نقلت المخرجة في هذه اللقطات قناعتها الخاصة في قدرة المرأة على القيام بكل الأدوار في المجتمع والاعتراف بقيمتها وبالدور الأساسي الذي احتلته في المجتمع، خاصة أن عمل المرأة، لم يعد يقتصر على ذلك الدور التقليدي مثل: الزوجة أو الخادمة في المنزل وحسب، ولكنها تغيرت واقتحمت مجالات عديدة، ولعبت أدوار هامة، كانت حكراً على الرجل فقط، فأصبحت تتربع على مكانة مرموقة، والتركيز على مديرة المدرسة تُوحي إلى حقيقة جلية في نظر المخرجة، على أن المرأة اليوم تشارك الرجال في كل المسؤوليات دون استثناء بل ترأسه في مجالات كثيرة وفي مجالات حساسة مثل التعليم. تشير هذه البداية إلى خروج المرأة من دورها التقليدي لتتقلد مناصب هامة في القطاع التربوي .فبالرغم من هذا الوجه الإيجابي لمكانة المرأة إلا أن المخرجة عبرت عن حقيقة أخرى لا يمكن إغفالها والسكوت عنها ،كون المرأة لا تزال تعاني من قهر وسلطة الرجل، مازلت تحت سيطرة الزوج. ويمكننا القول، أن المخرجة تنتمي إلى الفئة التي تدعو إلى تحرر المرأة بإعطائها حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية، والإشارة إلى أن هذه المرأة فرضت نفسها في كل الميادين هذا من جهة ومن جهة أخرى، وفي سياق أخر فمهما يكن الموقع الذي تحتله المرأة الجزائرية وتباشر من خلاله الأعمال، إلا أنها تتلقى في النهاية مجموعة من القيود والعوائق التي يجب التوقف عنها. بصفة عامة، أبرزت المخرجة دور المرأة الجزائرية وتحريرها من القيود الاجتماعية ونضالها اليومي، كما أنها طرحت موضوع الشغل والضغوطات التي تتعرض لها المرأة. بهذا تكون المخرجة قد نقلت الفكرة بشكل صريح وواضح باستخدام أحجام اللقطات المختلفة خاصة المقربة من خلال إبراز تفاصيل وجه حركة الشخصيات وباستخدام مونتاج موازي وتعبيري وباستخدام أيضا مؤثرات سمعية بصرية، كما استخدمت المخرجة مونتاج إيديولوجي ضمني فقد تم تصوير رشيدة في المدرسة حرة مبتهجة حتى لباسها كان عنصراً مشاركاُ كوسيلة تعبيرية، فكانت ترتدي لباساً غربياً وليس محلياً، عكس المعلمة الأخرى كانت ترتدي الحجاب تظهر على وجهها الكآبة و الحسرة والخوف .فكانت رشيدة ترمز إلى المجتمع المعاصر والمتقدم المتحرر، أما المعلمة ترمز إلى عالم مضطهد ومتخلف، وحتى في حديث المعلمة مع رشيدة كان تعبيري، فهي ترتدي الحجاب ليس بقناعتها الخاصة بل خوفاً من زوجها، وتظهر جلياً قناعة المخرجة وانتمائها للمدرسة الغربية أو بالأحرى تأثير المؤسسات الغربية التي ساهمت في إنجاز هذا الفيلم، بالدعوة إلى تحرر المرأة وإعطاء قيمة سلبية للمرأة التي ترتدي الحجاب. وتصور لنا المخرجة فضاء أخر خارجي والذي تدور فيه الأحداث فلتزاحم التفاصيل من مفردات المكان والصوت له أهمية كبيرة في إنتاج المعنى، ويكتسي دوراً هاماً في تجسيد موضوع الحدث الدرامي، وكعامل مساعد في التعبير عن الأفكار. فتصوير رشيدة في هذا الفضاء هو نابع من الحقيقة في انتمائها إلى هذا الفضاء المتمثل في المدينة الذي تم تصويره أيضا ببناياته العصرية وطرقاته المكتظة بالناس والسيارات وهذا لإضفاء الطابع الواقعي على المشهد. وتبين الصورة بلقطات مختلفة مجموعة من الإرهابيين (الشباب) يطلبون من رشيدة وضع قنبلة في المدرسة ليكون ضحيتها الأطفال، ومع رفض رشيدة هذا الطلب وإصرارها على موقفها الرافض، أطلق أحدهم النار عليها وتركها تتخبط بدمائها وسط الشارع أمام أعين الجميع، ولم يتحرك أحدهم، فأصحاب المحلات أغلقوا أبواب محلاتهم ونسمع خطى هاربة، هروب الأشخاص ليتحول الشارع المليء بالضجيج والصخب والحركة إلى سكون شامل.