نحط الرحال وإياكم بمنطقة كثيرا ما تغنى بها شعراء والملحنون، وافتخر بها ثوار حرب التحرير المجيدة، واستند طارق بن زياد على خيرة شبابها يوم فتح الأندلس، هي تلك المنطقة التي ولد بها وترعرع صاحب كتاب المعيار الثقيل أحمد بن يحى الونشريسي، واحد من أبرز علماء الدين، كرس حياته في علوم الدين والشريعة, إنه الونشريس الأشم بطبيعته العذراء وجداوله الرقراقة وجباله الراسية.وجهتنا بالتحديد حمام سدي سليمان المنتجع الرباني الذي ضرب عليه ذيل النسيان بين تلك الهضاب والجبال الراسية، بقي مقبرة بين أشجار الصنوبر الباسقة، يقذف بمياهه رغم الإهمال واللامبالاة من قبل المشرفين والمسؤولين المباشرين عنه، ولم يشفع له موقعه الاستراتيجي الهام على علو تجاوز1230 م بقلب صخرة الونشريس.وليس ببعيد عن الدائرة الأم برج بونعامة سوى عشرة كيلومترات، وعن عاصمة الولاية تسمسيلت بحوالي 60 كلم، الكل كان يتوقع أن تتحول منطقة حمام سيدي سليمان إلى قطب سياحي، يأتونه من كل حدب وصوب، نظرا لجمال طبيعته الخلابة وجوه المعتدل وميزة مياهه التي تشفي من عدة أمراض لاسيما أمراض المعدة والجلد، إلاّ أن التهاون والإهمال أبقاه على ما هو عليه اليوم، غرف قديمة لا تليق بالمقام بنيت منذ الاستقلال ولم يطرأ أي تغيير عليها.ففي بداية عام 2002 قررت سلطات الولاية آنذاك بناء منتجع مجهز بكل اللوازم وتم اختيار الأرضية، وانطلقت الأشغال إلاّ أنها توقفت مباشرة بعد تحويل صاحب فكرة المشروع والي الولاية إلى مهام أخرى، بل زال المشروع من أصله وخابت تلك الآمال التي كانت عالقة من قبل رواده ومحبيه، الذين تعودوا على قضاء عطلهم الربيعية والصيفية بين أكناف غاباته وأحراشه المتشابكة، وأغلبيتهم من الولايات المجاورة وحتى البعيدة عنها،ولكنهم في نهاية المطاف سواح وسائحات جاءوا من ولاية تسمسيلت والمدية وتيبازة وعين الدفلى، تيارت، مستغانم وغليزان والشلف ومعسكر والجزائر، وحتى من خارج الوطن فقد سجلت المنطقة استقطاب عدد كبير من المهاجرين، وعرف عن المنطقة تميزها بالمياه المعدنية مما فعل الحركة بها.علما أن الإحصائيات أكدت أن عدد الزوار تجاوز قدرة الاستيعاب، فكلما حل فصل الصيف وصل عدد السيارات إلى مئات وعشرات الحافلات، وسجل في نهاية أسبوع واحد ما يفوق ال ألف زائر، فحسب مصادر محلية بالمنطقة الكل وجهتهم المناظر الخلابة وتسلق الجبال والاستمتاع بالمياه المعدنية الذي أخذت البلدية تسميته، وأضحت تسمى بلدية حمام سيدي سليمان.وحسب المعلومات المستقاة فإن الحمام بدأ يستغل وعمليا في حدود عام 1910 من لدن أبناء المنطقة، ففي بداية الأمر كان للتداوي ومن ثم استغل من قبل الاستعمار الفرنسي بشكل متواصل بعد اكتشافهم لقوة تأثيره وشفائه لعدة أمراض كما سبق وأشرنا، خاصة للأشخاص الذين يعانون اضطرابات في الجهاز الهضمي وأمراض الأمعاء، كما أنها تساهم بشكل كبير في القضاء على ألم المفاصل، وحتى الذين يعانون من بعض الأمراض الجلدية كالقرع والجرب زيادة على أن تركيبة مياهه المعدنية تحتوي على عدة مكونات خاصة، حيث يمثل السولفات بها 470 ملغ في اللتر و 994 ملغ من الكلور و 667 ملغ من الكالسيوم و درجة حرارة مياهه 42°، ولهذه المياه فوائد كبيرة للأشخاص الذين يعانون اضطرابات في الجهاز الهضمي وأمراض أخرى.وفي الختام كان لنا اتصال مع العديد من الوافدين إلى المنطقة الذين كان أملهم الوحيد هو أن تولي السلطات المحلية ووزارة السياحة بالدرجة الأولى الاهتمام بهذا الكنز، الذي تزخر به المنطقة، وأصابع الاتهام موجة من لدن من استشرناهم إلى مديرية السياحة بالولاية لأنها اهتمت بالصور والمقالات عن المنطقة، ولكنها فشلت في بناء أو تشييد قطب سياحي بالمعنى الحقيقي، لجعل حمام سيدي سليمان بمثابة الوجهة السياحية لتيسمسيلت والونشريس الأشم، وخاصة أنه لا توجد هياكل وطرق ولا حتى وسائل نقل كفيلة بالزوار.المنطقة لا تتنفس إلا بإعادة الوجه الحقيقي لها، لأنها أحد أهم الركائز التي تعتمد عليها الولاية في المدخول الداخلي، والكل يأمل بدخل قوي وسريع مع الإصلاحات الجديدة والتغيرات المنتظرة لاسيما على مستوى السلطات المحلية التي هي في واد وعجلة التنمية في واد، والأمر لا يقتصر على حمام سيدي سليما، بل هناك مناطق أخرى أكثر جمالا وبهاء، إلا أنها مهمشة ومنسية ولم ترق إلى ما هو مطلوب ومنتظر، بسبب غض البصر عنها من قبل السلطة المحلية بما فيهم المنتخبون و الأميار سامحهم الله.وعليه على أقل تقدير يستوجب برنامجا مستعجلا لتفعيل الحركة السياحية بالمنطقة وتطويرها، بالإضافة إلى مسح دمار سنوات الجمر، بما يعرف "العشرية السوداء"، ولمَ لا إنجاز منتجعات رياضية بالمناطق المرتفعة المحيطة بمدينة حمام سدي سليمان ، كما تعاني المنطقة كذلك من عدم التعريف بها، والاتهام هنا موجه إلى الإعلاميين إذ كان عليهم على الأقل أن يعرفوا بكنوز الونشريس والسياحة الكبيرة التي تتمتع بها الوجهة، قصد خلق الجو والمحفز الذي يجلب السياح إلى المنطقة، ويرفع الغبن المضروب على أهاليها، وهم بدورهم يشاركون في هذا التأخر الكبير لمنطقة سماها احد المستعمرين "سويسرا" الثانية لأنها تمثل لوحة طبيعية لا تختلف عن اللوحات الموجودة بأوروبا واستراليا، نعم تفضلوا بالزيارة تكتشفوا عجب طبيعة الونشريس ، وإبداع الرحمن في تضاريسها وجمالها، إنه الونشريس النائم على طبيعة خلابة ومناظر تسر من رأى.