''جميلة بوحيرد مرجع الثورة الجزائرية'' أعرب الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد عن استيائه إزاء موقف رؤساء الدول والحكومات العربية بخصوص القضية العراقية التي قال بشأنها إنها المقاومة الوحيدة في العالم التي ليس لها سند على نقيض باقي المقاومات في العالم. كما يحدثنا عبد الواحد في هذا الحوار الذي خص به جريدتنا عن وضع العراق بعد اغتيال صدام حسين، وعن المقاومة العراقية وكذا عن قضايا أخرى تكتشفونها في ثنايا هذا اللقاء. كيف ترى عين الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد عراق اليوم؟ خراب كامل بعد الشهيد صدام حسين الذي نفذ في حقه حكم الإعدام يوم عيد الأضحى المبارك ظلما وبهتانا من قبل الأمريكان وبإيعاز من أعداء العراق من الداخل الذين غذوا الأزمة. وفي هذا أقول ''بعد عينك هكذا الناس صاروا'' أي نعم العراق اليوم أضحى خرابا وأهله شتات بفعل القوى الظالمة التي غزت بلاد الرافدين العريقة، وطمست تاريخها الذي يعبق بروح الإنسانية، أول ما قامت به أمريكا لتفريق أبناء العراق وإحداث تصدع في البيت العراقي فجرت مرقد الإمامين العسكريين من الشيعة بسمراء وهي مدينة سنِّية، حتى تحدث تصدع بين الشيعيين والسنيين، وقالوا إن السنيين فجروا المرقد وأحدثوا فتنة، الأمر الذي أنكرت فعله أمريكا، وتم تصوير المشهد بالموبيلات حتى يكشف أمرها، والناس على جهلهم بجذور القضية لجأوا إلى حرق ما يزيد على مائة مسجد سني في ليلة واحدة، وبدأ النزاع بين الإخوة من أم شيعية وأب شيعي أوالعكس، وهنا ضرب الاحتلال ضربته، وبدأت المذابح وقطع الرؤوس بين الشيعيين والسنيين، أزيد من مليوني شهيد قتلوا من قبل أهلهم بسبب الطائفية المريعة وبأسلحة إيرانية، والسيارات المفخخة تمسك على الحدود العراقية الإيرانية كل يوم والإعلام يكشف ذلك. وماذا عن المقاومة العراقية هل أدت واجبها المنوط بها، ألا وهوتحرير العراق من الأمريكان؟ أنا أؤمن بالمقاومة العراقية، كما أومن بوطني الفذ، مقاومة يمكن وصفها بالعظيمة، حيث بدأت مع بداية الاحتلال لهذا الإقليم، ودماء الشهداء روت أرض العراق الغراء، كما روت أرض الجزائر دماء الشهداء الذين كلُّل نضالهم بتحرير الجزائر الطيبة. لقد عايشت أحداث الثورة الجزائرية منذ انطلاقها، وكنت من متتبعي تداعياتها ونظمت في شأنها ديوان شعر كامل، لذا أدرك جيدا معنى الاحتلال ومعنى المعاناة، وأعرف سر وقيمة دم الشهيد الذي يراق من أجل تحرير وطن من قيد المحتل. العراقيون في وقتنا الراهن يعانون من هتك الحريات مقموعين من طرف العدو الذي يتفنن في زرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد، وزرع الموت في شوارع بغداد، وكاكوك... أنا أتابع باستمرار ما يجري في بلدي عبر الفضائيات، كل يوم نسجل العديد من القتلى والجرحى جراء الانفجارات التي عمت هذا الوطن، ومهما حيك لتشويه المقاومة، تبقى هذه الأخيرة لا توجه نيرانها إلا للجيش الأمريكي فقط. بحوزتك أكثر من 54 ديوانا شعريا تنطق قصائده بالمقاومة، ما سر اهتمامك بالوضع العربي؟ كتبت لكل الأوطان العربية، من الخليج إلى المحيط، أنا عراقي والعالم العربي وطني الأكبر. كتبت للجزائر، لفلسطين، لدمشق، لتونس... وكل شبر من الجغرافيا العربية جزء مني، ولا أقايض به مهما كانت قيمة وحجم المقايض به، فهوعزتي وشرفي، ومنه أستنبط هويتي وانتمائي العرقي والحضاري، لذا لا شيء يمنعني عن كتابة قصيدة عنوانها أمتي العربية التي أحمل أوجاعها بين دفتي، وأترجم آهاتي وأشجاني إلى كلمات أثري بها قصائدي. كتبت قصيدة في ''جميلة بوحيرد'' وأنا صبي ابن 16 سنة، قلت بخصوص هذه المرأة الشهيدة الحية ومرجع الثورة الجزائرية التي شلت حركة فرنسا وكان مطلعها ''يا أختي ليت في بيتي مثيل... يا جميل ليت أختي، ليت أنثى في دياري ..اسمك أم تتهادى في شفاه الناس زهوا بالانتصار...''. لقد كتبت ديوانا كاملا قصائده تؤرخ للثورة الجزائرية وانتهى بقصيدة ليلة انتصار الجزائر ''لأهدي لأصحابي ولي ولك وللناس فرحتك الكبرى، ولقد عظمت من أنجبت رجلا حرا''، لكن أنا اليوم مع الوجع الكبير، وأمام جملة من التساؤلات، أين يقف إخواني الشعراء الجزائريين، أين أصواتهم، أين كلماتهم التي تدوي أركان العالم بأسره، أين العراق في قصائدهم ؟ هل هذا منّ منك على ما قمت به تجاه الجزائر؟ لا أبدا معاذ الله كل شيء ممكن إلا أن أمنّ على الجزائر، فشعبها قدم ما لم تقدمه شعوب المعمورة مقابل حريتهم ووقفوا إلى جانب القضايا الإنسانية، والوطن لا يحاسب بدين، ولا يمن عليه، والجزائر وطني بلا منازع. لكن لنا حرمة على الجزائر، وأخاطب نخبة معينة من هذا الشعب الأبي وهم فئة الشعراء الذين سهوا عن تنظيم قصائد بشأن العراق وما يجري عليه من أحداث مؤلمة بفعل الاحتلال، يجب أن تكون كل قضية عربية محور اهتمام كل العرب حتى تقوى شوكتنا بين الدول ونكون وحدة عربية بكل مقاييسها نرهب بها عدونا، فصوت الشعر العربي مايزال يعلو، والشعوب العربية لا تهزها السياسة كما يهزها صوت الشعر، والضمير العربي يحتاج إلى اليقظة. من يحمّل الشاعر عبد الرازق مسؤولية ما يحدث بالعراق اليوم؟ ما يحدث في العراق من قتلى وتشتيت وتهجير أهله قسرا ليس من صنع أمريكا لوحدها، بل القضية مشكلة من ثلاثة رؤوس امريكا وإيران وإسرائيل، فإيران هي المحتل الحقيقي للعراق، ولها لدى العراق ثأر ولدى الأمة العربية ثارات منذ وجّه عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاس إلى القادسية وكسر شوكة الإمبراطورية الإيرانية التي كانت تحتل العراق آنذاك، ودفع إليه راية الإسلام والدخول في رحابه، منذ ذلك الحين ونار حقد الإيرانيين على الإسلام وعلى الأمة الإسلامية يتضاعف، ما يحدث في اليمن بدافع إيراني، والانشقاق الدائر بين حركة فتح وحماس دافعه إيراني، الخليج كله مهدد من قبل إيران. أمريكا أوكلت مهمة احتلال العراق لإيران، وما مسألة معاقبة أمريكا لإيران ما هي إلا ضحك على الذقون، فإسرائيل وإيران وأمريكا متعاونون على خراب الأمة العربية. ما أود قوله إن العراق ليس لقمة سهلة الابتلاع، العراق شوكة في حلق كل من حاول ابتلاعه، هولاكو، الإنجليز، الأتراك، وكل من جرب حظه في كسر العراق لكنهم لم يفلحوا، وفي هذا أقول ''وفي كل ألف كلما الأرض دنست تسوق إلى بغداد غولا يغولوها صهاينها حينا، وحينا مغولها''. نحن الآن يؤلمنا أن تكون المقاومة الوحيدة في الدنيا ليس لها سند، في حين كل المقاومات التي حدثت في العالم لها دعامات تستندها عليها إلا العراق البلد الذي ليس له معين حتى من إخوانهم العرب الذين يقفون موقف المتفرج، ومقاومة العراق تقاتل لوحدها وبدمها وبوسائلها، وحدها الشعوب العربية التي تساندها ولو بكلمة لتخفيف آلامها. حتى يستعيد العراق أنفاسه من أين تبدأ عملية الإصلاح برأيك؟ طبعا ما أخذته المقاومة على عاتقها أن أول خطوة لتحرير العراق ولم شمله هو إخراج الأمريكان من أرض العراق وتخرج معهم العقارب الإيرانية التي عششت في كل أركان العراق، وأن يترك أبناء أبي روغال الأمريكي، كما تولى أبوروغال عن غزو الكعبة، وأن يخرج هؤلاء الخونة الذين يتولون الحكم السياسي بالعراق هؤلاء الذين عبّدوا الطريق العراقي ليمر بسلامة الجيش الأمريكي لاحتلاله، بعدها كونوا على ثقة أن الجرح العراق سيلتئم. تجرعت مرارة هم الأوطان وناشدت بحبر قلمك الضمائر الحية، وكنت مناهضا للاستعمار فأضحيت شاعرا بلا وطن، هلا شرحت لنا هذه المفارقة؟ عند غزو العراق مورس عليه الظلم وتفجرت أحشاؤه، وبدأت سلسلة الاغتيالات تطال كبار المسؤولين في جهاز الدولة، كنت حينها في ضيافة وزير الثقافة السوداني، بعدها دخلت دمشق على أساس أنني أتوجه إلى وطني العراق فانقطعت بي السبل إلى هناك، صراحة لو كنت داخل العراق لقتلت من الليلة الأولى من الهجوم. كتبت في ذلك الوقت كل الصحف العربية ''الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي سخر وكرس قلمه لتمجيد الأوطان العربية وأرخ لأحداثه الثورية هو الآن خارج وطنه الأم ووطنه العربي بأسره، ويبحث عن رسالة ينام عليها''، ولا رئيس دولة عربية وجه لي دعوة ليحتضنني ويخصص لي ركنا في بلده الذي هو في الأساس بلدي أيضا بوصفي عربيا وأحمل دماء عربية محضة، كنت في أوج أزمتي ولا أحد خفف عني وجعي. أتعلمين من كلف نفسه عناء ليخرجني من هذه المشكلة ؟ إنه وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيليبان الذي كنت قد التقيته يوم أخذت وسام العربي الذهبي الثالث للشعر عام ,1986 حيث منحني مدة عشر سنوات كإقامة في بلده، في وقت التزم مسؤولو الأوطان العربية الصمت والسكون، الفرنسيون قدروا مكانتي وثقافتي في وقت تجاهلني عالمي العربي. نعود إلى عالم الشعر هل من جديد يحضر له عبد الواحد في هذا المجال؟ أولا أشكر الديوان الوطني للثقافة والإعلام الذي أدرج اسمي هذه السنة ضمن دورة عكاظية الجزائر للشعر العربي لعام ,2010 الذي نظم خلال شهر ماي المنصرم، وقد دعيت إلى الجزائر في أكثر من مناسبة وشاركت الجزائر أفراحها كما شاركتها أتراحها غداة أحداث الثورة الجزائرية المقدسة. كما أشكر وزارة الثقافة الموريتانية التي أطلقت مسابقة اسمها جائزة ''عبد الرزاق عبد الواحد'' التي تم تكريم خلالها العديد من الأصوات الشعرية في ال 10 من شهر أكتوبر الفارط، تحصل المتسابق الأول على قيمة مالية قدرها 20 ألف دولار، والثاني على 15 ألف دولار أما الثالث فقد نال 10 آلاف دولار. ومن المنتظر أن تعمم على الوطن العربي خلال السنوات القادمة، حسب ما أفاد به المسؤولون بالوزارة. ونظمت سوريا أيضا جائزة تحمل اسمي من قبل العراقيين المهجرين والمثقفين السوريين والعرب، وهذا بطبيعة الحال يشعرني بأنني ابن العالم العربي، لكن ما أريده هو أن ينصف العراق قبلي.