ظاهرة صارت لا تكاد تخلو منها حافلة من حافلات النقل بالعاصمة، وبدأت ترخي بظلالها على المناطق المجاورة، يهدف مبتكروها من ورائها إلى رفع ميزان حسناتهم بأبسط وأسهل الطرق من خلال تعليق ملصقات أدعية خاصة بالسفر أو أحاديث وأذكار الصباح والمساء، تذكر المسافرين وتحصنهم وتحذرهم من الوقوع في المعاصي، حذا حذوهم في ذلك بعض الشيوخ الذين راحوا يوزعون مثل هذه المطبوعات مجانا في الشوارع. وأنت تستقل حافلة من محطة ركوب حافلات النقل الخاص بالعاصمة أو ضواحيها يجتذب ناظريك مجموعة الملصقات المعلقة مباشرة على الزجاج الخلفي لكرسي السائق، لا تنس البسملة، دعاء السفر، دعاء ركوب الدابة وما قام مقامها، أذكار الصباح والمساء غيرها حتى يتهيأ لك أنك تطالع فهرس أحد الكتيبات الدينية كحصن المسلم مثلا. ------------------------------------------------------------------------ يعتبرونها صدقة جارية ------------------------------------------------------------------------ قراءة ملصقات الأدعية الخاصة بالسفر أمر لا يقوم به شريحة واسعة من المواطنون الذين يستعملون وسائل النقل العمومي يوميا خاصة العمال ربما لجهلهم به أو عدم حفظهم إياها، حتى وإن كانت تكسبهم الحسنات وتشكل حصنا يحميهم على طول فترة السفر وإن كانت قصيرة ولا تتجاوز بضعة دقائق، ''بتعليقنا لهذه الملصقات نحن نكسب ثواب من يقرأها، أو حتى من لم يقرأها واكتفى بالدعاء لنا على مبادرتنا'' أجاب ''إسماعيل'' صاحب حافلة خاصة لنقل المسافرين يعمل على الخط الرابط بين بوزريعة وبني مسوس في رده على سؤال (الحوار) عن سبب تصرفه هذا وكيف جاءته الفكرة، وأضاف ''إسماعيل'' مفصلا أكثر أنه ليس الأول ولا الأخير من أصحاب الحافلات الذين يعمدون إلى تصرف كهذا، فأول ملصق علقه محدثنا في حافلته كان آية الكرسي، وآخر كتبت عليه الشهادتان تحصل علهما كهدية من والدته لدى حصوله على القرض من الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب لاقتناء الحافلة منذ 4 سنوات، ليفتح الباب بعدها لنفسه لتزيين مصدر رزقه الجديد بمختلف الآيات القرآنية ورزنامات جديدة في كل سنة تحمل أسماء الله الحسنى كطريقة يشكر بها الله على نعمته التي أنعم عليه بها، وقال ''إسماعيل'' بصريح العبارة ''لا يمكن لأحد أن يتصور شعوري وأنا أتلقى دعوات الخير من الركاب الذين تروقهم الفكرة، فأحس وأكني أؤدي صدقة جارية فكلما قرأ أحدهم دعاء أو آية أكسب أجره حتى وإن لم أسمعه فإن الحسنات تدون عند الله''. أما قاطع التذاكر بنفس الحافلة وهو شقيق لصاحبها يظهر عليه بالرغم من صغر سنه إطلاعه الواسع على الحديث والسنة، فتدخل قائلا: ''ما نقوم به نحن على الأقل نهدف من ورائه إلى الإصلاح والنهي عن المنكر وتذكير العباد بخالقهم على الأقل لحظة تواجدهم بحافلتنا عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية)، وليس كمن يزينون حافلاتهم بصور للنجوم والفنانين فيفسدون قلوب الكثيرين بدل هديها''. ------------------------------------------------------------------------ سائقو سيارات الأجرة يسمعونكم القرآن ------------------------------------------------------------------------ إذا كنت ممن يهربون من ركوب الحافلات تجنبا للزحام، فلا تفوت الفرصة على نفسك في كسب الأجر والحسنات وإكسابها للسائقين، فهناك من السائقين من يشغل أشرطة القرآن الكريم من أول لحظة يباشر فيها عمله اليومي، فيفرغ باله وروحه من كل المشاكل التي يمكن أن تصادفه خلال اليوم ويتوكل على الله، اللجوء إلى مثل هذا التصرف، قال ''عمي حميد'' سائق سيارة أجرة منذ أكثر من 20 سنة ''ساعدني على التخلص من عادة الثرثرة السيئة التي اكتسبتها من عملي وتعد صفة لصيقة بالحلاقين وسائقي الأجرة''، وراح ''عمي حميد'' يروي لنا كيف غيّر عادته السيئة تلك من تجاذب أطراف الحديث مع زبائنه بسير الناس ومشاكلهم وهمومهم وحتى أسرارهم أحيانا إلى إخشاعهم على طول الطريق، بداية ''عمي حميد'' كانت سنة 2000 فبمجرد رجوعه من تأدية مناسك الحج، قرر أن يغير حياته بشكل جذري ويحول كل ما كان سببا في ارتكابه السيئات والآثام إلى