تصور المخرجة فتاة هاربة إلى قرية جبلية تظهر عليها علامات المعاناة وأوضاعها مزرية، ورافقت هذه الصورة موسيقى حزينة معبرة عن المشهد الكئيب ودعمت الجوّ الدرامي الذي خيم على المشهد والصورة يحيل إلى أن هذه الفتاة هاربة من الإرهابيين وهي مغتصبة، وحتى صوت المعلمة في الساحة وهي تقول '' الطفلة اللي خطفوها'' دليل على أن الفتاة مختطفة من طرف الإرهابيين. كل هذه الصور أضفت إحساس خاص بتراجيديا مؤلمة. تطرح المخرجة في هذه اللقطات التهميش الذي عانت منه تشكيلات المجتمع في ظل العنف المسلح الإرهابي والذي انعكس أضعافاً على هيئة النساء، بالإضافة إلى معاناتها من الأوضاع الاجتماعية السياسية، الثقافية. فلقد عانت أيضا من ظاهرة الإرهاب فأصبحت مستهدفة للاختطاف والاغتصاب. تبدو شخصية المخرجة متأثرة بهذا الوضع الأليم بحيث تجسدت الإيديولوجية من خلال توظيفها المؤثرات الخاصة ، مثل الموسيقى المعبرة والرسالة الأيقونية المؤثرة، فالصورة صريحة في نقل المعنى الذي ترغب المخرجة نقله إلى الجمهور بمعاناة المرأة من مختلف أساليب الوحشية الإرهابية، فكانت المرأة مستهدفة، وجعلوا منها غنيمة حرب لإرضاء غرائزهم، فأصبح الاختطاف الوسيلة للحصول على الفتاة. وجدت نفسها ضحية تطرف وعنف أعمى، والكثير من النساء تم تحطمهن من خلال الخطف والاغتصاب. الصورة توضح معاناة المرأة المغتصبة بتضاعف ألامها وعليها أن تدفع ثمن اغتصابها واختطافها من طرف الإرهابيين، وعن قسوة الواقع الاجتماعي والعائلي الذي لا يرحم، فقد اصطدمت بواقع مرير، فهي تدفع ثمن خطأ لم ترتكبه، وأصبحت مذنبة في نظر المجتمع والأب. والحوار الدرامي الذي ختم على الصورة عبّر عن مأساة حقيقة، فالفتاة المغتصبة خسرت كل شيء، عائلتها، شرفها وحتى كرامتها، ككائن حي، ولم تتوقف معاناتها في هذا الحد فقط بل تعدي إلى معاناتها نفسيا، فالمخرجة تريد تغير هذا الواقع المرّ والدفاع عن هذه المرأة المظلومة بإبراز معاناتها في العشرية السوداء بتعزيز أوضاعها وتحسين ظروفها والمساهمة في خلق محيط مؤسس في اجتماعي بالتعامل مع هذا الواقع المر برؤية أكثر رشادة ومسؤولية. ركزت المخرجة في اللقطات المصورة على العنصر النسوي، كأنها تريد الإشارة إلى معاناة هذه الفئة من قتل واغتصاب واختطاف دون نسيان الشخصية المحورية في الفلم التي جسدت دور هام في خلق التشويق واستطاعت أن تعطي أكثر من تعبير، فقد أعطت تغيرات عن القلق والخوف كما ساهمت المؤثرات الخاصة بالصورة والصوت في تعميق الدلالة الخاصة بالخوف. وعبرت أيضا الموسيقى الموظفة في التعبير عن حالة النساء. فالصورة توحي إلى حزن كئيب خيم على المشهد، فالنساء اللواتي فقدن أولادهن وأزواجهن أو حتى أحد أقربهن سيتحملن وزر الألم و المعاناة كما أن هذه المجزرة والجريمة تكون لها تأثير عميق في بنية المجتمع. لقد كانت نهاية الفيلم عبارة عن لقطات تصور رشيدة متوجهة إلى المدرسة بلقطات متوسطة ومقربة وزوايا تصوير مختلفة بتوظيف موسيقى أضفت على المشهد جوّ عاطفي مؤثر.