عندما ينتفض عشرات المثقفين العرب ويصرخون عاليا في وجه الواقع الثقافي المأزوم بكائنات غريبة، ويطالبون بضرورة نزع جائزة البوكر العربية من الروائي والمؤرخ المصري يوسف زيدان وسحبها منه وهي الجائزة التي كان قد فاز بها في دورتها الثانية عن روايته ''عزازيل'' بسبب ما ارتكبه من حماقات وانزلاقات وتصريحات خطيرة محملة بكل الروائح العكرة والنتنة بالحقد والغل والعنصرية والاستصغار والاحتقار للجزائر حكومة وشعبا وتاريخا، على الرغم من أن حكومة الجزائر وشعبها وتاريخها أكبر من مهاترات هذا الذي قالت عنه كاتبة من موطنه ''هل يهاجم يوسف زيدان دولة الإمارات وشعبها وتاريخها بما أنها صحراء كما يدعي زورا وبهتانا على الجزائر ويملك معها هي الأخرى ذكريات أو أنه لا يتجرأ نظرا لما يتقاضاه من مبالغ مالية وهدايا يتصدق بها عليه الملوك والأمراء هناك''، وأكبر أيضا أي جزائرنا الحبيبة والعظيمة من خزعبلات القنوات القذرة والمنابر العفنة التي تحتضن من مثل هكذا براز يشعرني بالغثيان والقياء. والغريب في غباء الروائي والمتخصص في الكتابة عن التصوف الذي هو بريء منه براءة الجزائريين من أحداث السودان المزعومة، وأيضا في أمر هذا المشكوك في ''عزازيله'' أنه وحتى الجغرافيا الجزائرية لم تسلم من فحيحه وراح يهاجمها بكل ما أوتي من قوة السب والشتم عبر عديد المنابر ولعل أخطرها ذاك المقال الذي عنونه ب ''ذكريات جزائرية'' على صفحات جريدة ''المصري اليوم'' بلغة شوفينية متضمنة معلومات خاطئة، وكأن هذا الزيدان لا ينتمي لكوكبنا وعصرنا. وكنت قد وجدت قمامته في بريدي الالكتروني بعد إرساله لي من طرف صحافية مصرية نكاية وردا على مقال كنت قد كتبته واحتضنه هذا الصفيح المتواضع الذي أخذله أحيانا وانشغل عنه بسبب ظروف خارجة عن نطاق إرادتي، عقب ملحمة أم درمان الشاهدة على دفن عهد موبوء بشتى الاختلالات والنفاق، وافتضاح صنم كم مجدناه على حد تعبير الشاعر السوري الكبير الراحل عمر أبو ريشة.. أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم ويلي من بعد تلك الصرخات التي بلغ صيتها حدودا لا حاجز لها موقف المفكر اللبناني الكبير علي حرب الذي دعم الأصوات المطالبة وقالها صراحة ''يجب أن تسحب الجائزة من شخص يحرض على العنصرية والغوغائية ويحمل من الحقد لدولة الجزائر وشعبها ما يندى له الجبين''. حديث عن تناقض بين''عزازيل'' وكاتبها.. وتساؤل عن موت اتحاد الكتاب الجزائريين وعلى الرغم من أن المكتوب في ''عزازيل'' لا علاقة له بأخلاق هذا الكاتب، ومنه أرى من واجبنا نحن الجزائريين أن نقف برهة ونتأمل في مثل هذه الخطوات التي تنم عن وجود عقول ومواقف شريفة ومشرفة، كما تستوجب علينا هذه المبادرات الصادقة والمستجدات في راهننا أن نتساءل وبحزم أين الكتاب ال 850 الذين شاركوا قبل أيام قليلة في تجديد عهدة رئاسية جديدة للشاعر يوسف شقرة على رأس اتحاد الكتاب الجزائريين مع احترامي لكل واحد منهم، واعتذاري للبعض من قرأت لهم مقالات تدافع عن الجزائر، لكن أين المواقف الجادة التي كان من المفروض أن تصدر عن هيئة مثل اتحاد الكتاب الجزائريين أو المنتمين إليه على غرار تلك الاتحادات والنقابات المصرية التي وقفت بشراسة ضدنا، وهنا أعود دائما لذات الشاعر واستدل بما قاله قبل خمس وسبعين سنة.. لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم يوسف زيدان ليس لاعب كرة قدم قد يؤاخذني البعض، ويقول البعض الآخر إن الأمور تتعلق بمقابلة كروية لا علاقة للثقافة بها، لكن واقع الحال بل الحقيقة أن الأمور تجاوزت من طرف المنتمين إلى أرض مصر كل المنطق ولم يتركونا بسلام، وبالسير وفق هذه النظرة، لماذا إذن يتكلم المثقفون العرب بدلا عنا وما دخل البوكر العربية في مقابلة كروية إذا سرنا مع هذا الزعم؟.. وهل مفكر مثل علي حرب وأكاديمي مثل خالد الحروب وروائي مقتدر مثل أمين الزاوي وغيرهم من الذي صدحوا عاليا بكلمة الحق.. مخطئون.. وهل يوسف زيدان لاعب كرة قدم أو معلق رياضي..؟ استنفار مصري مقابل موت اتحاد الكتاب الجزائريين إكلينيكيا الجميع يدركون أن المصريين لم يتركوا وترا إلا ولعبوا عليه من أجل تشويه صورة الجزائر، واستعملوا في تنفيذ مهمتهم القذرة كل ما استطاعوا توفيره، مسخرين ميكانيكا إعلاميا ضخما لدفع وتيرة الظلم والعدوان اتجاه كل ما يتعلق بالجزائر، ولم أكن لأكتب إلا من شدة الغيض الذي يتملكني كلما ساقتني الأقدار إلى شارع ديدوش مراد ومررت بجانب مقر اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يبدو عليه الدخول في دائرة الموت الإكلينيكي ولاشيء يدل على أن هناك فعلا هيئة أدبية جددت قاعدة قيادتها منذ أيام قليلة فقط. مصر والبوكر العربية وبالعودة إلى ''عزازيل'' أقول إنها عمل إبداعي قيم ورائع يندرج ضمن الرواية التاريخية حيث بحثت هذه الرواية في تاريخ الديانة المسيحية وتناولت فترة حرجة بالنسبة لها تعود إلى القرن الخامس ميلادي، أما كاتبها يوسف زيدان فلا أقول عنه شيئا وسأكتفي بالتذكير بحادثة تسليمه جائزة البوكر، حيث صعد إلى المنصة عندما دعي من طرف الهيئة المشرفة ولما منحت له الكلمة تصوروا ماذا قال دون أي مقدمات ولا حتى بعض عبارات الأدب واللباقة اتجاه أصحاب الجائزة والكتاب الذين نافسوه بأعمال لا تقل قيمة عن عمله.. ''عزازيل أخبرني أنني سأفوز'' هكذا قالها بكل استعلاء مما تسبب موقفه هذا في خروج الكثير من الحضور الذين اعتبروا الأمر إهانة. وبعد هذه الحادثة التي تظهر بوضوح أخلاق كاتبنا، سأنتقل إلى جزء مهم أو غامض يكتنف الجائزة ومقاييس النجاح فيها، وكما هو معلوم فقد فاز بالجائزة خلال دورتها الأولى الروائي المصري بهاء طاهر، وفي دورتها الثانية أيضا صديقنا المصري الذي كنت أتحدث عنه قبل قليل، وهما الاثنان متبنيان من طرف دار نشر واحدة هي ''الشروق المصرية'' لإبراهيم المعلم الذي هو واحد من لجنة الأمناء في الجائزة. عزازيل''جهل بالتاريخ'' أم ''تزوير للتاريخ'' طبعا هذا العنوان ليس لي، إنما لقمص وكاهن مسيحي بكنيسة العذراء يدعى عبد المسيح بسيط، كان قد وضعه عنوانا رئيسيا على محاضرة كبيرة كتبها عقب نشر ''عزازيل'' هذه الرواية التي أثارت جدلا وغضب الأقباط المسيحيين، والذين اعتبروها مساسا بمقدساتهم وبأنها بحث لا يتسم بالمصداقية، وكان أستاذ اللاهوت الدفاعي بالكنيسة الاكليريكية عبد المسيح قد أطلق العنان لمحاضرته بعديد المنابر بما فيها القنوات الفضائية التي استضافته وصرح من خلالها بالأخطاء التي تضمنتها ''عزازيل'' بل وراح يؤكد على أنه سيعمل المستحيل من أجل دحض مزاعم يوسف زيدان الذي لم يعط الأمر أهمية وبلغة استعلائية كعادته قال ''عليكم بقراءة الرواية بعمق، وإذا لم تستطيعوا فاتركوها''. هل فعلا ''عزازيل'' هي نفسها ''هايبيشيا'' المفاجأة في القنبلة التي فجرها عبد المسيح حين كشف عن أن الرواية مأخوذة ومقتبسة أو بالأحرى مسروقة ومنقولة حرفيا من رواية للعالم والمؤرخ الإنجليزي تشارلز كينجز، والتي ترجمت قبل خمسة عقود إلى العربية وعنوانها ''هايبيشيا'' وأضاف المتحدث بلغة الواثق ''ومن لم يصدق عليه بقراءة الروايتين اللتين لا فرق بينهما في الفكرة وفي سرد الأحداث. هل يوسف زيدان ملحد؟.. وفي خضم موجة الجدل التي أعقبت إصدار رواية ''عزازيل'' أطلق عبد المسيح بسيط حكما على يوسف زيدان مفاده، أنه ''شخص ملحد ولا ديني'' مما أثار غضب هذا الأخير وهدد بمقاضاة الكاهن، ولا يهمنا نحن في هذا الأمر شيء سوى أن نلتفت لدعوات إخواننا من المثقفين العرب والجزائريين على غرار الروائي والكاتب الصحفي الخير شوار الذي كتب وقال ما معناه ''يوسف زيدان يجب متابعته بجناية وليس منحه جائزة'' ولعله الرأي الذي يختصر كل كلماتي.