توقف بنا الروائي منصور العمايرة في هذا اللقاء الذي جمعه بجريدة ''الحوار''عند اهم ما يعانيه المبدع في الاردن. كما يسلط الضوء على واقع الرواية الاردنية ومحاولة تغييبها عن الساحة الثقافية العربية. في قراءة للواقع الروائي العربي.. لا تكاد الرواية الاردنية تذكر إلا بإشارات محدودة تختفي خلف ظلال العديد من التجارب الروائية العربية، مع محاولات اهلها استقطاب بعض من الاضواء الا انها ظلت غائبة عن المشهد العام، لذلك كان من الممكن التساؤل حول أسرار ذلك، فهل الخلل يعود إلى الرواية الأردنية ذاتها التي لم تستطع مواكبة التطور الحاصل؟ أم إلى الروائي الاردني في عدم اهتمامه بالخروج من نطاق المحلية؟ أم أن ثمة اسبابا تعترض انطلاقها في محيطها العربي ؟ هناك جملة من الأسباب والهيكليات التي سببت تحجيم الإبداع الأردني بشكل عام، والرواية بشكل خاص. إن دور النشر في الأردن تسعى الآن لما يسمى بالتجارة، انطلاقا من أن سوق الكتاب ما هو إلا سلعة ينظر إليها على أنها إنتاجية، لا مانع من ذلك شرط أن تكون للكاتب قيمة، والنتيجة طباعة محدودة، توزيع سيئ أو مفقود، خسارة كبيرة على مستوى الكاتب والابداع المحلي. لماذا لا يتم تبني إجبارية تلزم دار النشر بطباعة كتاب لكل كاتب محلي مرة في العام؟ ولماذا لا يتم تبني فكرة الدعم بشكل كامل من وزارة الثقافة الأردنية على غرار تجربة الجزائر مثلا؟ شرط أن تكون هناك مصداقية بالعمل وتنظر إلى المبدعين جميعا بعين واحدة. فإمكانات الكاتب الأردني محدودة جدا، فهو مجرد موظف بسيط وغير قادر على القيام بكل التجربة الإبداعية وحده، ويفترض بالمؤسسات الأهلية التي ترعى الكتاب أن تتبنى مواقف داعمه للكاتب، وللأسف هي أحيانا تسهم في تأخير البعد الثقافي في الوطن، وفي تهميش الكاتب علما بأنه ينتمي إلى هذه المؤسسات. وهناك ضعف من قبل المؤسسات العامة، هذه الاخيرة ذات طاقة ربحية عالية جدا، بعضها يدعم الرياضة من أجل الاشهار، ولكنه لا يدعم الكتاب، ما يسهم بضياع الثقافة الأردنية. هناك أصوات معادية لنشر الإبداع في الداخل، تحرمه من الانتشار. لكن هناك كتابا أردنيين عرفوا بالخارج ونقلوا بعضا من التجربة الإبداعية الأردنية لكنها ضئيلة جدا. هناك منطلقات في المجتمع العربي إيديولوجية ساهمت بتغييب الرواية الأردنية بشكل مقصود، وخاصة أولئك الكتاب الذين لم يكونوا ذت يوم محسوبين على التيار الشيوعي، وللأسف هذا التيار مازال قويا في مجتمعنا العربي، وتعمل دعاية لأولئك الذين يتمسكون بهذه الإيديولوجيا. وأعتقد أن هذا قصور كبير، ينم عن ضعف بالمواجهة، ويؤمن بثقافة إقصاء الآخر، وهذه الفئة موجودة في الأردن واستفادت كثيرا، ومازالت تستفيد وتحاول الهيمنة، من خلال تغييب الآخر وتهميشه. كذلك الكتاب في الأردن لا يتحدثون عن أنفسهم، سواء أكانوا في الداخل او في الخارج، وللأسف هناك من هو مقرب جدا من السلطة تطبع أعماله وتوزع في الداخل، وفي المقابل يهمش الآخرون، فينتشر ما هو أدنى ويبقى الأهم حبيس الأدراج أو حبيس طباعة باهتة داخلية لا تتجاوز حدود الوطن إلا بالشيء اليسير. أريد التوضيح بأن الرواية الأردنية لا تختفي خلف أحد، والكاتب الروائي الأردني لا يدور في فلك المحلية بمعنى سلبي، ومادامت المحلية تعبر عن ماهية الإنسان والوجود لم لا؟ ومن هنا نستطيع أن ننطلق إلى العالمية. أصبحت الحرية القضية المحورية في الرواية الأردنية، بالنظر الى ضيق الخناق الذي يعانيه كتابها، ما جعلهم ياخذون من الحرية موضوعا لجل كتاباتهم، غافلين بذلك القضية المركزية ألا وهي الهم القومي العالمي. ماتعليقك؟ الحرية هي أسمى ما يبحث عنه الإنسان دائما، وبالتالي سيكون ما بعد الحرية تحقق بسببها، وهذا شيء جيد. أنا أعرف أن الراوية الأردنية جزء من ثقافة عربية وإنسانية بغض النظر عن الطروحات التي تناقشها وتتعرض لها. الرواية الأردنية تحدثت كثيرا عن القضايا العربية الراهنة مثل فلسطين والعراق، وتحدثت كثيرا عن وجودية الإنسان الأردني، وتحدثت عن ماضي الإنسان الأردني الذي صنع هذا الوطن، وعاش عليه أجداده منذ آلاف السنين، وأنا واحد من الذين يذكرون دائما القضايا العربية في رواياتي، وهي موجودة، وبالتالي هي قضية إنسانية. يعاني الروائي الأردني من عدم الانتشار عربيا رغم وجود تجارب إبداعية كبيرة. لماذا برأيك؟ الرواية الأردنية لا بواكي لها، بل هناك تعمد على إغفالها في الداخل والخارج، بالتالي تغييب البعد الأردني من الساحة العربية والدولية. الصحافة الأردنية جزء مهم جدا من تهميش الرواية الأردنية، وما ينشر في الصحافة هو بوق لبعض الأشخاص وهدفها تغييب الآخر، وللأسف من يقوم على الصحافة الثقافية في الأردن هم يخدمون أنفسهم، وأغراضهم النفعية، كما انه لا توجد صحافة جريئة تستطيع مناقشة الأدب الأردني بشكل عام، وما ينشر حتى في الصحافة الألكترونية تبقى الدعاية له قليلة جدا. وللأسف هناك تجارب مؤسسة رعتها وزارة الثقافة الأردنية وهي ما عرف بمدينة الثقافة الأردنية، أشرت على وضع مرضي ثقافي في الأردن، علما بان الغاية كانت أن تسلط الضوء على الإبداع الأردني بمجمله، ومازالت تدور في حالة الشخصنة. بحكم إقامتك بالجزائر في اطار تحضيرك لشهادة الماجستير، كيف كانت التجربة وهل جمعتك علاقة بأدباء جزائريين وما تقييمك للأدب الجزائري؟ أولا التجربة الوجودية لي في الجزائر كانت رائعة وتجربة إنسانية كبيرة، عرفت المجتمع الجزائري، والمكان الجزائري، والقضايا الجزائرية، ولهذا سأقول لك بأني كتبت رواية عن الجزائر كانت نتيجة لهذه التجربة، أقصد رواية عن الجزائر وليس عني ككاتب، وتعرفت على الكثير من الكتاب الجزائريين، واطلعت على تجارب روائية كثيرة. هناك في الجزائر كتاب رائعون حقا، وأنا أجلهم وأحترمهم. أما بما يخص الجزء الثاني من السؤال، فالرواية الجزائرية دارت طويلا في دائرة الثورة، وحرب التحرير، هذا شيء ممتاز عندما نسلط الكتابة الإبداعية للحديث عن واقع إنساني يمس كل الإنسانية، الثورة والتحرير شيء عظيم، أنا عندما أسير في شارع ديدوش مراد والعربي بن مهيدي وحسيبة والقصبة، أنحني لعظمة ما قدمه الجزائريون، كل الجزائريين الذين كانوا هناك بعيدا في الدشرة، والذين كانوا يسكنون في الحضر؛ لأن الاستعمار كان شاملا، أنحني لهؤلاء الأبطال وغيرهم كثير بالطبع، لأنهم جعلونا نستنشق هواء نظيفا خاليا من الاستعمار، أشبعت هذه الفترة بالكتابة ومازالت الكتابة تجتر الثورة والتحرير حتى الآن. وهناك فترة أخرى توقف عندها الكاتب الجزائري بشكل عام والروائي بشكل خاص، وهي العشرية السوداء، هذه الأحداث المفجعة الدموية كانت مؤلمة حقا مرة ثانية للجزائريين؛ لأنها غطت مساحات واسعة، وتألم منها العرب كثيرا، وتألم منها كل ذي حس إنساني بعيدا عن الرغائب المريضة. ولكن السؤال الذي يدور في رأسي، وماذا بعد؟ أعتقد أن هناك الكثير من القضايا التي يجب أن نوليها الاهتمام داخل الوطن ونخرج إلى تجربة إنسانية عالمية.