يتربع التلفزيون بمختلف فضائياته في شهر رمضان على عرش السهرات العائلية، بحيث صار يشكل جزءا من يومياتها بعدما استبدلت عادات أيام زمان الجامعة للأهل والأحباب والأقارب حول مائدة الشاي بالجلوس أمام شاشة التلفزيون ومتابعة كل ما تجود به الفضائيات من مسلسلات ومنوعات لا تكاد تنتهي طيلة السهرة. بل وتنسي الكثيرين أمور العبادة والقيام. بدأت الملمة العائلية تتلاشى حتى في سهرات الشهر الفضيل. وفقدت مغزاها وروحها الواحدة للدردشة حول مسائل حياتهم ومشاغلهم ومشاكلهم اليومية ليواسي بعضهم بعضا، إلى أن أصبحت شبيهة بجلوسهم في قاعة السينما، فالرابط الوحيد بينهم حينها هو الرغبة في مشاهدة البرامج التلفزيونية من مسلسلات الدراما والتاريخ وبرامج المسابقات التي تفتح أمامهم فرص الفوز بجوائز كانوا يحلمون بها. قضت على الزيارات العائلية بات ''صندوق العجب'' الذي يربطنا إليه ويتجول بنا عبر العالم، المنافس الأول للسهرات الرمضانية الشيقة والممتعة مع الأهل والأحباب، فهو يشغل تفكير الناس حتى أثناء الإفطار، فتراهم يسارعون في الأكل من أجل الجلوس بسرعة أمام الشاشة الصغيرة لمتابعة برامجهم المفضلة التي تبث عبر القنوات الفضائية، ويستمرون على حالهم في المشاهدة إلى ساعات متأخرة من الليل بالتنقل من محطة لأخرى، ظنا منهم أن هذه هي متعة رمضان، السهر طوال الليل في مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تضرهم أكثر مما تنفعهم، فهم يتركون فرصة تواجدهم بين أهلهم تضيع دون استغلالها في السؤال عن أحوالهم واكتساب خبرة في الدنيا ممن هم أكبر مكنهم سنا، ويساهمون في الرفع من سيئاتهم بدل حسناتهم بقطعهم صلة الرحم والابتعاد عن العبادة في شهرها من قيام الليل والتضرع إلى الله بالدعاء. فاستطاع هذا الجهاز الصغير أن يشد أرواح المسلمين إليه في رمضان ويبعدهم عن طاعة المولى عز وجل ويغير حتى من نمط ونظام عمل النساء داخل البيوت. التفرغ للتلفزيون بدل العبادة تغير اهتمام الناس خلال رمضان عما كان عليه زمان، أين كانت ربة المنزل تقسم نهارها إلى ثلاثة أقسام، الفترة الصباحية تقوم فيها بأعمال المنزل العادية من تنظيف وغسل للملابس...إلخ، وتخصص الفترة المسائية، أي بعد صلاة الظهر، إلى الدخول للمطبخ لتتفنن في تحضير ما لذ طاب من أطباق الشهر الكريم، وتستمتع في ذلك مع بناتها وعرائسها بالاشتراك في العمل الذي يحلو في جو عائلي يزيد من ترابط وتماسك الأسرة، ويأخذ الطبخ كل وقتهن، فلا تشعر الواحدة منهن بالجوع أو العطش، ويزول عنها التعب بتقاسمها الأعمال مع غيرها وأخذت الوقت الكافي للإبداع في ما تعده من طعام. أما الآن وبعد أن تبدلت الأمور، وصارت كل واحدة تفضل العيش في منزل خاص بعيد عن عائلة زوجها، ذهب طعم تحضير إفطار رمضان بإسراع سيدة البيت في إتمام أعمال التنظيف، لتسرع في الطهي ليكون كل شيء جاهزا قبل الساعة الواحدة زوالا. لتمضي بقية النهار في مشاهدة التلفاز، تهدر وقتها أمامه دون فائدة، مقارنة بأيام زمان أين تتعلم الواحدة وتكتسب المهارات الجديدة في الطبخ عن العجائز، واستبدلته بمشاهدة برامج الطبخ التي يتم خلالها إعداد أطباق مبتكرة ليست متأكدة من أنها ستنجح في تحضيرها، ولا حتى من طعمها ما إذا كان سيعجبها أو يعجب أفراد عائلتها، فيما كان يمكنها التعرف على الطعم إذا ما كانت على مائدة إفطار العائلة الكبيرة، لتذوق ما أعدته والدة زوجها أو والدتها. وتتطور لديها عادة مشاهدة التلفاز في هذا الوقت لتصبح مدمنة عليه، بحيث تقوم منزعجة وغاضبة إذا طلب منها القيام بأمر ما من طرف زوجها أو أبنائها، أو ترفض القيام بطلب ما متحججة بانشغالها بمشاهدة برنامج رائع سيفوتها الكثير منه لو غادرت مكانها، وهذا ما قد يدخلها في دوامة شجار مع زوجها، خاصة إذا كان من النوع الذي يغضب بسرعة في رمضان لافتقاده سجائره وفنجان قهوته المعتاد. وجعلت معظم الجزائريات التلفزيون شغلها الشاغل في هذا الشهر وأهملن أمورا عديدة يمكن أن تعود عليهن بالخير خلال أوقات فراغهن كتلاوة القرآن مثلا والسعي إلى ختمه.