طريقة لكسب الحسنات، والتخلي عن عادة الثرثرة كانت الفاتحة بعدم إعطاء زبائنه الفرصة للحديث خلال السياقة برفع صوت القرآن أثناء عمله ما يجبرهم على الصمت والاستماع، وأردف ''الحاج'' قائلا: ''هناك من الناس مَن تبحث قلوبهم على بصيص أمل ونقطة نور ليثوبوا عما هم فيه وفي الكثير من الأحيان تصادفني حالات تجهش بالبكاء بعد لحظات فقط من ركوبها بسيارتي، لتخبرني فيما بعد أنها تريد التوبة والإلتزام ولا تعرف كيف ذلك، فأكون على الأقل قد حركت بداخلهم الجانب الطيب''. أمثال ''عمي حميد'' أو ''الحاج'' كما يفضل أن يلقب به كثيرون ممن تفطنوا لتشغيل القرآن بسياراتهم لكسب الأجر في الآخرة قبل الدنيا عن قصد وغير قصد فهناك من يجد فيها الطريقة السهلة والمناسبة للحفظ بسرعة. ------------------------------------------------------------------------ الركاب يستحسنون المبادرة ------------------------------------------------------------------------ سواء كانوا من مستخدمي الحافلات أو من ركاب سيارات الأجرة، عبّر جلّ من صادفناهم عن استحسانهم للمبادرة، فمع كل ما يغزوه ويحاول تغيير معتقداته فإن مجتمعنا الجزائري يبقى مسلما وفخورا بإسلامه، ويظهر هذا الفخر والاعتزاز على فئة الكهول وكبار السن أكثر منه عند الشباب، إلا أن هذا لم يمنع بعضهم وخاصة الفتيات كالآنسة ''آمال'' من مستعملات حافلات النقل الجماعي بين بئر خادم وتيقصراين، التي ترى أن الحافلات في زمننا الحالي باتت لا تخلو من المنكرات وتراجع في الجانب الأخلاقي، وتعليق السائقين لمنشورات تذكر الناس بخالقهم من شأنه تذكير الغافلين والمساهمة في الحد من بعض الظواهر المشينة''. وأشاد ''اعمر'' شاب من مستخدمي حافلات النقل الجماعي بالظاهرة معتبرا إياها دلالة على بقاء بذرة الخير في نفوس الجزائريين، فقليلون هم في هذا الزمان من يذكرون إخوانهم بعذاب الآخرة خوفا عليهم وحبا لهم في الله. وما زاد من حدة انتشار هذا المظهر الجديد في وسائل النقل هو استحواذ القطاع الخاص على نسبة كبيرة من قطاع النقل البري بالجزائر. ------------------------------------------------------------------------ شيخ يوزع الأدعية والمطويات في الشوارع ------------------------------------------------------------------------ ما يدعو إلى الوقوف أكثر عند ظاهرة التسابق لربح الحسنات بين المواطنين ظاهرة جديدة كنا في يوم من الأيام عينة فيها، ففي يوم من أيام شهر مارس المنصرم ونحن نقف بشارع العقيد عميروش بالعاصمة أحد أكبر الشوارع وأهمها بانتظار سيارة أجرة فوجئنا باقتراب رجل مسن منا، وقف أمامنا وهو يحمل كيسا شفاف اللون تظهر بداخله مجموعة من المطويات وقف برهة يتأمل كل واحدة فينا ثم أدخل يده في الكيس وبدأ يختار نوع المطوية التي سيقدمها لكل واحدة، وكانت دهشتنا كبيرة عندما اطلعنا على نوعية المواضيع التي تناولتها وكانت مختلفة تماما من واحدة لأخرى حيث حصلت إحدانا على مطوية تحث على الحجاب واللباس الشرعي، والثانية على مطوية تحث على العفة وأدعية ليرزقها الله بالزوج الصالح أما الثالثة فعلى مطوية لأسماء الله الحسنى. انصرف الشيخ كما جاء دون أن ينطق بكلمة أكثر من قوله ''أحضرتها معي من العمرة''، وبعد الملاحظة اكتشفنا أن هذا الرجل المسن يحاول مساعدة الناس على تكميل ما ينقصهم للتقرب أكثر من الله. الفكرة والطريقة نفسها لجأ إليها أحد الشباب من ساحة أول ماي، بحيث اهتدى إلى أسلوب فريد لموعظة الناس ونصيحتهم وإرجاعهم إلى طريق الخير بقيامه بجمع أنواع عدة من المطويات في أغلفة بريدية يحمل كل غلاف موضوعا معينا كتحريم التدخين، أو دروس عن عقوق الوالدين، أو احترام الجار أو لبس الحجاب، ويقوم بتقديم الغلاف المناسب بشخص المناسب الذي ينوي هدايته من خلاله أو مساعدته على الإقلاع عن تصرف معين، وليست له الجرأة التامة أو القدرة على إقناعه بذلك. ولكن ليس كل الناس من نفس الطينة ومن بنفس الأخلاق، فكم من مرة وضع فيها هذا الشاب نفسه في مواقف لا يحسد عليها بعدما يثير غضب بعض الجيران وخاصة النساء غير المحجبات اللواتي يحصلن على أغلفة تحث على لبس الحجاب.