رغم أن وزير الخارجية الفرنسي ''اضطر'' إلى تأجيل زيارته إلى الجزائر إلى شهر فيفري الداخل، وهذا بعد أن رفضت الجزائر استقباله في رد واضح على إدراجها ضمن قائمة الدول الخطيرة، ورغم أن الجواب الجزائري كان واضحا بعد أن أكدت الجزائر على لسان وزير الخارجية مراد مدلسي أنه لا قبول لإهانة الجزائريين، ورغم أن واشنطن سارعت إلى محاولة ''احتواء ''غضب'' الجزائر من خلال مكالمة هاتفية أجرتها هيلاري كلينتون مع مدلسي تناولت فيها أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك لاسيما الشروط والإجراءات التي من شأنها ترقية العلاقات الثنائية أكثر بين البلدين، إلا أن باريس لحد الساعة وبعد توجيه رسائل من قبل الخارجية عن طريق الوزير مدلسي تلتزم الصمت ''المدهش'' إزاء هذا الأمر. ويأتي إلغاء الجزائر زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أكثر من مجرد حدث سياسي عابر، خاصة وأن الجزائر كانت قد ألغت نهاية السنة المنصرمة حسب أوساط دبلوماسية زيارة وزيرين فرنسيين يتعلق الأمر بوزير الداخلية ووزير الهجرة. وقرأ ملاحظون في الحدث حلقة متقدمة من حلقات الخلاف الجزائري الفرنسي المتنامي بشأن مسائل عملية واقعية، منها مواضيع اقتصادية وذهاب صفقات جزائرية هامة لشركات غير فرنسية، ومنها موضوع الهجرة وتنقل الأشخاص. ورأى ملاحظون في رفض الجزائر استقبال وزير الخارجية الفرنسي انتصارا جديدا للموقف الجزائري المبدئي والثابت في مطالبة فرنسا بالاعتذار والتعويض عن حقبة الاستعمار. وكانت الجزائر قد رفضت نهاية أكتوبر الماضي في رد رسمي المقترح الفرنسي المتعلق بترتيب زيارة مستقبلية لوزير الداخلية الفرنسي بريس هورتوفو المعروف بمواقفه العنصرية والمتشددة اتجاه المهاجرين، خاصة العرب وأولئك القادمين من القارة الإفريقية. وتحدثت مصادر جزائرية نهاية السنة المنصرمة، عن أن الجزائر قد أبلغت فرنسا رسميا ردها السلبي على طلب باريس لتنظيم زيارة عمل لوزير الداخلية الفرنسي، بريس هورتوفو، للجزائر، كونها ترى أن مثل هذه الزيارة غير مرغوب فيها، بسبب التوتر الذي يطبع العلاقات بين البلدين. ووفقا لما أورده المصدر ذاته، فإن الجزائر لا تحبذ في الوقت الحالي الزيارات الوزارية من هذا النوع، وهو إشارة واضحة إلى أن استمرار باريس في إهمال مسالة الماضي التاريخي في رسم سياسة الجانبين المستقبلية، من خلال رفضها الاعتراف بجرائمها أصبح أمرا غير مقبول في الجزائر. ويقول المصدر نفسه أن زيارة هورتفو إلى الجزائر كانت ستناقش عددا من الملفات الثنائية العالقة بين البلدين، في مقدمتها الشراكة في مجال مكافحة الإرهاب. ويبدو أن تريث الطرف الجزائري في دفع هذا الاتفاق إلى مستوى متقدم يرجع بالأساس إلى نيته في إيجاد شركاء جدد ينظرون إليه كشريك حقيقي، وليس من موقف بلد قوي يقدم مساعدات تقنية لبلد ضعيف، خاصة وأنه على طاولة الجزائر أكثر من بلد يرغب في التعاون معها وفق ما تريده، وفي مقدمة هذه الدول بريطانيا التي وقعت قبل أيام مع الجزائر اتفاقات أمنية ينتظر أن تتوج بصفقات لبيع السلاح، كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد هي الأخرى رفع تعاونها الأمني مع الجزائر وإيصاله إلى درجة الشراكة الحقيقية، خاصة وأن الموقف الأمريكي يتطابق مع نظيره الجزائري بخصوص مسألة مكافحة الإرهاب، إذا ما قورن بالموقف الفرنسي. ويبدو أن الرفض الجزائري موجه بالأساس إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بالنظر إلى أن هورتوفو هو الذراع الأيمن لهذا الأخير في فرنسا، ومن ثم فإن الموقف الجزائري ما هو إلى تعبير جديد عن امتعاض السلطات الجزائرية من السياسة التي تنتهجها باريس اتجاهها خلال الفترة الماضية من خلال اختلاق عدة قضايا كانت آخرها قضية إدراجها في قائمة الدول الخطيرة مما جعلها تضاف إلى القضايا السابقة التي كانت في كل مرة تقف وراء تعليق رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة زيارته التي كانت مقررة إلى فرنسا في أكثر من مرة، والتي لا تزال إلى غاية اليوم غير محددة التاريخ.