انتشرت في السنوات الاخيرة ظاهرة جديدة في المجتمع الجزائري، ظاهرة الإنشاد الديني أو الغناء الملتزم وصارت مجموعات الإنشاد الإسلامي فرقا لإحياء الأعراس والموالد وكل المناسبات. إقبال العائلات الجزائرية بكثرة على هذه الفرق الإنشادية خاصة في الأعراس من بين الأسباب التي دفعتنا إلى تسليط الضوء على بعض جوانب هذه الظاهرة وأخذ آراء المختصين والمعنيين بالموضوع. ألحان بطبوع: جزائرية ومغاربية ...وخليجية يؤدي المنشدون في الأعراس الجزائرية ألحانا خفيفة بطبوع متنوعة حيث أغلب الفرق والمنشدين الذين عملنا معهم أكدوا لنا أنهم لا يحضرون الأناشيد التي يؤدونها لأن اصحاب العرس هم الذين يحددون لهم ما يغنون فمنهم من يطلب اللون العاصمي والبعض الآخر القبائلي او الشاوي او الوهراني، وحتى المغربي أو التونسي... غير أن ما يصعب مهمة المنشدين في الأعراس هو عندما يطلب منهم تأدية طبوع مشرقية خاصة منها الخليجية وذلك لصعوبة اللهجة الخليجية وعدم انتشارها في الاوساط الجزائرية. ولعل ما يركز عليه المنشدون في الاعراس هو التزامهم بالكلمات النظيفة والنقية التي لا تخرج عن الإطار الاخلاقي القيمي فمن ذكر الله عز وجل إلى الصلاة والسلام على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، تهنئة العرسان، الدعاء لهم بالتوفيق في الحياة الجديدة والذرية الصالحة، وحتى معالجة بعض الظواهر الاجتماعية المتفشية في المجتمع وبالنسبة للآلات التي تستعملها فرق الانشاد الديني في الاعراس فهي تقتصر على الآلات التقليدية المعروفة كالدف والدربوكة . ''النشيد يجمع... والراي يفرّق'' ''النشيد يجمع والراي يفرق'' عبارة قالها أحد العرسان الذين اقتربنا منهم لمعرفة رأيهم في الموضوع وبصفتهم أحيوا أعراسهم على طريقة الانشاد الديني، السيد عبد الكريم هو منشد ديني، أوضح للحوار أن الغناء الملتزم في الاعراس يجمع العائلة في هكذا مناسبات عكس الاعراس التي تعتمد على أغاني الراي الماجنة التي تعودنا عليها في أعراسنا والتي تفرق أفراد العائلة وتحرمهم من متعة التجمع. فرق متخصصة ... ذكور وإناث دلائل الخيرات، الجوهرة، البهجة، الأنوار، التبصرة... وغيرها من الفرق التي أصبحت تخصص قسما كبيرا من نشاطها وتسجيلاتها لحفلات الاعراس، وهناك فرق إنشادية كرست كل وقتها وتخصصت فقط في إحياء الاعراس مثل فرقة الإسراء للانشاد وهي فرقة نسوية تحيي الحفل في الجناح النسوي وما يليق بكل حفلة كحفلة الزفاف او الخطبة، والتقديم على الحناء.. الإنشاد يسترجع مكانته في الوسط الأسري الجزائري أوضح لنا رئيس فرقة القصواء الانشادية بتيبازة أن النظرة التقليدية للإنشاد التي كانت تصف مضمونه بالمحدود، ساهمت في تضييق الخناق على النشيد ''فلم نكن نسمع بالانشاد إلا في مناسبات وطنية وأعياد دينية... أما الآن اتسعت دائرة الانشاد الديني في الوطن العربي عامة وفي الجزائر خاصة وبدأ يستعيد مكانته ودوره وصارت الفرق الدينية أكثر طلبا من قبل الاسر الجزائرية في شتى المناسبات خاصة منها الاعراس. واعتقد أن للنهوض بالنشيد -يضيف عبد الحق- على الفرق الانشادية أن تقدم ما يتماشى والذوق الفني للجمهور لكن في إطار شرعي لايسيئ لمبادئ الإنشاد ولا المنشد كما يجب أن تجد كيفية تستوعب بها كل شرائح المجتمع. في سؤال توجهنا به إلى المنشد المتميز عمر عبد الغني عن سبب الانتشار السريع للإنشاد الديني في الأعراس الجزائرية، أجاب بأن الإنسان وخاصة الجزائري بطبعه يرجع إلى الأصل. أما بخصوص الآلات الموسيقية التي تستعملها فرقة الأنوار التي يتعامل معها فهي في الغالب تنحصر في الدف والدربوكة لكن هناك بعض القصائد العربية التي تحتاج الى آلة القانون او بعض الإيقاعات الحية كما اخترع بعض المختصين في الحركة الإنشادية بعض الآلات ليصبغوا الإنشاد الإسلامي بصبغة عالمية. وقال عبد الغني إن الفرق الإنشادية كانت من قبل تتقاضى مبالغ لا تكفيها حتى لتسديد أجرة تنقلها أما الآن والحمد لله يضيف عبد الغني بعد الانتشار الواسع بين فئات المجتمع أصبح الوضع المادي للفرق والمنشدين أفضل بكثير، وبخصوص مستويات المنخرطين في هذه الفرق أكد لنا أنهم يمثلون نسبة تفوق 58 بالمائة مثقفون وطلبة أو خريجو جامعات . طلبة جامعيون... في فرقة الإنشاد حسب الفرق التي زرناها فإن جل أعضائها طلبة جامعيون من مختلف التخصصات وأغلبهم حفظة وحافظات للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف لذا فإنهم يتميزون بلغة فصحى سليمة وقوية. ويشرف على تكوينهم في مجال الإنشاد أساتذة من ذوي الاختصاص في الموسيقى وفن المقامات. أما بخصوص الأجر الذي يتقاضونه في الحفلات فهو زهيد جدا بالمقارنة مع ما يصرف على مغني ما، وفي بعض الاحيان يقدمون حفلات مجانية خيرية بسبب عسر حال العريس او العروسة كطريقة لتشجيع هؤلاء على اختيار الغناء الملتزم في مثل هذه المناسبات. منشدون من خارج الوطن أمام الموجة السريعة التي انتشر بها النشيد الديني في أعراس الجزائر عرف هذا الطابع طريقه إلى مختلف الدول العربية من خلال ظهور منشدين عرب بارزين مختصين في أحياء حفلات الاعراس في مناطق مختلفة. وهذا دليل آخر حسب بعض المنشدين على العودة القوية للغناء الملتزم.