تستعيد رشيدة شجاعتها وتظهر في وسط الخراب والدمار الذي خلفه الإرهاب تسير ببطء شديد وفي يديها محفظة وتضع سماعات الولكمان في أذنيها، تتوجه إلى المدرسة التي دُمرت معظم هياكلها وبدأ الأطفال يتوافدون تباعاً لتستأنف رشيدة درسها في حب الوطن الذي لا يزول ولا يركع أمام الضغوطات والأعمال الإجرامية الإرهابية التي حصدت الكثير من الأبرياء. فهذا المشهد، يوحى بأن رشيدة ستزرع في نفوس هؤلاء الأطفال بذرة التحدي والأمل ولغد مستشرق ولجزائر مبتسمة، فرشيدة التي كانت تتهرب لاستماع الأغاني العاطفية وافتقادها للأمان والطمأنينة تحولت إلى شخصية أخرى مكافحة، صامدة ومقاومة، حملت كل المعاني الدالة على الإصرار والتحدي، وكانت تضحياتها وبطولاتها تكشف عن عمق إيمانها بمواصلة العمل والوقوف أمام الأعمال الإرهابية، وهو أمر يعبر بالدرجة الأولى في النهاية عن قوة شخصية رشيدة وهي تنفرد بدور المرأة الجزائرية والمعلمة في تحقيق السلم والعيش على هامش ثوابت نضالية وتجنب الوقوع في التدليس والظلم، وقررها بمواصلة الدراسة بمساعدة تلاميذ القرية بالخروج من حالة اليأس والحزن دليل على تعزيز دور المرأة في العشرية السوداء في مجتمعنا التي تواجه في معظم الأحيان عوائق ومشاكل ترجع لكونها امرأة من الدرجة الثانية تنتمي إلى نسق اجتماعي وسياسي وثقافي مختلف عن مكان إلى أخر، وتواجه أيضا مشاكل أمنية ومعاناتها اليومية. لقد تطرق فيلم رشيدة إلى وضعية المرأة في المجتمع الجزائري، ومعاناتها من الإرهاب ومن مختلف المشاكل الاجتماعية والنفسية والأمنية المترتبة عنه. ويقوم فيلم رشيدة على خطاب إيديولوجي ضمني يدعو إلى تحرر المرأة الجزائرية من قيود العادات والتقاليد والدين الإسلامي، ويظهر ذلك من خلال الأوضاع المختصة وغير المختصة الموظفة داخل الفيلم التي شكلت للمشاهد خطاب إيديولوجي الذي برز في المشاهد واللقطات الأولية للفيلم في تصوير بطلة الفيلم رشيدة حرة، طليقة، وتقوم بعملية التجميل وترفض ارتداء الحجاب.كما ترى المخرجة يمينة بشير شويخ، أنه رغم معاناة المرأة من الإرهاب واضطهادها، إلا أنها وصلت إلى مستوى من التقدم، ما يسمح لها بالمشاركة في كل مجالات الحياة المختلفة ويظهر ذلك جلياً من خلال الوظائف الرئيسية التي تقلدها رشيدة ومديرة المدرسة، وهذه الصورة لقيت ترحيباً ونجاحاً عرفه الفيلم في مختلف المهرجانات السينمائية الدولية خاصة الأوروبية.لم يعكس فيلم رشيدة بعض القيم الثقافية للمجتمع الجزائري، فالرسالة يجب أن تخاطب الأفراد بلغتهم وثقافتهم، وقيمهم، لكن الفيلم استخدام قيم وثقافة غربية، البعيدة عن قيم المجتمع الجزائري الإسلامي. لقد كان فيلم رشيدة محل انتقادات متنوعة بعضها ارتبط بالمخرجة وبعضها الأخر ارتبط بمضمون الفيلم في حد ذاته، فهو يغازل الذهنية الغربية بتقديم صورة سلبية عن المواطن العربي والإسلامي بالتركيز على عناصر التخلف والأصولية المتشددة وتواجد الإرهابيين في المدن الكبرى والقرى، وضعف مؤسسات الدولة الأمنية في محاربة هذه الظاهرة.والشباب الذي قدمته المخرجة يشكوا من البطالة والتهميش، والمرأة الأم تعرب عن يأسها المطلق من إزاء المشاكل الاجتماعية والأمنية، والنساء العاملات مطاردات لأسباب غير منطقية . في نهاية الفيلم أشارت المخرجة إلى أن هناك نافذة للأمل تظل مفتوحة، بالرغم من جرائم الإرهابيين ،إلا أن المجتمع الجزائري لا يركع أمام الضغوطات الشاذة والأعمال الإرهابية التي حصدت أرواح الكثير من الأبرياء. * أستاذ مؤقت بكلية العلوم السياسية والإعلام- في قسم علوم الاتصال