع الملتفين بنا في السوق ينظرون إلينا باستغراب واندهاش، الكل كان يريد معرفة من اللتين تتكلمان باللهجة المصرية في مثل هذا الوقت. تركنا الملتفين وواصلنا المسير وسط الزحام تاركين الجماعة السابقة غارقة في ذهولها وتنظر إلينا باندهاش. واصلنا الحديث بنفس الوتيرة، غير أنه وفي هذه المرة همس احد الشباب لصديقه وأشار بأصبعه الينا، وبقيا ينظران الينا باستغراب دون أن ينطقا ببنت شفة، لكنهما ظلا يحدقان فينا وواصلا تمتمتهما وهما واقفين ينظران إلينا. تابعنا طريقنا ودخلنا إلى أحد ''البازارات'' المجاورة للسوق في المنطقة، وبعد أن تجولنا في البازار الذي نحفظ أروقته عن ظهر قلب، وعندما هممنا بالصعود إلى الطابق الموالي عن طريق المصعد الكهربائي ونحن دائما نتكلم بنفس اللهجة المصرية شدنا حديث سيدتين كانتا أمامنا، توقفتا فجأة وأخذتا تحدقان فينا باستغراب لكننا أردنا التكلم معهما غير أننا لم نجد الطريق أمامنا فاكتفت إحداهما بالقول ''ما نفهمش يا بنتي كلامك''. وبعد وصولنا إلى الطابق الموالي تركنا السيدتين وقالت إحداها للأخرى ''شفتي حتى في بلادنا واحبو يستعمرونا''. واصلنا جولتنا في البازار وتقدمنا من أحد باعة الألبسة النسائية وسألناه عن ثمن أحد القمصان بنفس اللهجة ''بكم داه يا خويا'' فقال لنا مستعجبا ''أنتوما مصريتان'' وماكان علينا إلا تأكيد ذلك بالقول ''إنت بتشك في مصريتنا'' عندئذ شعرنا بانزعاجه لوجودنا أمامه وقال ''لا نبيع للمصريات ولا تشتروا منا ولا نتزوج منهم ولا يتزوجون منا، وإذا أرادوا الشراء عليهم الذهاب إلى مصر''. وإن كان كلامه إلينا يؤكد أنه يحاول إزعاجنا لا غير حتى أنه ابتسم إلينا ليوضح إلينا أنه يحاول استفزاز مشاعرنا كمصريات لا غير، أردنا بعد ذلك أن نلطف الجو فقلنا له ''ليش عشان إحنا مش جزائريات يعني''، فأجاب قائلا ''نهار نربحوكم نبيعولكم''، لكننا في محاولة منا لتلطيف الجو قلنا له ''أحنا نديكم الماتش وبيعنا اللباس'' عندها ابتسم وقال هكذا ''أديو باطل''. حراميتان في بازار باش جراح تركنا هذا البائع الذي لا يتجاوز سنه الثلاثين وهو يبتسم ، وواصلنا جولتنا في البازار. هذه المرة حاولنا الاحتكاك بالنساء فتعمدنا التكلم بصوت مرتفع أمام مجموعة من النسوة فكانت النتيجة أن صمتن جميعهن وحدقن فينا أيما تحديق دون أن ينطقن بكلمة واحدة، غير أن إحداهن قالت لصديقتها التي كانت تبعدها بأحد الأمتار ''حراميتان في باش جراح'' وهي تشير إلينا. وفي هذه الأثناء مر بجانبا رجل وهو يحمل ابنته، لكن حسبما لاحظناه أن أذنيه لم تصدقا الأمر، فما كاد يخطو خطوات بسيطة حتى عاد أدراجه للتأكد من هذا الأمر أمر ''المصريتين في البازار''، وكان له ما أراد حيث واصلنا الكلام أمامه وأحسسنا حينها أنه يريد أن يتكلم معنا لكنه بعد برهة قليلة غادر المكان وهو يحرك رأسه إلى الخلف، ولو سمعنا تمتماته لكان لسان حاله يقول''كيف لهاتين السيدتين أن تغامرا وتتحدثا بصوت مرتفع في وقت أصبحت كلمة ''مصري'' تعني الكثير الكثير في الجزائر خاصة قبيل أيام تفصلنا عن لقاء الجزائر مصر''. ''الفرار السبيل الوحيد للنجاة من مجموعة من الشباب'' عندما هممنا