أحبّ أن أبدأ دائما من البداية، على عكس الذين يغالطون الناس ويخادعون الحق، فيلبسونه بالباطل، بما يشبع غرائزهم السياسية أو غيرها من الغرائز الحداثية المعاصرة، وأسأل كغيري من الأخلاقيين والمثاليين، لماذا سارع الإتحاد الدولي لكرة القدم '' فيفا '' إلى تغريم الاتحادية الجزائرية ''الفاف''، مباشرة بعد نهاية مقابلة الذهاب بين الجزائر ومصر في جوان، بمجرّد أن رفعت الاتحادية المصرية شكواها من إشعال جماهير المنتخب الجزائري للألعاب النارية في مدرجات ملعب الشهيد مصطفى تشاكر بمدينة البليدة، ولم تتصرّف الفيفا بنفس المكيال مع الجماهير المصرية التي أشعلت ذات الألعاب النارية في ملعب القاهرة أثناء مقابلة العودة؟ هذا سؤال البداية. أما السؤال الثاني، لماذا لم تعاقب ''الفيفا'' - حتى اليوم - مصر على اعتداء جماهيرها وأمنها على حافلة ولاعبي المنتخب الجزائري يوم 12 نوفمبر، رغم أن دماء الجزائريين سالت و''الطوب'' الذي انهال على البعثة الجزائرية شاهده العالم أجمع، وتناقلته كبريات الفضائيات التلفزيونية العربية منها والغربية؟ أما السؤال الثالث فيتعلّق بمدى مصداقية قوانين هذا الاتحاد الدولي ودفاعه عن شرف كرة القدم في ملاعب العالم. يدرك الجميع من الملاحظين العالميين، أن تأخر الفيفا في تسليط أقسى العقوبات على مصر، أفرز ظاهرة الاعتداء على حافلات المنتخبات والأندية، فبمجرد عدم التدخل الصارم لحماية قوانين اللعبة الأكثر شعبية في العالم، شاهد جماهير ومتتبعي الرياضة كيف تعرضت حافلة إحدى النوادي الألمانية إلى اعتداء على حافلة فريق منافس في البطولة الألمانية، وجاء ذلك بعد انتظار أسبوعين عن حادثة اعتداء مصر فوق أراضيها على الوفد الجزائري، فما كان لتخاذل الفيفا إلا هذا الإفراز السلبي والخطير على أمن هذه الرياضة، ليمتد إلى الكثير من الملاعب، آخرها كان البطولة المصرية ذاتها، عندما رشقت جماهير نادي الإسماعيلية حافلة نادي الأهلي ''بالطوب''، في لقاء حضره نجل الرئيس المصري علاء مبارك وجرى يوم السبت 12 ديسمبر. من هذه البداية، أصبح حقّ التساؤل مشروعا، من حيث القول أن الإتحاد الدولي لكرة القدم، وضع نفسه في ورطة ألاعيب السياسة ومخططات رجال المخابرات، على حساب نزاهة الرياضة في العالم، فيبدو أنه وجد نفسه في ورطة جهاز مخابرات حسني مبارك، الذي مازال يعمل على تمييع قضية العدوان اللاأخلاقي على رياضة كرة القدم، لأنه أراد استعمالها في حساباته السياسية والانتخابية القادمة في مصر، على حساب عدة قضايا أخرى، منها الاجتماعية الداخلية التي تهدّد سلطة آل مبارك وزبانيته، ومنها سمعة مصر الخارجية، التي خطّطت منذ البداية إلى ترويج الصورة الفوتوغرافية المفبركة، عن أحداث وهمية، لا ترقى إلى اليقين، خلال مقابلة الفصل التي احتملتها دولة السودان على أراضيها ونجحت - إلى حدّ بعيد - في كشف سيناريوهات مصرية، أرادت تحميل السودان ما لا يطيق، في مقابلة رياضية، تحوّلت بفعل أوامر سلطوية مصرية، إلى مقابلة سياسية، لها حساباتها بالنسبة لأصحابها الذين تنتظرهم انتخابات رئاسية، يتصارع فيها '' التغيير'' مع ''التوريث''. إلى هنا، تكون ''الأهواء السياسة''، التي حشرت نفسها في إفساد معاني