خلاف الأولويات في السياسة بين واشنطنوالرياض لا يستدعي الابتعاد بل التعاون إلى أين تتجه العلاقات الأمريكية السعودية وما هو مستقبلها؟ سؤال ظل يطرح في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما. وجاء في وقت شهدت فيه السياسة الخارجية الأمريكية تحولات خاصة باتجاه فتح علاقات مع آسيا والتخلي عن التزاماتها العسكرية تجاه منطقة الشرق الأوسط المضطرب والذي يمور بحروب ونزاعات، والموقف من الأزمة السورية والملف النووي الإيراني. وكل هذه أثرت ووترت العلاقة بين البلدين الحليفين منذ الحرب العالمية الثانية. وانتقد أوباما السعوديةعلنا في مقابلته الشهيرة «عقيدة أوباما» مع مجلة «ذا أتلانتك» وتساءل عن قيمتها كحليف. فبحسب معد المقابلة جيفري غولدبيرغ، عندما سأل رئيس الوزراء الاسترالي مالكوم تيرنبل أوباما في ما إذا كان يتعامل مع السعوديين كأصدقاء، أجاب الرئيس «إنها معقدة». وجزء من هذا التعقيد هي صورة السعودية لدى الأمريكيين والجدل حول الصفحات ال 28 التي قرر جورج دبليو بوش الإمتناع عن نشرها ويعتقد الداعون للكشف عنها أنها تحتوي على دليل «قاطع» بتورط السعودية في هجمات أيلول/سبتمبر 2001 مع أن اللجنة الرسمية في التحقيق بالحادث الذي قتل فيه أكثر من 3,000 شخص لم تعثر على دليل لتورط السعوديين فيها. ومع ذلك فلا تزال هناك نسبة من الأمريكيين تؤمن بدور لعبته الحكومة السعودية في هجمات 9/11. ولهذا أقر مجلس النواب قانوناً يسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية في المحاكم الأمريكية للدور المزعوم بدعم الإرهاب. رد فعل سعودي ويرى أف غريغوري غوس، أستاذ العلاقات الدولية ومدير دائرة العلاقات الدولية في مدرسة بوش للحكم والسياسة بجامعة تكساس إي&أم بمقالة نشرتها دورية «فورين أفيرز» أن السعوديين بدورهم أفرطوا في رد فعلهم وهددوا بسحب مئات المليارات من الدولارات المودعة في الولاياتالمتحدة لو أقر الكونغرس القانون ولم يخفوا سخطهم من الرئيس أوباما الذي اتهموه بالتخلي عن أصدقائه والتقارب مع أعدائهم. واتهم الأمير تركي الفيصل، السفير السابق ومدير الإستخبارات السعودية السابق والذي يعد من أكثر الأصوات الناقدة للإدارة الأمريكية، أوباما برمي كرة مضللة للسعوديين وتوجه نحو إيران. وقال الأمير إن السعوديين سيظلون حلفاء للشعب الأمريكي في تلميح إلى أن الرئيس لم يعد حليفاً. ويعتقد غوس أن عدداً من أعمدة العلاقة بين البلدين التي بنيت بعد الحرب العالمية الثنانية بدأت بالتشقق. فقد انتهت الحرب الباردة التي وحدت ما بين حلفاء غير متوقعين وانتهى نظام صدام حسين وتهديده العسكري المباشر على السعودية ودول الخليج الأخرى. وأدت زيادة معدلات إنتاج النفط المحلي لإحياء فكرة اكتفاء الولاياتالمتحدة ذاتياً. ويرى غوس أن ضعف أساس العلاقات بين البلدين دفع إلى السطح الأصوات الناقدة للسعودية التي قالت إن النموذج الوهابي المحافظ لا يتطابق مع القيم الأمريكية. وقال النقاد إن السعودية تقع في المرتبة الدنيا من الدول الديمقراطية والحرية الدينية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة. وناقشوا أن السعودية هي ملكية مطلقة في عصر الديمقراطيات ولن تعيش والحالة هذه طويلاً. وأكدوا أن السعوديين لا يشاركون الأمريكيين أولوياتهم في الشرق الأوسط خاصة قتال تنظيم «الدولة» ويصرون على دعم أمريكا