الموقف العربي الرسمي من مشروع الشرق الأوسط الكبير الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والامبريالية الأميركية كتاب جديد لمؤلفه الدكتور غازي حسين صدر مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ويتألف من أربعة أبواب وعدة فصول تعالج كيفية بروز مصطلح الشرق الأوسط على أيدي تيودور هرتزل وزعماء الحركة الصهيونية وتبني الولاياتالمتحدة الأميركية للفكرة وللمخطط الذي وضعته إسرائيل للمنطقة العربية والإسلامية. في هذا الفصل يقول الدكتور غازي حسين أن ظهور مشروع الشرق الأوسط الكبير يجسد تبنياً أمريكياً للمخططات الصهيونية لمستقبل منطقة انطلاقاً من اقتناع الولاياتالمتحدة بأن تغيير المنطقة أصبح أمراً ضرورياً للحفاظ على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية للإمبريالية الأمريكية والصهيونية والكيان الصهيوني. و جاء المشروع لتطبيق وتكريس وترسيخ الخارطة الجديدة التي رسمتها الولاياتالمتحدة والصهيونية واستغلال تداعيات الحرب العدوانية على العراق والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب العربي الفلسطيني. وترمي المبادرة إلى خلق طابور خامس من بعض رجال الأعمال والتجار والمثقفين وبعض أعضاء لجان المجتمع المدني داخل المجتمعات العربية. قبل كل شيء يجب التأكيد على أن الوضع المضطرب في بعض البلدان العربية والإسلامية وتأخر التنمية والتطوير والتحديث نتج عن حروب ومجازر الولاياتالمتحدة وإسرائيل وعن الخراب والدمار والقتل وسياسة الأرض المحروقة وانتهاك أبسط حقوق الإنسان العربي التي تطبقها الدولتان في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان. ونتج التخلف وعرقلة التنمية وإهدار حياة وحقوق وكرامة الإنسان في المنطقة عن حروب واعتداءات الولاياتالمتحدة على العديد من بلدان المنطقة وتأييدها الهمجي لممارسة ''إسرائيل'' للإرهاب والإبادة والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية. لذلك أحدث المشروع الأمريكي ردود فعل متباينة تعكس في الوقت نفسه التخبط والارتباك والاستفراد العربي في مواجهته، على الرغم من أن الولاياتالمتحدة طرحت قبله عدة مخططات لمصلحة إسرائيل ''مضللة ومخادعة، وتوحي بأنها تعمل على التطوير وتشجيع الديمقراطية وتوسيع الفرص الاقتصادية، وتغيير مناهج التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية وتوزيع كتب التعليم مجاناً في بعض البلدان العربية. وهنا يوضح صاحب الكتاب أن النظام المصري واجه المشروع بلغة ترضي الولاياتالمتحدة وبعض الجهات الداخلية وأكد أنه يقبل بالإصلاح من الخارج بشروط منها: - -أن يأخذ بالاعتبار خصوصيات كل بلد على حدة، حيث تخشى القاهرة وبعض العواصم العربية الأخرى أن تتدخل الولاياتالمتحدة بالشؤون الداخلية، وتعمل على تشجيع الحركات الانفصالية والمنشقين وإشاعة أجواء عدم الاستقرار على غرار ما أحدثته معاهدة هلسنكي داخل الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية. ورحب الرئيس مبارك بأي مجهودات لتعزيز قدرة دول المنطقة على إجراء الإصلاح وفقاً لخططها الذاتية المبنية على ظروفها وإمكاناتها وقدرة مجتمعها على استيعابها. أعلنت السعودية رفضها للمشروع ورفض أي محاولة لفرض الإصلاح من الخارج، وحذر وزير الخارجية سعود الفيصل من ممارسة الضغوط لتسريع الإصلاح، مؤكداً على أن الإصلاح يجب أن ينبع من الداخل لضمان رفاهية المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم. وأكدت السعودية أن المشروع لا يختلف عن صيغة هلسنكي التي سخرها الغرب للضغط من أجل المزيد من الحريات وحقوق الإنسان في الدول الاشتراكية، وتطالب السعودية من الولاياتالمتحدة معالجة الصراع العربي -الصهيوني وقضية فلسطين قبل طرح المبادرة. وطالب رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد الجابر بضرورة تفهم المطالب الداعية للإصلاح قائلاً: ''علينا أن نكون حذرين من عملية رفض الأشياء والتمسك بالقديم لمجرد أن طرفاً ما ذكر أنه يريد تغييرهس. وأكد وزير الخارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم ''ضرورة أن تقوم الدول العربية بدراسة المبادرة الأمريكية قبل إعلان رفضها لتلك المبادرة''. ودعا رئيس الوزراء البحراني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى ضرورة التفاعل بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين الدول العربية بخصوص مبادرة الإصلاح وقال: ''أن أي مبادرة للإصلاح السياسي في المنطقة يجب أن تتم بالتنسيق والتعاون مع دول المنطقة حتّى يكتب لها النجاح.''