الرجاء: هو ارتياح لانتظار ما هو محبوب، ولا يكون الرجاء إلا إذا قدمت أسبابه، وتمهدت مبرراته، فعلى العبد كي يرجو فضل الله تعالى، أن يعمل لذلك بعمل الطاعات، وتطهير النفس من آثار الذنوب، قال تعالى: '' إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ''. فالذين يستحقون أن يرجوا الله تعالى، هم أولئك الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا، أما من يرجو دون أن يعمل فهو العاجز. روى شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله عز وجل الأمانيّ''.وقال معروف الكرخي رحمه الله: ''رجاؤك لرحمة من لا تطيعه خذلان وحمق''. وقد ذكر الله تعالى في موضع الذمّ من ينهمك في طلب الدنيا، ثم يرجو المغفرة، قال تعالى: '' فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا'' وذم القائل: ''وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا''.والقلب المستغرق بالدنيا، كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر، ويوم القيامة هو يوم الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع ، ولا ينمو زرع إلا من بذر الإيمان. فينبغي أن يقاس رجاء العبد المغفرة برجاء صاحب الزرع، فكل من طلب أرضاً طيبة، وألقى فيها بذرًا جيداً غير مسوس ولا عفن، ثم ساق إليها الماء في أوقات الحاجة، وجلس ينتظر من فضل الله تعالى دفع الصواعق والآفات، فهذا يسمى رجاء، وأما من بذر أرضاً سبخة صلبة لا يصل إليها الماء، ثم انتظر الحصاد فهذا يسمى حمقاً لا رجاء.فالرجاء إذن يورث طريق المجاهدة بالأعمال، والمواظبة على الطاعات، ومن آثاره التلذذ بدوام الإقبال على الله عز وجل، والتنعم بمناجاته والوقوف بين يديه، ومتى تحقق الله تعالى من ذلك، كان عند حسن ظن عبده به، روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ''قال الله عز وجل:أنا ظن عبدي بي'' وفي رواية'' فليظن بي ما شاء''. وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله''. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ليغفرن الله عز وجل يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر.والرجاء مطلوب عند نزول الموت ، قال سليمان التيمي عند الموت لمن حضره: حدثني بالرخص، لعلي ألقى الله وأنا أحسن الظن به.فالله سبحانه كريم غفور، وهو عند حسن ظننا به سبحانه، متى تحققت منا أسباب الرجاء بالإقبال على الطاعات، وتطهير القلب من دنس المعاصي، وآثام الذنوب، ولنكن كالأرض الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا نكون كالأرض الخبيثة السبخة التي لا رجاء فيها ولا أمل.