حملتهن الحياة تبعات ذنب لم يكن لهن يد فيه واستطاع الألم أن يغلف جانبا هاما من حياتهن، فتيات كن ضحية نزوات حيوانية لأشخاص تجردوا من إنسانيتهم وحولوا حياتهن إلى جحيم لا يطاق وألصقوا بهن عارا لا تمحوه آثار السنين بعد أن أضعن في عمر البراءة أهم ما تعتز به الفتاة. يستطيع الإنسان أن يواصل الحياة رغم كل الآلام التي يمكن أن تعتريه، فلن تكون قادرة على الحد من طموحاته وآماله. لكن هناك من الآلام ما لا يقدر الزمن على محوها، ولا إخفائها ولن يستطيع إزالتها إلا الموت ومنها الاغتصاب ورغم ما تحمله هذه الكلمة من إشمئزاز وتصور لسامعها إلا أنها وللأسف موجودة فحين ينعدم الضمير وتغيب الإنسانية يفتح حينئذ المجال واسعا لنزوات شيطانية تتملك صاحبها وتدفع بالضحية إلى عالم مليء بالآلام والمعاناة التي لا تنتهي، ولا يجد المجتمع حرجا في إلصاق ثوب العار بالفتاة وحتى وإن عاقب المغتصب إلا أن الصورة السيئة تلتصق بها وحدها طال الزمن أو قصر. ------------------------------------------------------------------------ وحوش التهمت عالم البراءة ------------------------------------------------------------------------ تتعرض الفتيات الصغيرات إلى حوادث مختلفة ويبقى الاغتصاب من أبشع ما يمكن أن يصيب الفتاة وإن حدث ذلك فكثيرا ما يكون الكتمان والطي نهاية لها خوفا من الفضيحة والعار ونظرة المجتمع. ومنها ما خرج للعلن في صور هزت المجتمع والمشكل أن نفس المجتمع الذي تضامن مع الفتاة وعاقب المغتصب لا ينسى أنها مغتصبة ولا يخجل أن يذكرها بذلك ولو بالإشارات مع أن لا ذنب لها في ذلك وكثيرات من كبرن وكبر معهن الألم خاصة من تعرضن للاغتصاب في سن مبكرة جدا وهذا ما وقع لآمال فتاة لم تفهم سر النظرات في عيون الناس إلا عندما كبرت وأدركت أنها لا تصلح أن تكون امرأة لأن شخصا ما وفي يوم ما سلب منها أعز ما تملك عندما اغتصبت براءتها وهي التي لم تكن قد تجاوزت حينها الرابعة من عمرها. وأدركت أن المجتمع وضعها في نفس الكفة مع جلادها، وأنه لا يتساهل أبدا في مسألة العار ولا ينساه أبدا. ''آمال'' وإن استطاعت أن تواصل الحياة إلا أنها لم تستطع أن تنسى أن قدرها قد امتدت إليه أياد آثمة شوهته إلى الأبد. وإن كانت ''آمال'' اكتشفت سر نظرات الناس بألم إلا أن غيرها إمتزج لديهن الألم والحقد على الناس ودفعهن ذلك إلى الإبتعاد عن الحياة العامة حتى وإن وقعن في المرة الأولى ضحية فإن ذلك حولهن إلى محل أطماع بعض من أشباه الرجال ولم يسلمن من تعليقاتهم الساخرة وإن رأى أغلب الشباب أن الفتيات المغتصبات ضحايا ولا ذنب لهن إلا أنهم يرفضون الإرتباط بهن وتصحيح أخطاء الآخرين ويرفضون منحهن فرصة لتجاوز الآلام لأن الشاب في حد ذاته يخاف من المجتمع ولا يملك الجرأة على مواجهته إلا نادرا وفي حالات قليلة تدخل فيها حسابات أخرى وتتغلب على أحكام المجتمع وتتحدى قرارته وفي حالات أخرى يكون مصير الفتاة الإرتباط بأرمل أو شيخ لن يسألها عن ماضيها ولن يهمه ما وقع لها. كل ما سبق دفعنا للتساؤل لماذا يرسم المجتمع صورا مظلمة للفتاة المغتصبة؟ ولماذا يصر على وضعها جانبا؟ ورميها في سلة المهملات، إن جاز هذا التعبير مع أنه يدرك جيدا أن لا ذنب لها وإن خيروها فستختار الموت بديلا عن هذا المصير الأسود بكل تأكيد. أما الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب وهن كبيرات فتتحول حياتهن إلى كابوس مرعب يبدأ من الأسر التي لا تتوانى عن إلحاق الأذى النفسي والجسدي بهن غير مبالين بما قد يصيبهن من ألم زائد والذي قد يؤدي بها إلى التفكير في الانتحار أو قد يوصلها إلى عتبات الجنون أو الهروب من البيت في أحسن الأحوال مع ما يترتب عنه ذلك من أخطار جمة. وأغلب حالات الإغتصاب تكون نتيجة قلة وعي الفتاة أو إنسياقها خلف الوعود الكاذبة والكلام المعسول لشباب طائش وفاقد للمسؤولية. وكثيرة هي الكوارث التي نزلت على عائلات بأكملها كان الطيش والاستهتار السبب الرئيسي فيها ومنها قصة ''مينة'' التي انساقت خلف وعود شاب وفرت من منزلها بحثا عن حياة سعيدة خالية من القيود حينها لم تكن تتجاوز السادسة عشرة من عمرها وتحولت إلى لقمة سائغة على يد صديقها الذي رماها بعد يومين من الحادثة بحجة عدم قدرته على توفير سكن لها. وإن كانت قصص مثل هذه تملأ يومياتنا رغم بشاعتها إلا أن الكثير من الفتيات لم يتعلمن الدروس جيدا ووقعن في نفس الاخطاء التي وقعت فيها سابقاتهن. أما الشباب ففضل الكثير منهم السجن على الارتباط بفتيات مغفلات إلى هذه الدرجة كما وصفوهن ومن تزوج إحداهن فسيكون العذاب والشك والريبة من تصرفاتها يخيم على حياتهما طول العمر. وإن كان المجتمع يحمل الفتاة المغتصبة كل تبعات الخطيئة فان هناك من الفتيات من يستغفلن المجتمع بمنتهى المكر وينغمسن في عالم الرذيلة إلى أبعد الحدود دون أن يلحظ المجتمع ذلك ولا يمنحنه فرصة الطعن في شرفهن والنتيجة غشاء بكارة سليم واستعادته بعمليات الترقيع التي أصبحت في متناول الجميع ولم يعد غشاء البكارة دليلا على شرف المرأة وعفتها بعد أن اختلط الحابل بالنابل وتغيرت الكثير من المفاهيم وغاب الضمير في أمور كثيرة وحساسة. ------------------------------------------------------------------------ حوادث قلبت حياة أسر بكاملها ------------------------------------------------------------------------ يعتبر غشاء البكارة في مجتمعنا دليل عفة، لكن هذا الأخير قد يتمزق نتيجة حوادث كثيرة وغالبا ما يصر الآباء على استخراج شهادة طبية في الحين ليتخذوها دليلا على شرف بناتهم وحجة يخرجونها عند بلوغ الفتاة سن الزواج وكثيرا ما انتهت ألعاب الأطفال نهاية مأساوية أربكت الكثير من الأولياء، لكن تبقى هذه الحوادث أخف ضررا من حوادث الاغتصاب التي تجلب العار ولا يستطيع المجتمع نسيانها حتى وإن أغفل الحديث عنها إلا أنها لا تمحى وتبقى بصماتها بادية للعيان وشرخا في جدار العمر.