. واتخذت السعودية موقفاً مغايراً لمواقف دول الخليج العربية فرفضت المشروع باعتباره مشروعاً سيفرض من الخارج على الدول العربية ولا يراعي خصوصيات هذه الدول وقيمها وثقافاتها وأوضاعها الاجتماعية، فضلاً عن تجاهل حل قضية فلسطين. وتشدد السعودية على أن لا يكون للإصلاح بُعداً خارجياً وإنما عليه أن ينبع من البيئة السعودية. يمكن القول أن مواقف دول الخليج باستثناء السعودية اتسمت بالموافقة على المشروع الأمريكي لتسهيل مهمة إدارة الرئيس بوش في أخذ موافقة الدول الصناعية عليه، وأكدت على ضرورة عدم رفض المشروع لمجرد أن الولاياتالمتحدة هي التي طرحته، لأن الدول العربية بحاجة إلى إصلاح حقيقي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي برأي هذه الدول الخليجية أن تبدأ الدول العربية بالإصلاح ولا تلتفت إلى وجهات النظر التي تقول أنه عبارة عن مشروع مفروض من الخارج. واعتبر لبنان أن المشروع يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على المنطقة وقد يؤثر بشكل خطير على أوضاع جميع البلدان العربية، وأخطر ما فيه تجاهله للعرب. وأعلن لبنان رفضه للمشروع. وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد بلور الموقف من طبيعة نظام الشرق الأوسط بقوله: زموضوع الشرق أوسطية، ليس موضوعاً اقتصادياً، بل إنه موضوع اقتصادي وسياسي وهدفه الأساسي هو شطب شيء اسمه العرب، شطب شيء اسمه العروبة، شطب المشاعر العربية، شطب الهوية القوميةس. وأعلنت الجامعة العربية رفضها للمشروع، حيث أعلن الأمين العام للجامعة أن المشروع ناقص وغير متوازن ويمثل خطراً على المنطقة وعلى استقرارها. فالمشروع برأيه يتجاهل قضايا العرب الإسلامية الرئيسية، وفي مقدمتها الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين والترسانة النووية الإسرائيلية، كما يتجاهل الوجود العسكري في المنطقة وينتقص من دور الأممالمتحدة. أدى طرح المشروع إلى انقسام الدول العربية حول الموقف منه وظهرت أربعة مواقف: المجموعة الأولى: رفضت المشروع وعلل بعضها سبب الرفض لأنها لم تشترك في صياغته وجاء من الخارج. المجموعة الثانية: أيدت المشروع وطالبت بفتح حوار بناء مع الولاياتالمتحدة. المجموعة الثالثة: نادت بالتريث والانتظار وإجراء الاتصالات مع الولاياتالمتحدة. المجموعة الرابعة: تحفظت على المشروع وطالبت بإيضاحات وتفسيرات من الولاياتالمتحدة. وتعتقد بعض الجهات الرسمية أن المشروع يستهدف بعض الأنظمة في المنطقة لتنصيب كرازايات ومجالس حكم ووزارات على شاكلة ما تمّ في أفغانستان والعراق. باختصار تريد الولاياتالمتحدة حمل دول المنطقة على تبني مفهومها للإصلاح الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي. وتبدأ بالخصخصة واقتصاد السوق والدخول بشراكة مع معظم دول المنطقة وبمناطق التجارة الحرة وفتح الحدود على مصراعيها أمام ''إسرائيل'' والهرولة في تطبيع العلاقات معها وإنهاء المقاطعة العربية ونسيان الماضي ووقف التحريض على الصهيونية والكيان الصهيوني. وضعت الولاياتالمتحدة المشروع دون مراعاة لمواقف ومصالح وثقافة شعوب المنطقة، وتوجهها إلى شعوب وحكومات المنطقة لنيل رضاها لضمان استمرار وجود قواعدها العسكرية وابتزاز بعض القادة العرب لخدمة المخططات الأمريكية والإسرائيلية وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ركز المشروع الأمريكي على تحقيق الإصلاحات انطلاقاً من النواقص والسلبيات التي تعاني منها بلدان المنطقة والواردة في تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية في البلدان العربية وبشكل انتقائي. وبنفس الوقت أسقطت الولاياتالمتحدة أهم ما ورد في التقرير حول التحديات والمخاطر التي واجهت وتواجه الإصلاح بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. إن ما جرى ويجري في فلسطين والعراق وتبني إدارة الرئيس بوش بالكامل للمواقف الإسرائيلية يظهر بجلاء الإصلاح السياسي والديمقراطي على الطريقة الأمريكية. يستغل المشروع الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا والآليتين العسكريتين الأمريكية والإسرائيلية والتهديد باستخدام القوة ومحاسبة سورية، كي تعلم إدارة بوش شعوب وحكومات المنطقة كيف يصبحون مجتمعات ديمقراطية وعصرية بتركهم هويتهم القومية وعقيدتهم الدينية والتخلي عن كراهية ''إسرائيل'' والصهيونية والقبول باغتصابها للأرض والحقوق والثروات وبهيمنتها على كامل المنطقة. فهل من المعقول أن الرئيس بوش الذي أشعل حرباً عالمية على العروبة والإسلام ودمر العراق وأفغانستان ويدعم تدمير شارون لغزة ورفح وخان يونس وجنين ونابلس، أن يعمل على نشر الديمقراطية في بلدان المنطقة؟ إن الخطأ الذي ارتكبته بعض النظم العربية بإصرارها على استمرار الأوضاع الداخلية دون القيام بإصلاحات ديمقراطية أدى إلى نجاح الصهيونية بربط الأوضاع الداخلية في البلدان العربية بأمن الولاياتالمتحدة كي تقضي على الهوية والثقافة العربية -الإسلامية. فالمشروع يستهدف العالم العربي والإسلامي وأمركته وصهينة وتغيير هويته وسلب ثرواته، ويمس بجوهر قضية فلسطين ويهدف إلى تغيير حقائق التاريخ والجغرافية ومسح الهوية الحضارية العربية -الإسلامية الضارية الجذور في أعماق التاريخ والإنسان في المنطقة. .../... يتبع الدكتور : حسين غازي