لقد قدمت المخرجة الحي الشعبي أثناء إطلاق النار على رشيدة كدلالة تضمنية على غياب قوات الأمن في حي شعبي كبير في العاصمة، وغياب الأمن في حماية الطبقة المتوسطة والفقيرة التي تمثلان غالبية الشعب الجزائري، كما ساهم التركيب التعبيري الذي وظفته المخرجة في إحداث تأثير عاطفي على المشهد، وهذا ما يدعم إيقاع الفيلم وخلق إحساس بالاستمرارية، كما اعتمدت على دلائل صريحة وضمنية لتوصيل الدلالة إلى المشاهد بشكل دقيق وهي أن رشيدة المعلمة، تعاني من مشاكل اجتماعية مع أسرتها الصغيرة وتعاني من مشكل أخر مع فئة اجتماعية اختارت العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها، وكانت المرأة طرفا في الصراع الذي خلف العديد من الخسائر البشرية والمادية .كما ساهمت في إبراز بشكل واضح الإرهابيين الذي طلبوا من رشيدة وضع القنبلة في المدرسة والملاحظة الأساسية التي يمكن استنباطها من هذه الصورة أن هؤلاء الإرهابيين كلهم من فئة الشباب لا يتعدى عمرهم 03 سنة وبالتالي فقيامهم بهذا العمل كان نتيجة لعدة دوافع وأسباب اجتماعية، سياسية، دينية، وتم استخدامهم في أعمال العنف والإرهاب. هؤلاء الشباب بمختلف مستوياتهم وخلفياتهم الاجتماعية والسياسية، الثقافية والدينية فاقت الحدود والمعايير، وإحباط من الحياة دون أفاق مستقبلية. بدو، لنا أن المخرجة تريد أن تبلغ عن مظاهر المعاناة الأخرى للمرأة في سياقها الاجتماعي وساهمت في نفس الوقت في تعزيز دورها في المجتمع واستمدت شرعيتها وعملها في طبيعة واقعها الخاص وإدماجها داخل نسيج اجتماعي ثقافي سياسي، فالرسالة واضحة رغم المشاكل والتهميش إلا أن للمرأة النصيب الأكبر من هذه المعاناة فهي تشعر بالظلم والاضطهاد وفضلت التضحية والصمود بارتباطها العميق بالرواسب الثقافية والتاريخية بحيث لازالت هذه القيم راسخة في فئة العنصر النسوي. فبالرغم من الإقصاء والتمييز والعراقيل التي رسختها بعض العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى التاريخية، إلا أنها تحمل قيم الصبر والعمل والصمود، فهذه اللقطات ساهمت في تعظيم دور المرأة ونضالها. عكست صور الفيلم الشعور باليأس والإحباط ،كما ترمز إلى معاناة المرأة ( رشيدة ) نفسياً من الإرهاب وضغوطات الجماعات الإرهابية فالإرهاب يطاردها في كل مكان وكل زمان، حتى في وسائل الإعلام، بحيث أصبح أحد المحاور الكبرى في هذه الوسائل ..فرشيدة نموذج للعديد من النساء الجزائريات خاصة العاملات، والتي تأثرن وتعرضن للعنف الإرهابي وتحملن وزّر الغضب والمعاناة والأمراض النفسية. صحيح أن اللقطات، عبرت عن ملامح الغضب الإحباط في وجه رشيدة، لكن رشيدة لم تستطيع التعبير عن ما بداخلها من سخط ومعاناة وهي قابلة لاتخاذ أي موقف في كل لحظة. يتبع...