لهم في حربهم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. بالإضافة لمخاوفهم من الطموحات الإيرانية في المنطقة. تعاون مستمر ورغم وجود هذا النقد الأمريكي والغضب السعودي إلا أن البلدين يتعاونان في أكثر من مجال. ففي نيسان/إبريل زار الرئيس أوباما الرياض لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي وطمأن قادته وأكد التزام أمريكا بحماية أمنهم. وتواصل الولاياتالمتحدة بيع الأسلحة للسعودية ودول الخليج. من جانبهم وافق السعوديون على الإتفاق النووي ويتعاونون أمنيا مع الولاياتالمتحدة. ويخدم هذا التعاون مصلحة البلدين رغم وجود من ينتقده ويصر أسنانه حنقاً. فمن مصلحة الولاياتالمتحدة الحفاظ على علاقة مع السعودية، في ظل انهيار السلطة بالمنطقة. ومن هنا فعلاقة مع دولة أو دول لا تزال تحمي أراضيها وتمارس نفوذاً على جوارها مهم للمصالح الأمريكية. وفي الوقت الذي تتباين فيها الرؤى إلا أن أهداف البلدين مشتركة، فكلاهما يعمل ضد تنظيم «الدولة» و«القاعدة» ويرفض تسيداً إيرانياً على المنطقة ويهمه استمرار تدفق النفط للأسواق العالمية ويرغب برؤية حل سلمي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومن هنا فما يوحد بينهما أكثر مما يفرقهما. التحالف ويقدم غوس رؤية تاريخية لتطور العلاقات بين البلدين فيما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد كان نفط السعودية الكثير مهم لاستراتيجية الولاياتالمتحدة خاصة أن هناك كميات ضخمة وهي مفيدة لإعادة إعمار الدول التي دمرت في أثناء الحرب: أوروبا واليابان. وفوق كل هذا كانت أمريكا التي أرسلت شركاتها لتطوير الصناعة النفطية تريد طريقاً آمناً للنفط الرخيص في شبه الجزيرة العربية. واعترف السعوديون بدورهم أن الإمبراطورية البريطانية التي شكلت واقع المنطقة فيما بعد الحرب العالمية الأولى في تراجع مستمر. ووجدوا أن ما يجمعهم مع أمريكا في النظام ثنائي القطبية أكبر من ذلك الذي يقربهم من موسكو. ورغم الخلافات حول الموقف من إسرائيل إلا أن البلدين أوجدا صيغة للتعاون استطاعت تجاوز الأزمات. وكانت أهم أزمة قبل أزمة 9/11 هي أزمة تصدير النفط في عام 1973 وتغلبت المصالح الجيوسياسية والإقتصادية على الخلافات وأكدت استمرار العلاقات بين البلدين. وقد تغير الوضع اليوم، فلدى البلدان مصالح مشتركة بأولويات مختلفة. فهناك خلاف بينهما حول كيفية الرد على إيران.وترى إدارة أوباما أن أهم أولوية لديها هي وقف وتدمير تنظيم «الدولة» والجهادية السلفية التي يمثلها مع تنظيم «القاعدة».وقد لا تمثل هذه الجماعات تهديداً وجودياً على الولاياتالمتحدة إلا أنها تهدد حلفاءها في المنطقة. أما الهدف الثاني للسياسة الأمريكية بالمنطقة فهو الحد من قدرة إيران على انتاج السلاح النووي، وتحقق هذا الهدف عبر الإتفاق النووي العام الماضي.ويقول غوس إن واشنطن أملت من خلال الإتفاق التعاون مع طهران دبلوماسياً خاصة في سوريا وربما تطبيع العلاقات لاحقا معها. ولم يتحقق هذان الهدفان بعد.وبخلاف قتال تنظيم «الدولة» واحتواء إيران لا تهتم إدارة أوباما بالأهداف الإقليمية الأخرى. فبعد فشلها الأول في إنعاش المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية، وضعت القضية على الرف. والكلام نفسه يصدق على سوريا التي لم يغير الرئيس موقفه من رئيسها وضرورة تنحيه عن السلطة، إلا أن الإدارة لم تفعل ما يجب لدفع بشار الأسد خارج الحكم ولم تقدم إلا دعماً مادياً وعسكرياً قليلاً للمعارضة السورية.