تميزت التظاهرات الفكرية الخاصة بإحياء ذكرى وفاة سيدي بومدين الإشبيلي بالقيام بجولة ''تذكارية'' لاقتفاء خطى الولي الصالح عن طريق اتباع مساره الذي قام به عند زيارته في المرة الأولى لمدينة تلمسان. وقد انطلقت هذه الجولة التي شارك فيها أساتذة جامعيون وباحثون وموردون وأتباع الشيخ من ''باب التوتة'' بالمشور العتيق، لتشمل عددا من المزارات والمقامات التاريخية والدينية مثل مقام سيدي عبد الله بن علي ولالة ستي قبل الانتهاء الى قطبية سيدي بومدين بتاقبالت، حيث تلى المشاركون آيات من الذكر الحكيم واستمعوا الى تدخلات قدمها بعض الباحثين حول أعمال ومشوار سيدي بمدين ثم أداء صلاة الجمعة في كنف القطبية. كما حاول المتدخلون بهذه المناسبة تصوير المشهد المؤثر الذي يخلد وفاة سيدي بومدين حينما وصل الى قرية عين تاقبالت عندما كان في طريقه من بجاية الى مراكش، نزولا لطلب السلطان يعقوب المنصور ''إذ لما وصل إليها الشيخ رفقة أتباعه بدأ يرنو إلى الأفق البعيد كي يلمح العباد ثم قال ''العباد ما أحلاه للرقاد'' فدفن بهذا المكان من ضاحية تلمسان حيث كان موضعا لخلوة الزهاد. أما منشأ سيدي مدين فيعود الى (كانتيانا) قرب مدينة إشبيليا بالأندلس، حيث رأى النور بين سنة 1120 و1130 فنهل العلم والمعرفة بها قبل أن يستوي عوده ويقوم برحلة طويلة قادته إلى العديد من بلدان المغرب العربي والمشرق، بحيث تعلم بمدينة فاس على يد ''ابن حرزهم'' وغيره من شيوخ عصره وأخذ التصوف عن ''أبي يعزى''. وتعرف بمنطقة عرفات بالأراضي المقدسة بشيخه الروحي عبد القادر الجيلاني وأخذ عنه ثم شارك في الحروب ضد الصليبية بفلسطين، حيث بتر ذراعه قبل أن يعود الى المغرب الأوسط ويستوطن بمدينة بجاية ليقرأ بها رسالة ''القشيري'' وغيرها فكثر أتباعه وموريدوه. وقد خلف مآثر وأشعارا تصب جلها في أغراض الزهد والمديح والشوق الى لقاء الخالق.. وقد استوطن بمدينة بجاية ليدرس بها رسالة ''القشيري '' من التصوف ويذيع المبادئ الأساسية لهذه الحركة الدينية التي تعتمد على الزهد في الدنيا والبحث عن الحقيقة المطلقة. وقد عاد سيدى بومدين إلى مدينة تلمسان في نهاية حياته ليلفظ أنفاسه الأخيرة بقرية عين تاقبالت الواقعة على بعد 30 كلم يوم 13 نوفمبر1197 الموافق لسنة 594 ه. وفي ظل سيدي بومدين وأمثاله بالمغرب العربي صار التصوف يعني فيما يعنيه الطريقة السلوكية في العبادة وأسلوب التفكير واكتساب المعرفة، الشيء الذي شجع ظهور الطرقات الصوفية المختلفة مثل الشاذلية والتيجانية.