الرياضة، في التعارف والتقريب بين الشعوب - كما تنص عليه مواثيق الأممالمتحدة - قد ارتكبت حماقات، ربما تمتد مستقبلا إلى كل ملاعب العالم، وتنشر سموم الكراهية بين الشعوب، في حالة ما لم يسارع خبراء الرياضة ورجال قوانينها إلى الفطنة وفرض سلطة القانون على هذه الرياضة الشعبية، ومن ثمة إبعادها عن كل الأطماع والأهواء السياسية لرجالات السياسة، سيما في الأنظمة الاستبدادية، التي غالبا ما تستغلّ عواطف الجماهير، لتتسلّق هرم السلطة، أو تخلد فيها إلى يوم الدّين. ما يؤكّد ما أقول هو صمت '' الفيفا '' التي يظهر أنها تتخبّط في ورطة خطيرة، بفعل الضغوطات الخارجية المتصاعدة، من أجل ثنيها عن معاقبة مصر وإقصائها من المنافسات الرسمية، وهو ما أكده الأمين العام لهذا الاتحاد الدولي لكرة القدم عندما قال على هامش قرعة المونديال في مدينة كايب تاون الجنوب افريقية ''إن ملف مبارة مصر والجزائر فيه تعقيدات، تحتاج إلى وقت، لا يقل عن شهرين، ليكون الحكم النهائي على الأحداث''، وهو التصريح الذي يتضمّن عدة رسائل مشفّرة، قد ينجح كوادر الفيفا في حل طلاسمها، وينقذ كرة القدم، كما قد يفشل وتكون الغلبة للطلاسم الأمنية والاستخباراتية، التي وظفتها مصر وشرعت في تنفيذها مباشرة بعد انتهاء مقابلة الجزائر ورواندا التي سبقت لقاء العودة المشؤوم بين المنتخبين في القاهرة . وكما هو واضح للملاحظين الحياديين، فإن ما يهم مصر بعد خسارة منتخبها في ملعب الخرطوم السوداني يوم 18 نوفمبر، هو كسب معركة تلطيخ سمعة الجزائر ونقل الاتهامات التي وجهها العام والخاص في العالم إلى مصر، لعدم قدرتها على احترام قوانين اللعبة التي تحكم الجميع، وبالتالي تقديم الجزائر، التي هي ضحية اعتداء في القاهرة، إلى صفة كبش فداء، تريد السلطة الحاكمة في مصر النجاح فيه، وهو ما تعمل له أجهزتها من خلال تنظيم ندوة صحفية عالمية، سينشطها أحد أبرز المتورطين في هذا ''السيناريو المصري'' وهو رئيس اتحاد الكرة الشيخ المترهّل سمير زاهر، حتى يقنع المصريين ببراءته وبراءة عصبته وحاكمه السياسي وابنيه جمال وعلاء وكل من سار ويسير في فلكهم، أن إقصاءهم من حضور أكبر محفل كروي في الكون، سببه الجزائر، وبالتالي يضرب عصفورين أو ثلاثة عصافير بحجر واحد. يبقى أن أصل إلى النهاية الآن، بالتركيز على ما تبقى من إرث العلاقات التاريخية بين شعبين عربيين، بذل جمال عبد الناصر والصالحين في مصر والجزائر على تنميته، منذ عقود من الزمن، ليخرج علينا اليوم من استطاع في مصر حسني مبارك أن يجعل من صفوة المجتمع المصري، من محامين وكتاب وفنانين ومفكرين ومسؤولين ورسميين، مجرّد قطيع يطعن في أصول الشعوب الأخرى ويمنّ عليها بالأذى ويحرق رايتهم السيادية وينتهك رموز تاريخهم الثوري، من أجل الحفاظ على ذلك الكرسي العالي، رغم أنف الجميع، في ظل انشغال إسرائيل ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانية والتوسعية على أرض فلسطين ، فهل فعلا الإتحاد الدولي لكرة القدم، هيئة رياضية سيادية، تحمل بذور الخير للشعوب، من خلال الرياضة، أم أن هناك ''يد حمراء'' فوق الجميع؟ ذلك هو سؤال الامتحان الذي سيجيب عنه السويسري جوزيف بلاتير، في فبراير القادم .