وبعد تراجع أوباما عن تهديداته بضرب الأسد بسبب استخدام السلاح الكيماوي، توقفت واشنطن عن التهديد بضربه وركزت عوضاً عن ذلك على تنظيم «الدولة». أولويات الرياض وتبدو أولويات السياسة الخارجية السعودية متناقضة مع تلك التي تحاول الولاياتالمتحدة إنجازها، فطموح الرياض يتركز على منع النفوذ الإيراني في المنطقة. ولهذا وجهت جهودها المالية والدبلوماسية والعسكرية لدعم المعارضة لنظام الأسد. ورغم مشاركة الطيران السعودي في الحملات ضد تنظيم «الدولة» إلا أنها حرفت انتباها تجاه ضرب الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن.ففي السياسة الخارجية تنظر السعودية للمنطقة عبر عدسة التأثير الإيراني وكذا فشلها. فحتى قبل الربيع العربي كانت السعودية تخسر لصالح إيران. وحدث ذلك في العراق منذ عام 2003 ولبنان منذ انسحاب سوريا منه عام 2005. فرغم دعم السعودية تحالف الرابع عشر من آذار الذي فاز في انتخابات عام 2005 و 2008 ظل حزب الله متسيداً الساحة اللبنانية.وفي فلسطين، دعمت السعودية بعد انتخابات عام 2006 عملية مصالحة بين السلطة الوطنية وحركة حماس سرعان ما انهارت واقتربت بعدها حماس أكثر من إيران.وأظهر الربيع العربي حس الحصار الذي تعيشه السعودية التي خسرت حليفها الأهم في مصر، محمد حسني مبارك والذي حملت أوباما مسؤولية الإطاحة به، لتردده في التدخل والوقوف إلى جانبه.ومن هنا رد السعوديون على الربيع العربي بدعم الدول القريبة منهم مثل البحرين وفي سوريا تعاملوا مع الثورة كفرصة جيدة لوقف النفوذ الإيراني في المنطقة.فهم غير راضين عن صعود تنظيم «الدولة» و«القاعدة» في سوريا إلا أنهم يرون أن وجود هذه الحركات الجهادية مرتبط ببقاء نظام الأسد.ولهذا يجب التركيز عليه لتخفيف جاذبية الجهاديين بين السنة في سوريا وبقية الدول العربية. وأدى تردد أوباما في التدخل في الحرب السورية بالسعوديين للتساؤل فيما إن كان يرغب بدعم إيران الشيعية على حساب حلفائه التقليديين السنة. اليمن ويرى الكاتب أن تركيز السعوديين على إيران يفسر تدخلهم في اليمن الذي ظل ضمن حدود تأثيرهم. وأسهموا بعد الربيع العربي بتوفير صيغة لخروج علي عبدالله صالح من السلطة. إلا أن سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014 أحيا مخاوف الرياض من التأثير الإيراني ومحاولة الدخول للمملكة من الجنوب.ويقول الكاتب إن الحوثيين الذي جاؤوا من الشمال يتبعون المذهب الزيدي الذي يختلف عن الإثني عشرية في إيران. ولم تلعب الأخيرة دورا في تشكلهم نهاية القرن الماضي. وتظل مطالبهم مرتبطة بالقضايا القبلية والجهوية والهوية ولا علاقة لها بالمذهبية. ومع أن الحركة الحوثية تبنت شعارات الثورة الإسلامية في إيران إلا أن دعم طهران لها يظل محدوداً.ومهما يكن فقد أعلنت السعودية عن تحالف لمواجهة الحوثيين في اليمن. وفي هذا البلد تتعارض الأهداف الأمريكية والسعودية.