كشفت دراسة حديثة لشركة ''بي. ب'' للطاقات النظيفة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بأن النقص في الموارد البشرية والكفاءات من اكبر المشاكل التي تواجه قطاع النفط والغاز. وتوقع ضياء الدين محمد مدير الموارد البشرية في شركة ''بي. ب'' في حديثه عن التحديات التي تواجه القطاع لمجلة الاقتصاد والأعمال أن يتقاعد نصف العاملين حاليا في مجال التنقيب والإنتاج وتطوير قدرات التخزين والنقل في غضون السنوات الخمس المقبلة، من دون أن يكون بالإمكان ملء الوظائف الشاغرة ولا بدائل كافية لأن الأجيال الحديثة من الطلبة لا ترغب بدراسة فرع المحروقات. واعتبر المسؤول مشكلة نقص الكفاءات والموارد البشرية المؤهلة في قطاع البترول والغاز بالتحدي الرئيسي الذي يواجه القطاع، ويطرح في نفس الوقت ما يشبه ''الإنذار'' للشركات والمؤسسات الناشطة في هذا المجال، داعيا في آن نفسه إلى تكثيف وتنسيق الجهود لإيجاد الحلول المكنة. وأكد ضياء الدين محمد أن عدم اهتمام الجيل الجديد بولوج عالم النفط والغاز يعود بشكل عام إلى عدة أسباب، حصرها في التاريخية أولا، وتتمثل في أن القطاع بات صناعة غير مستقرة بعدما مر ولازال يمر بدورات متقلبة عصفت بأسعار برميل النفط إلى أقل من 20 دولارا خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، فضلا عن الاضطرابات الاستثنائية التي شهدتها سنة 2008 جراء الأزمة العالمية من 147 دولارا إلى 42 دولار في هذا الأسبوع . حيث فرض هذا الواقع على كبريات الشركات العالمية على تسريح عدد كبير من اليد العاملة، قدر ب 500 ألف عامل دون تعويض أو توظيف بدائل لحوالي 80 في المائة من مناصب المسرحة. ناهيك عن تعليق المشاريع الاستثمارية الضخمة إلى غاية توضح الرؤيا عن آثار الأزمة الاقتصادية، التي تأثرت من ورائها عدة مؤسسات مصرفية ومالية عملاقة. وأوضح المتحدث أن عدم إقبال الجيد الجديد على دراسة مختلف الاختصاصات المتعلقة بالنشاط النفطي يرجع لكونه بات قطاعا غير مغر بشكل عام، نتيجة عدة عوامل أخرى أيضا، ومنها البيئة والسياسية، وما يتعلق بطبيعة العمل في حد ذاته. وأشار في هذا السياق إلى أن قطاع التنقيب والإنتاج وتطوير قدرات التخزين والنقل بخيل على حد قوله، على الرغم من الأرباح الطائلة التي تحققها الشركات العاملة فيه. ويعطي مثالا عن اكبر 5 شركات بترولية في العالم كسبت أرباحا صافية تجاوزت 7ر2 مليار دولار خلال ,2007 لكنها لا تؤمن لموظفيها دخلا جيدا يوازي ما يتقاضاه نظرائهم وزملائهم في قطاع التكنولوجيا العالية مثلا. ويرى مدير الموارد البشرية في شركة ''بي. ب'' أن نقص الكفاءات لا ينحصر بقطاع النفط والغاز فقط، بل يشمل كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى على المستوى العالمي. والسبب يعود إلى النمو الاقتصادي الكبير والسريع جدا منذ سنة 2000 دون أن يواكبه تطوير قدرات النظام التعليمي، لسد الاحتياجات اللازمة من المهارات والخبرات لكل مجال. جهود ومبادرات فردية ومتفرقة لتلبية احتياجات القطاع وقال ضياء الدين محمد مدير الموارد البشرية في شركة ''بي. ب'' بشأن ما يبذل من جهود لتلبية احتياجات القطاع أنها عبارة عن مبادرات فردية متفرقة، في حين المطلوب مبادرات على صعيد أوسع وجماعي، تقوم به الشركات العاملة بالقطاع لتوحيد الجهود باعتبار ذلك بالحل الوحيد للخروج من معضلة العجز في توفير الكفاءات. وذكر المسؤول بأن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا تستحوذ على نحو 60 في