بالخروج من ''البازار'' سألنا أحد الشباب الذي كان يبيع بالقرب من طاولته الخمارات فسألناه عن ثمنها بلهجة مصرية قوية، في محاولة منا لمعرفة ردة فعله، في البداية لم يتخيل ذلك البائع أننا مصريات وقال لنا ''الماتش تاع مصر هبلكم''، لكننا واصلنا الحديث وأكدنا له أننا مصريات بالفعل فلم يتمالك نفسه ونادى على أصحابه الذين كانوا في الجهة المقابلة''لطاولته'' وقال: ''أرواحوا همليك المصريات'' لكننا قلنا له ''والنبي ماتفضحناش أرجوك''، لكنه ورغم توسلاتنا واصل قائلا ''جيتو برجليكم عندنا ''، وتركناه يشير بأصبعه إلى أصحابه الذي كانوا ينوون أن يشفوا غليلهم خاصة وأنهم لم يجدوا المتنفس للرد على تلك الدكاكين من القنوات المصرية. وعندها شعرنا بالخطر، غادرنا مسرعتين البازار دون الالتفات إلى الوراء خوفا من التعرض إلى الشتم أو لأمور أخرى لا تحمد عقباها ، لكننا كنا متيقنتين أن الأمر لا يعدو استفزازا أوليا أو محاولة اكتشاف قد تنتهي سمنا على عسل. مصري أو ''شنوي'' بالنسبة للطلبة الأمر سيان بعيدا عن باش جراج وفي قلب العاصمة انطلاقا من شارع عميروش وصولا إلى ديدوش مراد مرورا بساحة ''أودان'' القلب النابض للعاصمة، اخترقنا هذا الصمت الذي يوحي بالهدوء الذي يسبق العاصفة بعد لقاء مصر كانت النتيجة ايجابية أو سلبية، وأردنا أن تكون اللهجة المصرية أولى تلك الاختراقات. توقفنا أمام الجامعة المركزية وأخذنا نتحدث جهرا أمام الطلبة ولم نلمس منهم الاهتمام الكبير الذي أبداه سكان باش جراح، ما حدث أمام الجامعة هو أننا تلقينا وابلا من النظرات الحادة فقط لكن سرعان ما تزول ربما كون الطلبة ألفوا مختلف الجنسيات الإفريقية التي تدرس معهم، أو لوعيهم بأن كرة القدم لا تشعل العداوة بين الشعبين، وقد جاء استنتاجنا من كلام أحد الطلبة الذي أكد وهو يرد على زميله الذي أشار إلينا بأصبعه قائلا ''مصري ولا شنوي كيف كيف، أنا أفضل المصاروة على الشناوة اللي غزاونا''. ليلى علوي تسجل هدفا في النفق الجامعي غادرنا الجامعة المركزية ودخلنا إلى نفق الجامعة الذي يعج بالمشترين والبائعين والمتجولين في آن واحد، مما أثار انتباهنا هناك هو الاكتفاء بالنظر والهمس واللمز دون التكلم معنا أو حتى الإمعان فينا كما كان الحال في باش جراح، غير أنه من بين الطرائف التي صادفتنا تعليقات من قبل الباعة الذين في كل مرة يسمعون اللهجة المصرية ينادوننا بليلى علوي، مثل ما قال لنا أحد الباعة ''واقيلا راكم حاسبين تروحو للمونديال عندما تسجل ليلى علوي هدفا.. سنسحقكم في أم الدنيا'' ورد عليه شاب في الجهة المقابلة ''بالاك آو جاي هدف ليلى علوي'' غير أننا في كل مرة كنا نرد بابتسامة عريضة وخطى سريعة مبتعدتين عن ذلك المكان حتى لا ينكشف أمرنا. أمضينا حوالي الساعة ونحن نجوب شوارع العاصمة وفي الأخير لم نستطع إكمال المسرحية لأن اللهجة الجزائرية سرعان ما حنت إلى حناجرنا، وبعدها أطلقنا العنان لأصواتنا تتكلم بجزائرية محضة، وحينها فقط أحسسنا أن أرواحنا قد عادت إلينا بعد مسرحية كشفت أن الأمر لا يعدو كونه انفعالا طبيعيا لا يخرج عن نطاق المناصرة في كرة القدم، لتعود المياه إلى مجاريها.