فواشنطن تريد مثلاً التركيز على تنظيم القاعدة مقابل تركيز السعوديين على الحوثيين. ويرى الكاتب أن الفوضى في اليمن فتحت المجال أمام دخول «القاعدة» وتنظيم «الدولة» إلى مناطق الجنوب حيث تعملان هناك بحرية. ويعلق الكاتب أن الولاياتالمتحدة التي لا مشاكل لها مع الحوثيين زودت السعوديين بدعم لوجيستي. وجاء هذا من أجل إصلاح العلاقات معهم بعد الإتفاق النووي والحفاظ على مستوى التعاون بين البلدين. نقاد وإزاء هذا التناقض في الأولويات فقد دعا نقاد العلاقة الأمريكية- السعودية واشنطن لإنهاء العلاقة مع هذا البلد بسبب ما يرونه الأيديولوجية الوهابية التي تدعمها الدولة السعودية. وفي هذا السياق يشير إلى تصريحات النائب الديمقراطي كريس ميرفي عن ولاية كونكيتكت عام 2016 والتي قال فيها إن تنظيم «الدولة» يمثل إنحرافاً في تفسير الإسلام «ولكن بذور هذا الإنحراف نابعة بشكل جوهري من تعاليم الوهابية» ودعا الإدارة منع تصدير الإسلام غير المتسامح. صحيح يرد غوس أن هناك ملامح عامة تجمع العقيدة الوهابية وتعاليم «القاعدة» وتنظيم «الدولة». وأن السعودية أنفقت منذ السبعينيات من القرن الماضي الملايين على تصدير النموذج هذا. لكن ما تجاهله ميرفي هو أن السعودية لم تعد تسيطر على السلفية الجهادية منذ ثمانينات القرن الماضي، وأصبحت منذ تسعينات القرن الماضي هدفاً للجهاديين.فالنسخة السلفية التي نشرتها السعودية في الخارج هي نسخة مطابقة لما يمارس داخلها، سلمية ومذعنة سياسياً. ودعت المؤمنين لاتباع ولي الأمر.ويشير هناك للتحول الذي أصاب السلفية في أثناء الحرب الأفغانية التي دعمتها السعودية حيث تحولت إلى حركة ثورية وتمظهرت عبر «القاعدة» وتنظيم «الدولة» لاحقاً.وتمقت هاتان الجماعتان السعودية لعلاقتها مع الولاياتالمتحدة ولأن علماءها يشجبون الحركتين «المنحرفتين» عن الصراط المستقيم.وهذا يعني أن مسار السلفية الجهادية لن يتغير مهما وضعت الولاياتالمتحدة من ضغوط على السعودية، لأن هذه الحركة الأيديولوجية تتصرف بشكل مستقل عن السعوديين». ومع أننا لا نعدم وجود سعوديين درسوا في المدارس الوهابية انضموا لتنظيم «الدولة» إلا أن المزود الرئيسي له ليس السعودية بل تونس الدولة الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من فوضى الربيع العربي. وبالنسبة للغربيين الذين يقاتلون مع تنظيم «الدولة» فمن الصعب رؤية مسؤولية السعودية عن اختياراتهم.لكل الكاتب يرى أن العمل مع السعوديين لمواجهة التنظيمات الجهادية أفعل من محاولة تهميشهم. وأشار إلى مظاهر هذه التعاون مثل إحباط عملية عام 2010 لوضع قنابل على طائرة متجهة للولايات المتحدة واعتقال العقل المدبر لهجوم الخبر عام 1996 أحمد المغيسلي، الذي جاء اعتقاله في بيروت بعد تعاون أمني سعودي- لبناني- أمريكي. ورغم استمرار تبرعات سعوديين لتنظيم «الدولة» إلا ان مساعدة وزير الخزانة لشؤون الإرهاب ديفيد كوهين أثنى على الجهود السعودية لمنع وصول الأموال إلى «القاعدة» وتنظيم «الدولة». وفي المعركة الأيديولوجية يرى الكاتب أن علماء السعودية يلعبون دوراً في الكفاح ضد التفسيرات المنحرفة. وتظل محاولات الغربيين خارجة عن السياق وأقل فاعلية من أصوات الداخل التي تخوض المعركة. النفط ويرى نقاد العلاقة أن اكتفاء الولاياتالمتحدة من الزيت الصخري يدعوها للتخلي عن السعودية. لكن الكاتب يرى أن النفط ليس مهماً في العلاقة، فخلال الحرب الباردة لم تستورد أمريكا ولا نقطة نفط من الخليج. لكن ما يحدد العلاقة الأمريكية مع السعودية وجاراتها هي أهمية هذه للسوق العالمية. فهي تنتج نسبة 30% من النفط العالمي ولا توجد دولة لها أثر على السياسة النفطية العالمية مثل السعودية.