المائة من احتياطات الغاز والبترول في العالم، تضمن به مستقبل أجيال قادمة، لذا فمن الطبيعي مضاعفة المجهودات والاهتمام أكثر بالمسار التكويني لطلاب الجامعات وحتى المدارس الثانوية. واقتراح ضياء الدين محمد تبني برنامج مشترك تتولى من خلاله الشركات تكليف خريجي الجامعات الجدد ببعض المهمات والواجبات ومن ثمة توظيفهم لجذبهم إلى القطاع، وكذا خفض معدد عمر العاملين في القطاع إلى اقل من العمر الحالي لضمان توفر المناصب الشاغرة مع سهولة تعويضها. بالإضافة إلى التوجه نحو تلاميذ المراحل الثانوية لاسيما المقبلين على شهادة البكالوريا للتأثير في قراراتهم وتوجهاتهم المستقبلية. تخرج مئات الطلاب من المعهد الوطني للبترول ببومرداس سنويا شهد معهد البترول بجامعة أمحمد بوقرة سنة 2007 تخرج أول دفعة ماستر مكونة من 315 طالب في تخصص اتصال واقتصاد البترول والتنقيب والميكانيك البترولية وعدة تخصصات متعلقة بالمجال البترولي والغازي. وتدوم عملية التكوين على مستوى هذا المعهد 18 شهرا تحت إشراف خبرات دولية في إطار عقد الشراكة الذي يربط المعهد الجزائري للبترول والمعهد الفرنسي للبترول وجامعة ''غرنوبل ثلاثة'' الفرنسية والاسكتلاندية وروبرت غوردون لأبردين. وتدعم المعهد الجزائري للبترول بقانون أساسي جديد تم بموجبه تحويله إلى مؤسسة ذات أسهم، ويسمح له بالاستعانة بالكفاءات الدولية الضرورية لترقية مستوى تكوين الإطارات والكفاءات، حتى تستجيب لمتطلبات سوق الصناعة البترولية والطاقة في ظل العولمة والتنافس. وتعتبر الشركة الوطنية للمحروقات ''سوناطراك'' قضية الشراكة مع المؤسسات الأجنبية على لسان مديرها العام محمد مزيان بالإستراتيجية، لأنها الوسيلة الأساسية للتنمية والتطور الخاصة وإنها تمثل رهانا أساسيا لتقدم قطاع الصناعة والتجارة الدولية للبترول والغاز والطاقات، مما جعل الموارد البشرية في قلب إشكالية التنافس على المستوى الدولي. وتسعى شركة سوناطراك من خلال سياسية التكوين أن تتقدم وتتطور وفق وتيرة التغيرات التي تعرفها قطاعات التكنولوجية وطرق التنظيم وأنظمة التسيير لضمان الاستقلالية ومواصلة عمليات التنقيب والتحويل وتسويق البترول والغاز والكهرباء والطاقات الجديدة والمتجددة. ... وآلاف دون شغل أو التحقوا بمناصب أخرى أكد لنا العديد من الطلبة المتخرجين حديثا من المعهد الوطني للبترول في تخصص التنقيب والاستغلال أن فرص الحصول على وظيفة بات تتضاءل يوما بعد يوم، فضلا عن الشروط التعجزية التي تفرضها مكاتب التوظيف لشركة الوطنية للمحروقات والشركات الأجنبية العاملة بالجزائر. ويروي ''عبد المالك. ك'' المتحصل على شهادة مهندس دولة في مجال التنقيب بتقدير جيد والأول في دفعته سنة 2006 أنه أجرى تربصه الميداني بأحد فروع سوناطراك بالجنوب الكبير لمدة 6 أشهر، اكتسب خلالها المبادئ الأولى وبعض المهارات في الميدان. ويضيف محدثنا أنه تلقى رفقة طالب أخر وطالبة وعودا بالتوظيف مباشرة عقب التخرج، لكن ذلك ما لم يحصل معه وزميله أيضا نظرا لم عدم حيازتهم لبطاقة أدى الخدمة الوطنية رغم كونه الأول في دفعته. وأمام هذه الأوضاع والظروف المزرية التي تلقي الطلاب بعد التخرج وترمي بهم في البطالة والفراغ الذي يستنزف طاقاتهم وقدراتهم الابتكارية، نجد الكثير من الطلبة الجامعيين في الجذع المشترك علوم تكنولوجيا ورياضيات يفضلون التخصص في الهندسة الميكانيكية أو المدنية أو الكهربائية أو الكيمياء أو الإعلام الآلي، نظرا توفر وتهاطل العروض على مثل هذه التخصصات.