كيف يمكن أن نسخر المسرح لخدمة البشرية بصفة فعلية؟ سؤال حملناه إلى مجموعة من المشاركين في فعاليات مهرجان مسرح الجزائر الدولي، حيث أجمعوا على أن المسرح ومنذ عهوده الأولى استعمل كأداة للتعبير عن قضايا المجتمع، وعن معاناة الإنسان ولخدمة المجتمع. أكد هؤلاء المسرحيون ان هذا لن يتاتى إلا إذا تماشت الأفكار التي تطرح على ركح المسرح ومتطلبات الإنسان وترفع من مستوى ذائقته الفنية. دومينيك لورسال مخرج مسرحي من فرنسا المسرح في عصوره الأولى انطلاقا من المسرح اليوناني، اهتم بشؤون الفرد وتابع باستمرار ما يجري من أحداث وتغيرات داخل المجتمع، فهو يعنى معالجة المسائل المتعلقة بالمجتمع فهو مرآة عاكسة لواقع معين، ويعبر عن هموم الإنسان ومعاناته ويحلم الممثل بغد أفضل وبيوم مشرق ربما سيصل إليه يوما ما لما لا. فالمسرح في شكله العام وجد لخدمة الإنسانية والحديث عن محيط الإنسان ورصد حركاته وخطواته. إبراهيم شرقي ممثل جزائري المسرح يعني تعبير عن المعاناة، عن الهموم عن أحوال الإنسان بكل جوانبها، فهو مسخر لخدمة الفرد بصفته العضو الذي يتكون منه المجتمع، ولن يكون كذلك إلا إذا كان هذا المسرح ينمي ويعبر عن الحس الجمالي للجماهير العريضة ويتجاوب معها. ففي كثير من الأحيان حين نخاطب هذه الجماهير، نخاطبها كأنها محجور عليها ومعتوهة بالمفهوم القانوني، وأنها ليست لها كفاءات التمييز. وحتى نتفادى هذا المعيار، من حيث السلوك ومن حيث المعاملة من الجمهور، فإن الإنتاج المسرحي والنماذج المسرحية التي نقدمها كأفكار وكذوق فني وكحس جمالي يجب أن تتماشى ومتطلبات المتلقي لنرفع من شأنها. هنا نكون أمام مسرح يخدم البشرية، فالجمهور بحاجة إلى ترفيه وبحاجة إلى عناصر التشويق والفرجة. إذا لم تكن الأعمال المسرحية متكاملة ومتجانسة وتمشي ومقتضيات العصر وخطورة العولمة، إذا لم نأخذ حذرنا من مناهجها التي قد تهدم ذائقتنا الفنية، إذا لما ندرك ونفرق بين عناصر الهدم وأسس البناء السليم لقواعد المسرح، هنا نجزم بأن المسرح فعلا موجه لخدمة الإنسان والمجتمع. كما يجب أن تكون روح الأعمال التي نقوم بها لها روح المجتمع الذي ينمتي إليه المخرج والممثل المسرحي وكل من له علاقة بهذا الفن. سيلما ميالا مخرج من كنغوبرازافيل كما تعلمون المسرح يعبر عن وجدان الإنسان ويعمل على تغيير الذهنيات، ويحاول إيجاد الحلول المناسبة لرفع مستوى المجتمع، و يتناول الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع. والمسرح أيضا فضاء رحب يحتوي هموم الفرد ويحاول معالجة أموره من الداخل، ويمثل قاعدة لتربية الإنسان وتوعيته، كما يساهم في ترقية المجتمع. فالحديث عن المسرح هو الحديث عن الحاضر واستشراف المستقبل، فالمسرحي الحقيقي هو الذي يسعى إلى تقديم المادة التي تخدم الفرد والمجتمع معا. وتعد هذه التظاهرة الدولية التي نحن بصدد المشاركة فيها موعدا هاما نتقاسم خلاله أفراحنا ومعاناتنا، وفرصة أيضا لتبادل الأفكار والخبرات. أنور محمد مخرج من سوريا منذ نشأة المسرح اليوناني كان هدفه وغرضه الوحيد توعية الناس وترقية المجتمع وتقديم المعرفة والثقافة والإفصاح عن لحظة الحق في شكل جمالي على خشبة المسرح. وأعتقد أن المسرح من أكثر الفنون التي استطاعت أن تخدم المجتمع والعقل الإنساني، فهو يركب ويخلق الوعي الإنساني ويبحث عن حريته وعن إنسانياته وعن حقه الضائع، لأن المسرح هو سيد الفنون من حيث إنه يبرز إنسانية الإنسان ويحثه على الدفاع عنها. الدكتور نادر القنة من الكويت أوضح الدكتور نادر القنة أن المسرح ظاهرة اجتماعية وبالتالي فهو يخاطب وجدان المجتمع لا ذاته. فالمسرح، يقول القنة، حين يصدر القضايا من المجتمع فهو بالتالي يصدر قضايا إنسانية تتضمن رؤى للكثير من الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع، وفي اعتقادي يضيف نادر أن المسرح لا يمكن عزله عن المجتمع ولا يمكن أن يكون حالة مغيبة عن الظواهر الاجتماعية. ''المسرح في الأساس هو خطاب اجتماعي موجه للعقل الاجتماعي بكل طبقاته وألوانه، فهو يحاول أن يمتص كل القضايا والإشكالات ويدرسها دراسة علمية وبرؤى فنية وجمالية عالية المستوى ويعيد تصديرها إلى العقل الاجتماعي''.