الأستاذ عبد الكريم الجهيمان - أطال الله في عمره - من الرواد في عالم الأدب والفكر، وقد قرأت له الكثير، وآخر ما قرأته له كتيب أو كراسة لا تزيد صفحاتها على 13 صفحة، وقد تفاجأت بها (مدفوسة) بين كتبي وهي بعنوان: (محاورة بين ذي لحية ومحلوقها). ولا أدري إلى الآن كيف أتتني تلك الكراسة! لأنني على يقين أنني لم أشترها، وهناك احتمال إما أنها أهديت لي أو أنني سرقتها، وقد كتبها وهو في الخامسة والعشرين من عمره عام 1934 - أي أنه من مواليد 1909 - وهو في تلك المحاورة انتصر لذي اللحية، في الوقت الذي كان هو حليقها - وهنا الإشكالية - ويقول: زرت ذات يوم معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر، وإذا به فجأة يناولني نسخة مصورة من هذه المحاورة، لا أدري كيف وجدها بعد هذه الحقبة الطويلة من الزمن.. وشعرت بأنه يقول لي بلسان الحال لا بلسان المقال: ما هذا الاختلاف بين ما تقوله وما تفعله؟! وموقف آخر مع بعض الإخوان الذين اطلعوا على هذه المحاورة، قال لي بفصيح العبارة: لماذا تخالف أقوالك أعمالك؟! فتثني على أرباب اللحى ثم تحلق لحيتك. فقلت له لقد ابيضت فتآكلت وتساقط شعرها مع مرور الأيام.. ومن ناحية ثانية ألم تسمع قول الشاعر: خذ من علومي ولا تنظر إلى عملي ينفعك علمي ولا يضرك إصراري وإن مررت بأشجار لها ثمر فاجن الثمار وخل العود للنار فأجابني بقوله: إن كلام الله أبلغ من كلام الشاعر: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»؟! وعندما تلا علي هذه الآية الكريمة، لم أجد مناصا من الإذعان للحق.. ووعدته بأنني في يوم من الأيام سوف أطلق للحيتي العنان، وأترك لها الحرية الكاملة لترفرف على صدري كأجنحة الغرانيق، لتتفق بذلك أعمالي مع أقوالي، وبعدها أنشأت أبياتا أنتصر فيها للحية، وجاء فيها على لسان اللحية: حدثوني عن أي ذنب حلقتموني فإني مجدة في المراس؟ ألأني على الرجولة عنوان وأنى زين على الجلاس؟! ألأني خشونة وتريدون ليونا.. تبا لكم من أناس؟! لست أدري لكنني في يقين أنكم قد وقعتم في التباس! ولا شك أن أبيات أستاذنا الجهيمان أبرك بمراحل مما صاغه ذلك الشاعر المتهتك (بن مفرّع الحميري)، خزاه الله، عندما قال: ألا ليت اللحى كانت حشيشا لنطعمها خيول المسلمينا الواقع أنني عندما قرأت تلك المحاورة في الكراسة وتمعنت بها واستوعبتها قررت طائعا وأنا بكامل قواي، أن أطلق لحيتي إن شاء الله إذا تسنى لي ذلك يوما.